مقدمة عامة:
ينص الظهير الشريف بتاريخ 15 نونبر 1958 ،المنظم للجمعيات بالمغرب، على أن"الجمعية هي اتفاق لتحقيق تعاون مستمربين شخصين أو أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطاتهم لغاية غير توزيع الأرباحفيما بينهم".
كما تأكد جميع القوانين المنظمة للعمل الجمعوي، على أنه، تعتبر باطلة، كل جمعية تأسست لغاية أو أهداف غير مشروعة تتنافى والقوانين أو الآداب العامة أو تمس بالمقدسات الدينية والوطنية.
من هذا المنطلق، فالجمعيات، بالمغرب، تعمل في إطار القوانين العامة المنظمة للحياة الاجتماعية ضمن المجتمع المدني، خاضعة لمقتضيات القانون الأساسي وقانونها الداخلي المحددين لتوجهها وموقعها وأهدافها وأنشطتها والتزاماتها وأنواع تعاملها ومعاملاتها تجاه مختلف الأطراف والمؤسسات والهيئات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمهنية.
وتنهض مختلف الجمعيات، وتستمر، على أساس العمل الجمعوي الذي يعتبر أحد الدعائم الأساسية للتعاون والتواصل والتضامن والتكافل بين الأفراد والجماعات، من أجل تحقيق أهداف ثقافية واجتماعية ومهنية وغيرها محددة مسبقا ومعلن عنها، وتعتبر، ضمن العمل الجمعوي، دعامة أساسية للتنمية البشرية.
في هذه المقالة المتواضعة، سوف نحاول تسليط الأضواء على بعض الجوانب المتعلقة بجمعيات المجتمع المدني بشكل عام محاولين الإجابة قدر الإمكان على الأسئلة المحورية التالية:
ما هي طبيعة العمل الجمعوي؟ وما هي أهداف العمل الجمعوي؟ وما هي الركائز الأساسية للعمل الجمعوي؟ وكيف يمكن ضمان سيرورة واستمرارية العمل الجمعوي؟ وما هي دور العمل الجمعوي في التنمية البشرية؟
حيث إن القوانين متعت مجموعة أشخاص، ولو قليلة العدد، بحق تأسيس جمعية بكل حرية، فإن هؤلاء الأشخاص، وبشكل تلقائي، وبمحض إرادتهم، ووفق اتفاقيات بينهم تتأسس على قبول الآخر والتراضي، يتحملون أعباء ما يتطلبه العمل الجمعوي، من التأسيس، إلى التمتع بالوضعية القانونية، إلى وضع تصورات للبرامج والسهر على إنجازها، والتأكد من تحقيق الأهداف المعلنة، وتقييمها وتحديد مدى الارتياح لنتائجها، وملامسة مدى التغيرات الطارئة على الساكنة الجمعوية في مختلف المجالات المادية والمعنوية وعلى جميع الأصعدة.
وحتى نحقق الأهداف المتوخاة من هذه المقالة المتواضعة، فإن منهجية مناولتها تحتم الالتزام بالأجوبة على الأسئلة المطروحة آنفا، استنادا إلى تقارير ومراجع جمعوية، من جهة، وتجارب جمعوية متواضعة، من جهة أخرى، وذلك وفق ما يلي:
I.طبيعة العمل الجمعوي:
باعتبار الجمعية اتفاقية بين مجموعة من الأشخاص، تلقائيا وبكل حرية، يستخدمون معلوماتهم أو نشاطاتهم لغاية غير كسب الربح أو توزيعه في ما بينهم، فإن العمل الجمعوي، الذي يعتبر ممارسة ثقافية من حيث جوانبها النظرية والعملية، يتسم بعنصر التطوع الذاتي الإرادي والمبادرة الشخصية انطلاقا من إيمان وقناعة راسخين لتحقيق مصالح عامة، مع التحلي بروح التعاون والتكافل والتضامن ونكران الذات والتضحية المادية والمعنوية، بكل تفان في العمل المستمر، والتفاهم وتفهم المواقف المختلفة، وتقديرها في إطار قبول الآخر والاحترام المتبادل. ولا يجب أن ننسى، أن هذا لن يتأتى إلا بالتحلي بالصفات الحميدة، من إخلاص وأمانة وصدق وغيرها. كما يجب ألا ننسى كذلك، أن كل شخص منخرط في العمل الجمعوي، عليه أن يتسلح بالصبر ورحابة الصدر وامتلاك النفس الطويل لضمان الاستمرارية، بعزيمة وطموح لا ينضبان. ومن المؤكد أن تمكن كل جمعوي بمنهج الحكامة الجيدة والتدبير العقلاني المادي والمعنوي والقدرة على تدبير الاختلاف، ولو أن في الاختلاف رحمة، وتذويبه في الاتجاه الإيجابي واستغلاله بحكمة ولباقة، يؤدي، لا محالة، نحو تحقيق الأهداف المسطرة لفائدة الصالح العام.
