بسم الله الرحمن الرحيم
هنيئاً لك أيها المعلم لاتخاذك هذه المهنة الشريفة والتصدي لحمل هذه الرسالة الخالدة، فقد وضعت قدمك على طريق البناء والإعداد لهذه الأمة. فمخطئ من يظن التعليم وظيفة رسمية فحسب، بل يعد ذلك ظلماً وإهانة للجيل والنشء، لا للمعلم وحده. وإنها لنظرة قاصرة تقلل من مكانة المعلم العالية.
وكم هي سعادتنا كأولياء أمور ونحن نراك تحمل بين جوانحك نفساً صادقة وقلباً حاراً يحترق على واقع أمته ويتألم لحال الشباب، ولديك طموح صادق ونفس أبية متطلعة للإصلاح والتغيير. فنحن كأولياء أمور نرى ثمرات جهدك ونتاج عملك في سلوك وأفعال أبنائنا.
صلاة ربانية ودعوات إيمانية
عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن اللّه وملائكته وأهل السموات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها ليصلون على معلم الناس الخير" (رواه الترمذي).
سبحان اللّه! أي منزلة تلك التي يبلغها المعلم ويستحق بها أن يصلي عليه الله - سبحانه وتعالى - وملائكته الكرام؟
له مثل أجر من اتبعه
عن أبي هريرة رضى اللّه عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً" (رواه مسلم).
وعن جرير بن عبداللّه البجلي رضي اللّه عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً". (رواه مسلم).
وقال سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه - رضي الله عنهم - إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من علم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل شيء" (رواه ابن ماجه).
فبادر أخي المعلم بتعليم الخير ونشره لتفوز بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -. فرب كلمة لا تلقي لها بالاً تقع على من يكون أوعى لها منك فينالك أجرها "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعليم
وصف اللّه - سبحانه وتعالى - نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - بأنه معلم فقال - سبحانه -: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (2) (الجمعة).
وما أجمل ذلك الوصف وأبر هذا القسم الذي صدر من معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه -: "بأبي وأمي رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - مارأيت معلماً أحسن تعليماً ولا تأديباً منه" (رواه مسلم).
صفات المعلم الناجح
ولا يستحق أي معلم الصلاة الربانية والدعوات الرحمانية والمنزلة الرفيعة إلا إذا تحلى بصفات ونأى بنفسه عن غيرها، ومن الصفات التي يجب أن يتحلى بها:
الإخلاص للّه وحده: يقول الحافظ ابن جماعة في أدب العالم مع طلبته: "والأولى أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه اللّه - تعالى -ونشر العلم ودوام ظهور الحق وخمول الباطل ودوام خير الأمة بكثرة علمائها واغتنام ثوابهم وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه".
التقوى والعبادة: قال أبو العالية: "كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه وإن أساء الصلاة لم نأخذ عنه" (رواه الرامهرمزي بإسناده). وقال الإمام مالك - رحمه الله -: "إن هذا العلم هو لحمك ودمك، وعنه تسأل يوم القيامة فانظر عمن تأخذه".
حث الطالب على حب العلم: إن غرس حب العلم والعناية به من أهم الصفات التي ينبغي أن يتسم بها المعلم. قال الإمام النووي: "وينبغي أن يرغبه في العلم ويذكره بفضائله وفضائل العلماء، وأنهم ورثة الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليهم، ولا رتبة في الوجود أعلى من هذه".
حسن المظهر: المعلم هو القدوة، والطالب يلاحظ معلمه في كل شيء، وكان السلف الصالح يعنون بذلك ويوصون المحدث بحسن مظهره.
حسن الخلق: اللسان هو معيار شخصية الإنسان، وهنا يجب عليك ألا تتكلم إلا بكلام طيب حتى لا يسمع الطالب إلا الكلام في خير. يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ليس شيء أثقل في الميزان من الخلق الحسن".
الانضباط واتزان الشخصية: يقول الإمام النووي: "وينبغي أن يصون يديه عن العبث وعينيه عن تفريق النظر بلا حاجة ويلتفت إلى الحاضرين التفاتاً قصداً، بحسب الحاجة للخطاب".
القدوة الصالحة: يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "من كان كلامه لايوافق فعله فإنما يوبخ نفسه"، فالمعلم ينبغي أن يتحدث لطلابه عن أهمية الصلاة والمحافظة عليها، وحين يصلون في المدرسة يرونه في آخر الصفوف، ولا يكون كمن يحث الطلاب على الالتزام بالمواعيد وهو لايلتزم بها.
ونأخذ بعض النقاط التي نتمنى من المعلم الاستفادة منها وهي:
توقير الطالب وتقديره: يقول ابن جماعة عن حسن المعاملة: "وكذلك ينبغي أن يرحب بالطلبة إذا جلسوا إليه ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم وأحوال من يتعلق بهم بعد درسهم، وليعاملهم بطلاقة الوجه وظهور البشر وحسن المودة وإعلام المحبة وإظهار الشفقة".
الثناء عليه حين بحسن: فمن رأى الطلاب قد تفاعلوا في الدرس وتجاوبوا معه فيجب أن يثني عليهم ويدعو لهم أن يبارك اللّه لهم في علمهم.
العدل بين الطلاب: عقد ابن سحنون باباً في العدل بين الصبيان وأورد فيه بإسناده عن الحسن قال: "إذا قوطع المعلم على الأجرة فلم يعدل بينهم أي الصبيان كتب من الظلمة".
الاعتدال في معالجة الأخطاء: يقول الغزالي: "إن من آداب المعلم أن يزجر المتعلم عن سيئ الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ".
الاهتمام بالطالب: من واجب المعلم أن يتعرف على المشكلات الاجتماعية التي يعيشها المتعلم، لما لذلك من أثر في نموه العلمي والاجتماعي.
العناية بالطالب الموهوب: لقد خلق اللّه الناس معادن وطاقات متفاوتة، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" (رواه البخاري ومسلم).