ظاهرة تشغيل الأطفال يشجعها الفقر والهدر المدرسي
عبـد الفتـاح الفاتحـي
Thursday, March 25, 2010
هسبيريس
عندما يتوجه أقرانه كل صباح إلى المدرسة يغادر رشيد بيت أحد أقربائه قاصدا " الكراج" ورشة الميطلة التي يشتغل بها منذ أزيد من سنة، منذ أن غادر مقاعد الدراسة لظروف قاهرة تاركا بلدته بهوارة وعائلته الفقيرة المكونة من خمسة إناث وثلاثة ذكور هاجروا إلى الدار البيضاء تباعا بحثا عن عمل، فيما كان قدر رشيد أن يستقر ببيت أحد أقربائه لجهة أبيه ويبدأ حياة مهنية مبكرة سعيا وراء صنعة "إيل ما غناتو تعيشو"، أمثال رشيد كثر يشتغلون بعدد من الورشات وشبه المقاولات، ودكاكين البقالة، ويتواجدون لأسباب مختلفة في وسط لا زالوا صغار عنه، حيث يستغلون كيد عاملة رخيصة طيعة ومنتجة.
ولقد استفحلت ظاهرة تشغيل الأطفال في سن التمدرس يوما بعد آخر، لتشمل الجنسين من الذكور والإناث، وتمتد لتشمل أيضا العديد من القطاعات؛ بحيث يتم تشغيل الأطفال في ورشات النجارة التي تستقطب فئة كبيرة من الراغبين في العمل والتعليم، إضافة إلى ورشات الحدادة، الميطلة، الميكانيك، وأنشطة أخرى عشوائية، فيما توجه الفتيات للعمل بمعامل النسيج التقليدية.
وتشتغل نسبة كبيرة من الفتيات لم يتخطين بعد مرحلة الطفولة في مهن تسند في الغالب للراشدات من قبيل العمل كنادلات بالمقاهي، أو جابيات بشركات النقل، أو بائعات لمنتوجات مختلفة بنسب مئوية عن كل رقم مبيعات يحققنه وفق اتفاقاتهم مع الشركات صاحبة المنتوجات. ويتم استغلال فئة عريضة منهن في معامل النسيج والخياطة كمتدربات لفترات طويلة، قبل تشغيلهن بأجور زهيدة لا تتعدى 500 درهم للشهر عن فترات عمل تصل إلى 12 ساعة يوميا.
وتجسد مريم ذات السادسة عشر سنة قصيرة القامة نحيفة البنية نموذجا حيا للفتيات اللائي يلجن عالم الشغل تحت ضغط الحاجة قلت ذات اليد، حيث أوقفت مسيرتها التعليمية منذ مطلع فبراير الماضي بعد اقترحت عليها والدتها ذلك منذ العطلة الصيفية للموسم الماضي رغم نجاحها في السنة الأولى من التعليم الثانوي. بعد تردد على الحي الصناعي لأكثر من شهر دون أن تفلح في الظفر بفرصة عمل ولو سبيل التدريب، قبل أن ترشدها زميلة لها إلى إحدى شركات النقل التي تشغل الجابيات، فقدمت طلبها هناك وتم قبوله، ثم شرعت في العمل كمتدربة لمدة شهرين مجانا قبل أن تشتغل رسميا الشهر الموالي بأجر حدد في 900 درهم للشهر بمعدل 12 ساعة يوميا.
مريم تبدو فرحة على ما يبدو لا تجد تفسيرا لما تعيشه وتكتفي بإطلاق ابتسامة بريئة غير مكثرتة لما ينتظرها، ذات الواقع ينسحب على غزلان الفتاة الجميلة، إذ لا يشي منظرها من بعيد عن وظيفتها الحالية كنادلة لمقهى بحي السلام، لكنها اضطرت كرها للعمل تلبية لحاجات عائلية لا تقبل التأجيل، وهي بعكس مريم تتحسر كثيرا على عدم تمكنها من إنهاء دراستها قالت إنها اضطرت للعمل حتى لا تشتغل أمها في البيوت وهو العمل الذي لا تتقن غيره بعدما أصر والدها على الاستسلام للعطالة بعدما لفظه معمل للحديد أقفل أبوابه مؤخرا حيث تسلم تعويضا أنفقه في الرهان بحثا عن الاغتناء السريع.
وعلى الرغم من خطورة الظاهرة التي تمس نسبة كبيرة من أبناء العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل فإن جميع الجهات المعنية لا تتوفر على معطيات رقمية عن الظاهرة، وإن كانت تستشعر حجمها من خلال الواقع الذي يؤكد توظيف عدد كبير من الأطفال القاصرين في سوق الشغل خلافا للمواثيق الوطنية والدولية، ورغم زخم المخططات الخاصة بتمدرس الأطفال في السياسة الحكومية.
فأكاديميات وزارة التربية الوطنية لا تتوفر على إحصائيات خاصة بعدد التلاميذ الذين غادروا قاعات الدرس إلى الشارع أو إلى سوق العمل، في وقت تتحدث مصادر تعليمية من أساتذة وأداريين عن نزيف متنامي وسط صفوف المتمدرسين من كل المراحل التعليمية ابتدائية، إعدادية، وثانوية.
وتؤكد العديد من الشهادات أن الوضع الاجتماعي لعدد كبير من التلاميذ يشكل الدافع الأساسي لغالبية التلاميذ، إذ تدفع الحاجة معظم التلاميذ إلى هجر مقاعد الدراسة والالتحاق بسوق الشغل بحثا عن موارد مالية لإضافية لتلبية حاجات أسرهم الفقيرة، حيث جاءت شهادة رضوان صاحب محل للميكانيك لتأكيد هذا الوضع، حين قال أنه يتلقى أسبوعيا طلبات عدة آباء لتشغيل أبنائهم الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 15 سنة بدعوى أنهم - الأطفال- يرفضون مواصلة التعليم، بينما نفت مندوبية وزارة التشغيل أي علاقة لها بالموضوع من بعيد أو قريب.
ومن جهتها فإن جمعيات المجتمع المدني تدق ناقوس الخطر من التداعيات الخطيرة لتشغيل الأطفال الصغار، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية في التربية، التعليم، والتمتع بطفولتهم، وطالبت الدولة وكافة الجهات الوصية باتخاذ تدابير فعلية للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال القاصرين، عبر دعم العائلات الفقيرة ومساعدتها وفق صيغ ومقاربات متنوعة لضمان عدم دفع الأطفال في سن التمدرس إلى سوق الشغل، من خلال مقاربات اجتماعية معززة بتدابير زجرية من خلال تفعيل الرقابة على تشغيل الأطفال.