وعلى العكس من ذلك، فكل تقاعس أو تواكل أو ملل أو قلق أو توترات عصبية أو ملاسنات أو انتقادات هدامة أو عرض مطالب خاصة أو انعدام الثقة، يؤدي إلى الإحباط وتراخي المنخرطين وفتور العلاقات وتوقف أو تجميد الأنشطة وفض العمل الجمعوي الذي يصعب رأب صدعه بعد انكساره.
II.أهداف العمل الجمعوي:
من المعلوم أن طبيعة كل جمعية، تحدد، عند تأسيسها نوع الأهداف المراد تحقيقها، التي تنسجم بالطبع مع توجهاتها انطلاقا من توجهات مؤسسيها والمنضوين تحت لوائها منخرطين ومتعاطفين.
وتروم الجمعيات، بشكل عام، تحقيق الأهداف التالية:
· التربية على المواطنة وغرس القيم الأخلاقية والديمقراطية واحترام الآخر والمقدسات الدينية والوطنية والمؤسسات والهيئات الوطنية؛
· التربية على التعامل وفق مبدأ الحقوق والواجبات وحسن استعمال مساحة الحرية التي يتمتع بها كل فرد؛
· التربية على الانفتاح على الآخر وحب العمل التشاركي والمشاركة في بلورة وإنجاز مشاريع منتجة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية وغيرها؛
· تقوية وتعزيز وحدة الصف وتراصها والتعايش والتآلف وتمتين العلاقات بين الأفراد والجماعات والتعاون الهادف والتفاعل الاجتماعي والثقافي المثمر والبناء؛
· تنمية روح التكافل والتضامن والتآزر والمبادرة الشخصية والتضحية ونكران الذات وتوطيد العلاقات ومد جسور التواصل وتعزيزها بين الأفراد والجماعات؛
· صقل ملكات الخلق والإبداع وتشجيع المبادرة الشخصية في المجالات الفنية والرياضية وغيرها؛
· المساهمة في التنشئة الاجتماعية للأفراد والجماعات وتعريفهم بالثقافة المحلية والوطنية من أجل إعداد مواطنين صالحين متشبعين بالقيم الخلقية والثقافية الوطنية؛
· التعريف بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية، والتوعية بخصوصياتها ومواصفاتها ودواليب مجرياتها من أجل تذويب المشاكل والصعوبات لحفز الأفراد والجماعات على المشاركة والمساهمة والانخراط في مختلف الميادين الضامنة للانفتاح والإنتاج؛
· إكساب الأفراد تجارب ميدانية تمكنهم من مواجهة مختلف المشاكل والصعوبات التي تعترضهم، وذلك عن طريق التفكير العقلاني المنهجي والبحث عن الحلول الملائمة والتأقلم والتكيف مع مختلف الوضعيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها؛
· المشاركة في القيام ببحوث وإنجاز دراسات ميدانية في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتربوية، والمساهمة في اقتراح حلول ملائمة لتجاوز مختلف المشاكل المرتبطة بهذه المجالات.
III.الركائز والدعامات الأساسية للعمل الجمعوي:
بطبيعة الحال، يحتاج كل شيء لركائز ودعامات للوقوف والتوازن والتواجد على أرض الواقع، ومن ثم الإسهام والمساهمة والإنتاج والتفاعل. فعلى هذه الأسس ينبني العمل الجمعوي الذي يحيا ويدب وينتعش ويزدهر كلما توافرت الركائز والدعامات التالية:
· توافر النوايا الحسنة والإيمان الصادق، لدا أعضاء الجمعية، بالقضايا المشتركة والأهداف النبيلة المسطرة والمرجو تحقيقها؛
· انخراط الأعضاء بقوة، ماديا ومعنويا، والعمل على توفير الدعم اللازم لضمان سيرورة العمل الجمعوي واستمراره وضخ دماء جديدة في عروقه، واستغلال كل فرصة، إيجابيا، تتاح للسير قدما بالجمعية وضمان إشعاعها وازدهارها؛
· دعم الانخراطات الشرفية وعقد شراكات مع جمعيات وهيئات ومؤسسات اجتماعية واقتصادية وثقافية ذات الأهداف المماثلة، في إطار التعاون وتبادل الخبرات والتأطير المتبادل، وكل ما يمكن الجمعية من تحقيق أهدافها وإسعاد أعضائها ويعود عليها بالتقدم والازدهار؛
· تكثيف المبادرات الفردية والجماعية وتنويع مواضيع الإبداعات والإسهامات من أجل كسر حالات الجمود والرتابة التي يمكن أن تخيم، بين الحين والآخر، على الأعضاء والأنشطة المبرمجة؛
IV.كيفية ضمان سيرورة واستمرارية العمل الجمعوي:
ولضمان سيرورة واستمرارية العمل الجمعوي إنتاجا وإشعاعا، لا بد من توافر الآليات والتجهيزات والشروط التالية:
· تشكيل مكتب أو مكاتب وطنية وجهوية ومحلية تسهر على السير العادي لمختلف الأنشطة المبرمجة وتعمل على التنسيق المستمر بينها وبين مختلف المؤسسات والجهات والفعاليات؛
