إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى خير زاد للقاء الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران).
عباد الله:
لقد امتن الله تعالى على عباده بنعم كثيرة، [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا..] (النحل:18)، وسخر لهم كل شيء في الكون من أجل طاعته وعبادته، [أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً..] (لقمان:20). فكل هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى، وتلك النعم التي تترى على العباد جعلها الله تعالى عوناً لهم على السير إلى طلب رضاه ونيل جنته.
لكن بعض الناس أساءوا استخدام تلك النعم فاستعملوها في معصيته، وتقربوا بها إلى غضبه ومقته، ومنها تلك الأجهزة الحديثة التي تتابعت على المسلمين من كل حدب وصوب من جوالات، وأجهزة فيديو وتلفاز، وإنترنت، واستعملوا تلك الوسائل في غير مرضات الله، فحاد الكثير عن طريق الخير وسلكوا طريق الغي والضلال.
ومن تلكم الوسائل التي فتحت للناس أبواب العالم كلِّه، ويسرت لهم الكثير من الأمور الشبكة العنكبوتية ـ الإنترنت ـ، فهذه الخدمة قدمت لكثير من الناس منافع كثيرة من تيسير في التعاملات وتحصيل العلوم النافعة، والانتفاع بالأبحاث المفيدة، والاطلاع على أخبار العالم، وغير ذلك من أمور الخير.
إلا أنه وعلى الجانب الآخر نجد أن تلك الشبكة العنكبوتية عادت على الكثير من أبناء الأمة بالشر العظيم جراء سوء استعمالها.
قد رغبت في إيضاح أضرار الشبكة العنكبوتية ـ الإنرتنت ـ على من يستعملها استعمالاً خاطئاً، والتوجيه إلى الحذر منها وخطرها على الأهل والذرية، فبعض الناس ــ هداهم الله ــ يُدخل تلك الخدمة إلى بيته دون حذر أو متابعة فيعود ذلك كله على أهله وأولاده بالشر المستطير.
ومن تلك الأضرار:
أولاً: ضياع الأوقات: فإذا نظر المسلم من يجلس أمام شاشات الإنترنت علم طول الوقت الذي يخسره من عمره في غير منفعة، بل ربما يعود ذلك عليه بالضرر الحسي والمعنوي، فالجالس أمام تلك الشاشة يقلب بصره يميناً وشمالاً، ويبحث عما لا يفيده، فيضيع عليه عمره هباءً منثوراً، وعند موته يتحسر على تلك الساعات التي فاتت من عمره في مرضات الله، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)(رواه البخاري).
ثانياً: التعرف على صحبة السوء: وهذا مشاهد في كثير من الأحيان، فالداخل إلى تلك الشبكة يبحث عن المتعة واللذة، فيصاحب من يكون على شاكلته، والغالب أنهم من أصحاب الهوى والشهوات الذين ليس لهم هم سوى الدخول في بحر الحب والغرام، والبحث عن الأفلام الهابطة والصور الخليعة، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول:(مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة)(متفق عليه).
ثالثاً: نشر الكفر والإلحاد وزعزعة العقائد والتشكيك فيها: عن طريق بث الشكوك والشبهات حول دين الله تعالى، وكتابه الكريم، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفتح المجال للتبشير بالأديان المحرفة، وصدق الله إذ يقول [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً..)(النساء:89)، وقال تعالى:(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ..](البقرة:120).
خامساً: تدمير الأخلاق ونشر الرذائل: عن طريق نشر الأفلام المخلة الهابطة، والصور الخليعة الماجنة، وفتح المجال في الدخول إلى غرف الشاشات والدردشة، والغرق في أوحال الدعارة والفساد، والتجسس على الأسرار الشخصية، مما أثر ذلك في انتهاك حرمات المسلمين، ووقوع الكثير من الفتيات في شباك أصحاب القلوب المريضة، الذين استغلوا ضعفهن في ابتزازهن وانتهاك أعراضهن، مما أودى بكثير من البيوت إلى الانهيار والخراب، وصدق الله تعالى إذ يقول:[إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ..](النور:19).
