مكانة الأنبياء :
الأنبياء عليهم السلام اصطفاهم الله تعالى من بين خلقه وطهرهم وجعلهم مخلَصين ليس للشيطان عليهم سبيل ، كيف لا وهم حملة الرسالة وقدوة الخلق ..
ومع أن ما سبق من كلام لا يختلف عليه اثنان من المسلمين (خواصهم وعوامهم) إلا أننا نجد بعض الكتاب سودوا كتبهم بما لا يليق بمقام هؤلاء الأنبياء عليهم السلام ، فأخذوا يرددون (كالببغاوات العجماء) ما لاكته سابقا ألسنة أعداء الأنبياء (قاتلهم الله وحرر كل شبر من رجسهم) فساقوا ما يستحى من ذكره من روايات باطلة تنسب للأنبياء الكرام صفات لا تليق إلا بفجرة وفساق !

ضرورة تحري الحقيقة
ومما يؤسف له حقا مسارعة دور النشر لنشر كل ما هب ودب دون تمحيص وتحرٍ للحقيقة مما يتعلق بهذا الموضوع (رغم تنبيه الكثير من العلماء عليها وتبيانهم لبطلانها) ، نعم ينشر ذلك بعناوين تغري وتشد القاريء : قصص الأنبياء ، قصص القرآن ، حكايات ..... ومما يفطر القلب ألما وحسرة هو نقل العديد من المفسرين لمثل تلك الروايات ، مما يستدعي مناشدة أهل الاختصاص من المخلصين الغيورين بإعادة العناية بتلك التفاسير فتطبع من جديد مع التنبيه على ما يحتاج إلى تنبيه .

أين الاطلاع ؟
وقد أعجبني بعض المفسرين حين شددوا النكير على من يلوث كتبه بمثل تلك الأباطيل ولكن حين نرى انتشارها ندرك جيدا أنه لا حياة لمن تنادي ، أو ربما الكثير ممن كتب في ذلك مما كتبوا تلك الفظائع (نقلا عن غيرهم) ونشروها نقول ربما لم يكلفوا أنفسهم بقليل من البحث والتحري ، بل استعجلوا ما يجنونه من دراهم ....
وحق للإمام علي كرم الله وجهه حين حكم على أسلاف هؤلاء من القصاص بالجلد بأكثر مما يجلد به شارب الخمر والقاذف ..
إن هذا الأمر أيضا يستدعي المزيد من التوجيه للناس لبيان حقيقة هؤلاء الأنبياء وصفاتهم الزكية ومنزلتهم العلية ، فهم حملة أمانة الله تعالى إلى خلقه وإذا تم القدح فيهم وانتشر فإن ذلك يعني القدح في رسالتهم ..

