تكريم المدرس في حياته، لا بعد مماته/جرادة: محمد السباعي
المنارة الإخبارية
18/03/2010
تعتزم إحدى الجمعيات بجرادة تنظيم حفل تأبين في حق الأستاذ محمد عزاوي الذي وافته المنية يوم 11 مارس الجاري. وإذ نشكر للسيد النائب لإقليمي الجديد حضوره يوم الجمعة في جنازة المرحوم ، فإننا نرى أن التكريم الحقيقي لرجل التعليم يجب أن يكون في حياته وليس بعد مماته. فزميلنا الأستاذ عزاوي رحمه الله كان يدرس الإنجليزية ثانوية جابر بن حيان التأهيلية بجرادة منذ أن فتحت المؤسسة أبوابها ثم أصيب بإعاقة في الحركة والمشي ، فأصبح مكلفا بتنشيط نادي المسرح وتأطير التلاميذ في إطار مسابقة الفيلم التربوي التي تنظمها الوزارة في كل سنة. هذه الإعاقة كانت تسبب له آلاما حادة بحيث لم يكن يستطيع أن ينحني لامتطاء سيارة إلا بصعوبة كبيرة وإذا سقط منه قلم في قاعة الأساتذة، يطلب من أحدنا أي يمده إليه، بل لم يكن يستطيع حتى أن ينحني لغسل رجليه… كانت حياته كلها ألم ومعاناة. وكانت أجرته الهزيلة تلتهمها حصص الترويض والعمليات الجراحية المتتالية وتكاليف التنقل إلى المستشفيات بالرباط ومصاريف الدواء والديون الأخرى، ناهيك عن مصاريف الكراء في وجدة و قوت الأسرة المكونة من أربعة أبناء. كان المرحوم مرتبا في السلم العاشر. باختصار كان حالة صحية واجتماعية معروفة لدى النيابة الإقليمية وكان أحق بالانتقال إلى وجدة من كل الحالات الأخرى. ذهب معنا يوم الثلاثاء 09 مارس مساء في سيارة أحد الزملاء وكان المطر غزيرا وكنت في المقعد الأمامي منشغلا بقطرات المطر التي تتسرب من سقف السيارة (نوع رونو5) والتي يلقبها صاحبها ب “السكن غير اللائق” ! وكنا نحاول التخفيف من معاناة المرحوم الذي كان يشكو من ألم في العمود الفقري كلما اهتزت السيارة المتواضعة بسبب الحفر الكثيرة على طول الطريق في اتجاه جرادة. كلفني ساعتها بأن أبلغ اعتذاره لزميلنا الأستاذ إدريس لكور الذي يرقد بمستشفى الفارابي منذ شهر بعد إجراء عملية جراحية. أثنى عليه كثيرا لأنه وقف بجانبه في ضائقته وسانده السنة الماضية لما سافر إلى الرباط لإجراء عملية جراحية. سألناه لماذا يعذب نفسه ولا يقدم شهادة طبية طويلة الأمد ليرتاح في بيته. فكان جوابه “واش خلاوك !!”. ثم علمنا بعدها أنه توصل بمبلغ 1300 درهم في حوالته لشهر فبراير بعد ما اقتطعت الوزارة من أجرته مبلغ 2000 درهم!! وهددوه باقتطاع آخر.
وفي صباح الأربعاء جاء دوري لأخذ الزملاء على متن سيارتي وكنا أربعة ولم يكن من الممكن أن نأخذ معنا الأستاذ عزاوي رحمه الله. وجاء رفقة زملاء آخرين من نفس المؤسسة. وضع اللمسات الأخيرة للفيلم التربوي الذي أنجزه رفقة نادي المسرح بالثانوية على أمل عرضه مساء يوم الجمعة. لكن القدر لم يمهله، فوافته المنية مساء يوم الخميس في بيته بوجدة بعدما سمح لزوجته بالخروج لزيارة قريبة لها وأكد لها أنه بخير. ولما رجع ابنه من المدرسة وجد الأب جثة هامدة في فراشه. مات الأستاذ عزاوي في هذا المنزل غير اللائق فعلا ، لأن الزملاء لم يستطيعوا إدخال النعش لضيق المكان، فأخرجوا جثة المرحوم ليضعوها في النعش. نعم هكذا يموت رجل التعليم المجاهد: إما بأزمة قلبية وإما في حادثة سير رهيبة وإما نتيجة الغبن والحكرة… لقد كان الوشاة ومنعدمو الضمير ينعتونه بالموظف الشبح وبالمتهاون وبالمتملص من أعباء القسم، وهم في مكاتبهم المكيفة لايفعلون شيئا… أخدته الوزارة لحما ، ورمته عظما… حتى أفكاه الفنية لم تسلم من السرقة. انتقل الوصوليون إلى وجدة وهم أصحاء وتركوه وهو نصف مشلول يواجه متاعب التنقل اليومي من وجدة إلى جرادة… رحم الفقيد وأسكنه فسيح جنانه، لقد أخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ألم المرض يخفف من الذنوب وأنت كنت مريضا وعانيت كثيرا وصبرت ورضيت بقدر الله.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
محمد السباعي
عن وجدة البوابة