سادساً: التقليد الأعمى للغرب: وهذا واقع حال كثير من المسلمين بتأثرهم بعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قيل يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: فمن؟)(متفق عليه).
سابعاً: إهمال جانب الصلاة وضعف الاهتمام بها: وهذا مشاهد فيمن يجلس الساعات الطوال يتقلب بين صفحات الإنترنت ومواقعه، فربما تضيع عليه الصلاة والصلاتان، وربما يؤخر الصلاة أو يتركها بالكلية، وصدق الله تعالى إذ يقول [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً] (مريم:59).
ثامناً: الوقوع في براثن أهل الفكر الضال والتأثر بهم: عن طريق تلك المواقع التي تبث الفتن، وتوقع العداوة، وتنمي الأفكار الضالة المنحرفة عن منهج الله، ويتم التعرف فيها على أساليب الإرهاب والتخريب، والتأثر بهذا الفكر المنحرف.
تاسعاً: إشاعة الخمول والكسل واللامبالاة: وهذا ما يريده أعداء الإسلام، لكي لا يكون للمسلمين قوة ومكانة بين بلاد العالم، فكلما تملك الخمول والكسل واللامبالاة من الشاب أو الفتاة المسلمة كلما كان ذلك أدعى ألا يستفاد منهما في شيء، بل ربما يكونان عالة على مجتمعهما ووطنهما، مما يؤدي ذلك إلى ضعف البنية الاقتصادية والاجتماعية وانتشار البطالة وكثرة الجرائم والإصابة بالإمراض النفسية.
عاشراً: إضعاف مستوى التعليم: وذلك بإشغال الشباب والفتيات بأبواب كثيرة من الباطل وصرفهم عن العلوم النافعة التي تعود عليهم وعلى بلادهم بالخير والنماء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ}(هود:113).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن سعادة العباد في الانقياد لأوامر الله، وعدم الوقوع في معاصيه.
عباد الله:
حريٌ بمن كان له قلب وعقل وإيمان أن يحسن التعامل مع شبكة الإنترنت العنكبوتية وألا يُفْرط بالثقة في نفسه فيوقعها في الفتنة ثم يصعب عليه الخلاص منها، ولو نظر المسلم للعواقب التي تصيب بعض المسلمين من جراء جلوسهم أمام شاشات الإنترنت لحرص أشد الحرص على تجنب الجلوس ساعات طويلة دون فائدة أو خير يرتجى.
وعلى المسلم أيضا ألا ينساق وراء وساوس الشيطان وخطواته: لأنه كلما بَعُدَ المسلم عن طاعة ربه، ووقع في معصيته سوَّل له الشيطان المزيد من الشر والباطل فأورده المهالك وأخذ بيده إلى طريق الضلال، وصدق الله تعالى إذ يقول [وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ](البقرة:186)، وقال أيضا [إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ](فاطر:6). فالعاقل اللبيب لا يثق بعدوه أبداً، ولا يلقي بنفسه في براثن الفتن.
عباد الله:
ومما يعين المسلم على النجاة من فتنة شاشات الإنترنت أن ينظر في العواقب، وأن يجاهد نفسه ويلجمها بلجام التقوى، وأن يعلم أن جلوسه أمام تلك الشاشات يعرضه للفساد المادي والمعنوي، ولو نظر إلى غيره ممن تأثر بتلك الشاشات لعلم علم اليقين مدى أثرها على حياتهم المادية والنفسية، وكم من طالبٍ فشل، وكم من موظف طرد من عمله، وكم من زوج طلق زوجته، وكم من فتاة وقعت في الفتنة، وكم من بيت خرب، وكم من صالح ضل، وكم من شاب تأثر بالفكر الضال، وهكذا دواليك مما يجعل المسلم حريصاً على نفسه من الوقوع فيما وقع فيه غيره.