داوود عليه السلام ونبأ الخصم
سيدنا داوود عليه السلام نبي كريم من أنبياء الله تعالى الذين اصطفاهم لهداية الناس ، ذكره الله تعالى في مواضع عديدة من كتابه الكريم ، وأثنى عليه ثناء عاطرا خالدا ..
لم يسلم هذا النبي من مضايقات قومه بني إسرائيل في حياته ، بل لم يسلم منهم حتى بعد وفاته ، فها هي الإسرائيليات (رواياتهم) مليئة بما يصفه بأقذر الصفات (وحاشاه) ..
وليس هذا ما يؤلمنا حقا ، بل المؤلم أن تنقل عنهم تلك الروايات المتهافتة فتلوث بها كتب التفسير والتاريخ والقصص والحكايات فتنتشر بين الناس بكثرة فيصدقها المسلمون عوامهم والكثير من خواصهم !
ومن ذلك قصة الخصم الذين تسوروا على داوود محرابه وهو في خلوته حيث يذكر ربه ، وإليكم ما قصه القرآن لنا في سورة ص : "وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسورا المحراب ، إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ، إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ، قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود إنما فتناه فاستتغفر ربه وخر راكعا وأناب ، فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب"
هذه هي القصة على ظاهرها واضحة لا لبس فيها ، ولكن ما الذي حصل ؟ لقد قام الكثير من الكتّاب بنقل روايات تصف داوود عليه السلام بـ :
1. الطمع
2. اللهو عن الذكر
3. ترك الذكر جريا وراء غرض دنيوي
4. إشباع النظر لامرأة تغتسل
5. الطمع في الزواج بامرأة متزوجة
6. تعمد تعريض رجل (أوريا) للقتل حتى يتزوج داوود بامرأته
7. عدم القناعة بما عنده من الزوجات 99 زوجة !!!!!!!!!
وغير ذلك .. فأين عقول هؤلاء الكتّاب ؟ ألا يتقون الله تعالى فيما يكتبونه وينشرونه ؟
ولا أريد نقل تلك الروايات المكذوبة المفتراة والمتنوعة والمختلفة في ألفاظها والمواقف التي تحكيها لكنها كلها متفقة في نسبة سيدنا داوود عليه السلام لما لا يليق أبدا ، وواضح صدورها ممن لا يقيمون للأنبياء وزنا قاتلهم الله ..
ولقد قال الله تعالى لنا بعد آيتين من هذه القصة : "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب"
فأين تدبرهم ؟ وأين تأملهم ؟

الآيات تبين مكانة داوود
إننا نجد قبل القصة بيانا لصفات داوود عليه السلام مع ما آتاه الله تعالى مما يدل على منزلته عنده ، وكلها صفات تخرس ألسنة المتطاولين عليه ، فتأملوا سورة ص كيف وصفه الله تعالى بـ :
1. عبدنا : ولك تخيل ما توحيه الكلمة وإضافتها تشريفا لله تعالى
2. ذا الأيد : وهي قوته عليه السلام في دينه وعبادته وشخصيته وملكه
3. أواب : كثرة تعلقه بربه ورجوعه إليه تعالى من أمور نحن نعدها شيئا عاديا قد لا نلقي له بالا أما داوود فلم يكن هذا تعامله مع ربه تعالى وكما قيل (حسنات الأبرار سيئات المقربين)
4. التسبيح بالعشي والإشراق وتسبيح الجبال والطير معه : واسبح هنا بخيالك وكن في ذلك المشهد لحظة حيث داوود عليه السلام ذاكرا مسبحا بحلاوة صوته وحسن تلاوته فتجاوبه الجبال وتجمع له الطير
5. وشددنا ملكه : قوى الله تعالى ملكه بالهيبة والنصر ، وهذا يدل أيضا على مكانته عند الله تعالى ، وحتى يكون ذلك عونا لداوود عليه السلام في دعوته
6. وآتيناه الحكمة : كان عليه السلام حكيما في أقواله حكيما في أفعاله مثالا يحتذى به في تصرفاته
7. وفصل الخطاب : سواء كان ذلك يراد به عدالته وحسن حكمه بين الناس أو بلاغة أسلوبه وحسن منطقه فكله مما لا نشك من تمتع داوود عليه السلام به

إيحاءات
هذا بالإضافة إلى ما توحيه القصة وما جاء بعدها من تعقيب من اتصاف داوود بالصبر والحلم واستثمار الموقف للدعوة إلى الخير والحرص على قضاء مصالح الناس ونصحهم ، رغم تطاولهم عليه وسوء دخولهم (تسوروا) مع عدم تحسين خطابهم لداوود عليه السلام (لا تشطط) .
فأين هذه الروائع والصفات السامية مما يفتريه المفترون وينشره المبطلون ؟
ثم إن هذه الآيات جاءت تسلية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بعدما ذكرت ما يواجهه عليه الصلاة والسلام من أعداء الله فقال له : "اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود" فهل تتناسب تلك القوادح وهذا السياق ؟

أصل المقال للكاتب حمد بن سليمان المعولي/الوطن
منقوووووووووووووووول