· الالتزام بمقتضيات النصوص والقوانين التنظيمية خصوصا منها القانون المؤسس المشار إليه أعلاه؛
· تسطير ووضع برامج وفق توجهات الجمعية وأهدافها تستجيب لحاجيات الفئة الجمعوية والأغراض التي من أجلها تأسست هذه الجمعية، وذلك على الصعيد المحلي والجهوي والوطني؛
· العمل وفق نظام اللجان، مع السهر على التنسيق بينها، حسب اهتمامات ومجالات اشتغال الجمعية والأهداف المسطرة ؛
· تنظيم دورات تأطيرية مستمرة، في شكل لقاءات وندوات وطاولات مستديرة ورحلات دراسية وثقافية وتبادل زيارات وخبرات مع جمعيات أخرى ذات الأهداف المماثلة، وذلك من أجل تأهيل الطاقات البشرية وإقدارها على التفاعل والاستمرارية والإنتاج؛
· العمل باستمرار، والتذكير كلما أتيحت الفرصة، بضرورة وأهمية تمتين أواصر التواصل والحوار البناء الرامي إلى تذويب الخلافات ونسج روح التآخي والتضامن والتآزر ؛
· العمل على توفير التجهيزات اللازمة والإمكانات الضرورية والبنيات التحتية والموارد البشرية والمالية الضامنة لسير العمل الجمعوي في ظروف عادية ودون تأخير أو تأجيل الأنشطة المبرمجة؛
· تكثيف التظاهرات والأنشطة الإشعاعية وتنويعها من ملتقيات ومحاضرات وندوات ...محلية وجهوية ووطنية؛
· إصدار مجلات وكتيبات ومطويات تعرف بالجمعية وأهدافها وبرامجها ومناهج اشتغالها، وتضم مواضيع ومقالات حول أنشطة الجمعية وإنتاجاتها؛
· استعمال الجرائد والصحف والمجلات الوطنية والوسائل السمعية البصرية من حين لآخر للتعريف بالجمعية أو إخبارات بنشاط معين تنظمه الجمعية؛
· الاتصال بالسلطات المحلية والهيئات المنتخبة ومختلف المجالس المحلية والجهوية والوطنية، قصد تمتين العلاقات ونسج روابط التعاون والتنسيق المستمرين؛
· اعتماد الوسائل الحديثة للإعلام والتواصل وإحداث موقع على الشبكة العنكبوتية واعتماد أساليب التواصل التفاعلي والتشاركي؛
· تعزيز أسلوب التواصل عبر العناوين الإلكترونية الشخصية مع التذكير بالقوانين التنظيمية في هذا المجال.
V. دور الجمعيات في التنمية البشرية:
تتعدد المجالات الجمعوية بتعدد اهتمامات وتوجهات المجتمع المدني. حيث تتوزع المشاريع والأنشطة الجمعوية، بشكل عام، لتشمل المجالات الحيوية في كل مجتمع، وهي المجال: الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، التي تتطابق إلى حد بعيد مع مختلف مجالات التنمية البشرية.
وباعتبار التنمية البشرية، في مفهومها العام، سيرورة شاملة لهذه المجالات، فإنها تهدف إلى تحقيقتقدم السكان في حياتهم وتضمن رفاهيتهم وازدهار المجتمع عموما.
ومن الأدوار الهامة والأساسية التي يضطلع بها العمل الجمعوي، كما تقدم، تأطير الأفراد وتأهيلهم للمساهمة بشكل نشيط وفعال وحر في التنمية البشرية في مختلف المجالات الحياتية.
وباعتبار الفرد فاعلا في عملية التغيير الاجتماعي فإن مختلف الأنشطة الجمعوية تركز على توجيه الطاقات البشرية وإعدادها للمشاركة الفعالة في التنمية البشرية، ليصبح الإنسان مساهما ومنتجا إيجابيا عوض مستهلك سلبي. ومن ثم يزدهر النمو الاقتصادي ويتطور الإنتاج وتتحسن الإنتاجية التي تعبر أحد الشروط الأساسية لتحقيق التنمية البشرية.
خاتمة:
وعيا من مختلف الفاعلين الاجتماعيين من مختلف الشرائح الاجتماعية، وسعيا لتحقيق تنمية شمولية في جميع المجالات، أصبحوا يولون اهتمامهم إلى العمل الجمعوي الذي أضحى يحتل موقعا أساسيا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
المراجع:
§ المملكة المغربية، الظهير الشريف رقم 1-58-376 بتاريخ 3 جمادى الأولى 1378 الموافق ل 15 نونبر 1958.
§ الجمعية العامة،منظمة الأمم المتحدة، الإعــلان العـالمي لحقـوقالإنسان، اعتُمد بموجب قرار 217 ألف(د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.
§ التحول الديمقراطي بالمغرب، التقرير السنوي 2004 منشورات منتدى المواطنة 2005 الدارالبيضاء ، مرصد الانتقال الديمقراطي بالمغرب.
§ تقارير ميدانية حول برامج وأنشطة بعض الجمعيات وطرائق اشتغالها.
* مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.
NHARI Mbarek