عباد الله:
ومما يكون عوناً للمسلم على الاستفادة من الإنترنت دون التأثر بما فيه تخصيص وقت معين للجلوس أمامه مع تحديد الهدف من ذلك، أما إذا استرسل مع صفحات تلك الشاشات وانتقل من موقع إلى آخر دون هدف أو غاية ضاع وقته وقلت إفادته.
ومن ذلك أيضاً: تجنب المؤثرات: فالنفس مائلة لكل جديد، وحريصة على كل مخالفة للشرع، قال تعالى[إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي..](يوسف:53)، فيبتعد عن كل موقع تُعرض فيه مخالفات شرعية، وعن كل منتدى يُثار فيه الكلام الفاحش البذيء، وينأى بنفسه عن الصور الفاضحة، واللقطات المثيرة، فإذا نأى بنفسه عن ذلك حفظ إيمانه ونفسه من كل شر.
ومن ذلك أيضاً: غض البصر: فكل صورة تعرض على الإنسان ولو بدون قصد يتأثر بها، وتكون موجودة في مخيلته، وخاصة تلك الصور الفاضحة لنساء كاسيات عاريات، وتلك الأفلام الهابطة التي تعرض الجنس بكل صوره، فإذا تذكر المسلم قول الله جل وعلا [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ](النور:30، 31)، وطبق ذلك أرضى ربه وارتاحت نفسه، وشعر بنور الإيمان يشع من قلبه.
ومن ذلك أيضاً: التثبت مما يعرض عليه: فالمؤمن يكون حريصاً حال تعامله مع الإنترنت أن يتثبت مما يعرض عليه، فغالب ما يوقع الشباب والفتيات في الشر والباطل والوقوع في براثن الفكر المنحرف هو عدم التثبت ممن يتعامل معهم أو مما يُعرض عليه من تلك المواقع والمنتديات فيكون فريسة سهلة لهم.
ومن ذلك أيضاً: أن يكون التعامل مع الإنترنت في مكان عام: بحيث يكون هناك وقاية للشباب والفتيات من استماع أو رؤية ما لا يحل، فالغالب على الشباب والفتيات حب الاستطلاع، ورؤية مالا ينبغي، فإذا حرص ولي الأمر على وضع هذا الجهاز في مكان عام يراه الداخل والخارج ساعد ذلك في عدم الوقوع فيما لا يرضي الله تعالى.
ومن ذلك أيضاً: لزوم رقابة الله تعالى: فمن أعظم الزواجر التي تعين المسلم على التعامل مع شاشات الإنترنت وغيرها وجود وازع الرقابة لله عز وجل في قلبه، وعلمه باطلاعه على أحواله وأموره، وأنه سوف يحاسبه عن كل صغيرة وكبيرة، فيكون ذلك داعياً له في عدم الوقوع فيما حرم الله، وعوناً له على فعل كل خير.
وأخيراً: على جميع من ولاه الله أمر المسلمين، من مسؤولين، ودعاة، ومعلمين، وآباء وغيرهم أن يتقوا الله في أولادهم، وأن يحرصوا عليهم من الشرور التي تعرض لهم، وأن يجنبوهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحرصوا على صحبة الخير لهم، فكل وسيلة يأخذ بها المسلم حرصاً على نفسه وعلى إخوانه وأولاده فهو مأجور عليها إن شاء الله وتكون عوناً له بعد فضل الله في الثبات على الحق.
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحفظ المسلمين من كل شر، وأن يوفقهم لكل خير، وأن يأخذ بأيدي شبابنا وبناتنا إلى الحق، وأن يمكر بمن يكيد بهم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب:٥٦).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 2/3/1430هـ
نشر بتاريخ 28-02-2009
عن موقع منار الاسلام
http://www.m-islam.com/articles.php?action=show&id=715