رد الفضلاء على تعليقات "على هامش "إنتاج دلائل التعلمات الأساس ودلائل الأقسام المشتركة &
بواسطة: المسائية العربية
بتاريخ : الأربعاء 10-03-2010 01:10 صباحا
لا يختلف اثنان على ضرورة أن تقوم مؤسسات الدولة الوطنية مركزية كانت أم محلية بالدور الأساس في تخطيط ورسم الاستراتيجيات العامة. لكن يجب أن يتم ذلك بمشاركة فاعلة وحقيقية من المؤسسات المدنية والمنظمات غير الحكومية كذلك.
لقد ثبت عبر حقب التاريخ أن المركزية والسيطرة والتحكم التفصيلي في شؤون مؤسسات التعليم هي أساليب غير مجدٍية على المدى البعيد, وتتناقض كليًا مع فلسفة استقلال المؤسسات التربوية. المهم هنا هو أن تكون الدولة قادرة على بلورة رؤية فلسفية واضحة لسياسة التعليم ككل بكل مراحله, وأن تقوم مؤسسات الدولة بدور الراعي والمنسق وليس بدور الشرطي والجلاد.
إن عليها أن تسعى لتعليم له رسالة واضحة, وأهداف محددة وإجراءات ونظم سليمة وسياسات قبول ملائمة وبرامج وخطط دراسية فعالة. كما عليها أن توفر مرافق وتجهيزات كافية وهيئات تدريس كفؤة وطرائق وتقنيات تدريسية متطورة, دون إسقاط لوعيها الدائم بخصائص الواقع الاجتماعي والاقتصادي في الواقع المعيش. وأن يتم التركيز على تحقيق نتائج واضحة للعملية التعليمية بكل أبعادها من إعداد جيد ومهارات متطورة للخريجين والدارسين وتنمية للإبداع, وبث للحيوية في المناخ الفكري والثقافي, إلى جانب تعزيز قنوات الاتصال والتفاعل البناء مع جهات العمل ورجال الأعمال وتلبية احتياجات سوق العمل وتقديم الاستشارات والخدمات المناسبة.
فغياب الرؤية يؤدي بطبيعة الحال إلى الفوضى والارتجال الذي يفضي بدوره إلى اندحار وتراجع أي ميدان من ميادين الحياة. يقول عالم المستقبليات المغربي الدكتور المهدي المنجرة: "من دون رؤية لايمكنك أن تبني استراتيجية ومن دون استراتيجية لا يمكنك أن تبني سياسة ومن دون سياسة لايمكنك أن تتقدم في أي ميدان من ميادين الحياة". والتعليم هو أحد هذه الميادين التي تأثرت بشكل رهيب بغياب الرؤية، التي أرى فيها المحدد الرئيس لما سيكون عليه الحال بعد مدة زمنية محددة حسب نوعية الرؤية المتبناة، فالرؤية الجيدة وما أقصده بها هنا هو التخطيط المسبق المبني على تجارب وأخطاء الماضي وما نعيشه في الحاضر في محاولة لاستشراف المستقبل وتفادي المفاجآت غير السارة وليس رؤيا المنام، مرادف لمستقبل مبني على أسس متينة ومحكمة بعيدة كل البعد عن ارتجالية الأداء والتسيير. (و هذا ليس تيئيسا يا أستاذي المبجل... )
فكما ورد في المقال فسوء التدبير سبب من أسباب تخلف تعليمنا،لاعتبار أن الإصلاح ليس بالأمر الهين، إذ يخضع لشروط صارمة لا مجال فيها للصدف، وإنما لدراسة منطقية تراعي حاجيات ومتطلبات المؤسسة حاضرا ومستقبلا. كما أن الإصلاحات التي شهدها قطاع التعليم من خلال السياسات التعليمية السالفة، كلها إصلاحات تجزيئية/ تقسيمية ( ترقيعية ) لم تتمكن من تحديد مكمن الداء لتستأصله بالمرة وإنما اكتفت بتهدئته مؤقتا، بمعنى أن المسؤولين عن هذا الإصلاح اكتفوا بمعالجة الأمر انطلاقا من وجهة نظر سطحية وأحادية ولم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة واستنباط المتغيرات العالمية والحركية التي يشهدها القطاع عالميا، وعندما تنسد الأبواب في وجوههم يستوردون منظومات غربية جاهزة علها تأتي بحل سحري، من دون أن يعوا أن هذه المنظومات التي يتهافتون عليها يتطلب إنجازها وقتا طويلا حتى تناسب الوسط المراد زرعها فيه.
وهذه البدايات الرديئة تظل تتفاعل حتى تدور الدوائر على المجتمع ككل, وتتفشى القيم السلبية في العمل والسلوك, من عدم الإتقان إلى تزوير الجودة, ومن ثم الكذب وكل ما يلي الكذب من تشوهات بشرية. وعندما تنتشر تشوّهات الأداء الفردي تتبلور حالات من التشوّه العام, ثم إن هناك علاقة مباشرة بين الإصلاح, أي إصلاح - سياسيًا كان أو اجتماعيًا - ومخرجات العملية التعليمية ، فالديمقراطية المنشودة, بأي مواصفات كانت - أصيلة أو وافدة - لا يمكن أن ينهض بها مجتمع الأغلبية فيه من الأميين, والمتعلمون فيه أكثرهم لم يحصلوا إلا على قشور من المعرفة السطحية, وأثقال من مناهج التلقين والامتثال الفكري والجمود. هؤلاء وأولئك لا يمكن أن ينجزوا إصلاحا حقيقيًا - وخاصة مع بروز منطق للإصلاح يربط حيوية ومنعة الإصلاح بالمعرفة -.
ومن كل ما فهمت من مضامين الردود، استشعرت غيابًا لعنصر أساسي, وهذا العنصر الغائب هو (الإبداع) في العملية التعليمية, بمعنى إفساح المجال للابتكار والاختيار وإعطاء دور للتميز والموهبة, فهي أمور أساسية في النهوض, لأن التميز والابتكار هما القاطرة, التي تشد العملية التعليمية كلها للأمام, لتغادر التخلف والجمود وتنبذ التلقين والامتثال وتكرار إنتاج التخلف. ومن المدهش أن عنصر الإبداع في مدارسنا الحالية, لم يكن غائبًا في عقود ماضية, بقدر ما هو غائب الآن, فالمعلمون في مدارسنا منذ عقود قليلة خلت, كانت لديهم هذه الروح المنتبهة إلى عناصر الابتكار والتميز والموهبة, وكانت لهم أساليبهم البسيطة المخلصة لاكتشاف وتحفيز هذه العناصر. ولن تجد عالماً معاصرا كبيرًا, ولا أديبًا متميزًا إلا وهو يعبر عن امتنانه لأساتذته البسطاء المخلصين هؤلاء.
فهل نتقدم مع الزمن أم نتخلف؟؟
لحسن كجديحي
المسائية العربية
http://www.almassaia.com/ar/news_view_2758.html