تدبيرالإيقاعات المدرسية
محمد الصدوقي (*)
يقول واضعو المذكرة 122 حول تنظيم الزمن المدرسي، التي أثارت ضجة ،أنهم اعتمدوا على معطيات معرفية علمية في صياغتهم التنظيمية للزمن المدرسي!نعم هناك معطيات معرفية نظرية قاربت مفهوم الزمن المدرسي في علاقته بالكرونوبيولجيا(الإيقاعات البيولوجية أو الحيوية) ،حيث حاول مهندسو المنهاج التربوي توظيف واستثمار النتائج النظرية للكرونوبيولوجيا،خصوصا تلك التي اعتمدت على أعمال طيستي (Testu).
صحيح أن وزارة التربية اعتمدت في صياغة مذكرتها التنظيمية للزمن المدرسي على بعض معطيات الكرونوبيولوجيا،لكن توظيف هذه المعطيات في تنظيمها للزمن اليومي والأسبوعي للدراسة وتحديد استعمالات الزمن(حسب الصيغ المقترحة من طرفها)،ليست هي الوحيدة الممكنة معرفيا وتخطيطيا(تنظيم الإيقاعات الزمنية الدراسية).لنرى كيف؟
في البدء، قبل بسط بعض التطبيقات التربوية للكرونوبيولوجا في التخطيط اليومي والأسبوعي لاستعمالات الزمن المدرسية في علاقاتها بالمواد الدراسية، تجدر الإشارة إلى أن نتائج الكرونوبيولوجيا ،بصفة عامة، تهم الكائن الإنساني (راشدا أو طفلا كان) باعتباره متعضي بيولوجي؛كما أن الإيقاعات الحيوية الذهنية والنفسية والحس- حركية والعضلية...تتأثر بالخصوصيات السوسيوثقافية والبيئية لمجال الكائن الإنساني(ا المتعلم أو لمدرس هنا).
التخطيط اليومي لاستعمالات الزمن:
الخبراء ينصحون بالأخذ بعين الاعتبار الإيقاعات الحيوية لتنظيم اليوم المدرسي:من الأحسن تخصيص الساعات الأكثر فعالية و ملاءمة(نهاية الصباح،وسط مابعد الزوال) للتعلمات الجديدة التي تتطلب الانتباه والتركيز والجهد،وبالمقابل، تخصيص الأوقات الأقل فعالية وملاءمة لأنشطة خاصة بصيانة المعارف،أو ذات خصائص فنية أو ترفيهية...
ويظهر أنه من الأساسي عدم إدراج في أول الصباح أو بداية ما بعد الزوال المواد الدراسية الأساسية التي تتطلب حيوية أكثر(انتباه،تركيز....).
بداية الصباح او بداية مابعد الزوال:
يجب تخصيص هذه الفترات الزمنية التي تتميز بضعف الأداء لأنشطة أكثر هدوءا وأقل جهدا.
- الأنشطة التي يُنصح بها: أنشطة التفتح،أنشطة التعبير الجسدي والفني...
- الأنشطة التي لا ينصح بها: الأنشطة التي تحتاج أكثر للأجهزة القلبية-الرئوية،والعضلية والحركية.
زمن بداية الصباح لا يُنصح به لأنه :
- تزايد حدة النشاط الشراييني في الصباح بعد الاستيقاظ.
- هبوط شديد لمستوى التنفس في الصباح(مابين الثالثة والثامنة).
- ضعف الليونة والرشاقة الحركية(تتبع نفس إيقاع الحرارة الجسدية المركزية،هناك ليونة أكثر خلال نهاية مابعد الزوال وبداية المساء).
- ضعف القدرة على القيام بمجهودات ومهام تتطلب جهدا مرتفعا.
- ضعف مستوى الحافزية والمزاج.
وسط الصباح
- أنشطة يُنصح بها:الأنشطة التي تتطلب بذل طاقة أكثر.التلاميذ يكونون أكثر انتباها وإدراكا؛إنه أحسن توقيت للأداءات السيكو- حركية والمعرفية ،ولأنشطة الذاكرة القصيرة المدى.
وسط ونهاية مابعد الزوال:
- الأنشطة التي ينصح بها: الأنشطة التقنية والتي تتطلب طاقات أكثر:إنها فترة أقصى القدرات الفيزيولوجية،والقوة العضلية(فترة الأرقام القياسية لألعاب القوة)،والحافزية،والمزاج(الرياضات الجماعية).
التخطيط الأسبوعي لاستعمالات الزمن
في حالة الأسبوع التقليدي،الدراسات بينت أن الخميس والجمعة هما أحسن أيام الأسبوع ملاءمة للتعلم الجيد،في المقابل الاثنين والسبت صباحا هما اليومان الأقل فعالية وأداء.يوم الاثنين خاصة يتأثر سلبا بظواهر التزامن التي لها علاقة بنهاية الأسبوع.وعلى العكس،فاصل يوم الأربعاء يظهر مُوات،خصوصا إن اقترن بأنشطة خارج المدرسة.
هذه الأفكار ليست صالحة فقط لتخطيط كل المواد الدراسية،ولكن أيضا لتخطيط مضامين كل مادة دراسية خلال الأسبوع.
نعتقد أن بداية الأسبوع( يوم الاثنين) ونهايته (السبت) يكونان أكثر ملاءمة للقيام بالأنشطة والأعمال الموجهة والتطبيقية التي لها علاقة بالتعلمات السابقة.يتعلق الأمر بتجنب برمجة تعلمات المفاهيم الجديدة وخاصة يوم الاثنين.هذه التعلمات وكل الأنشطة التي تتطلب تحملا/جهدا كبيرا للذاكرة وللقدرات العقلية يجب برمجتها فيما تبقى من الأسبوع(الثلاثاء،الخميس،الجمعة).
لكي يكون التعلم أكثر نجاعة،يجب ربط ودمج البرمجة الأسبوعية بالبرمجة اليومية للمواد الدراسية ومضامينها.لا يمكننا أن نطلب من تلميذ أن يكون أكثر نجاعة وأكثر أداء يوم الاثنين صباحا ويوم الخميس بعد الزوال.
من الواضح أن النتائج العلمية للكرونبيولوجيا وتطبيقاتها التربوية تنصح فقط ببرمجة المواد والأنشطة التعلمية(واستعمالات الزمن) في أوقات محددة تمتاز بإيقاعات حيوية جيدة وقوية،ولا يمكن أن نستنتج من هذه «المعطيات العلمية» إلغاء التوقيت المستمر فعلت الوزارة.
كما أن تجريد الزمن المدرسي والإيقاعات البيولوجية عن السياقات الموضوعية (السوسيو ثقافية والاقتصادية والبيئية والمهنية...)، وخصوصا تلك المرتبطة بالمعوقات السلبية وما أكثرها في زمننا المغربي( الفقر، بُعد المدرسة،معاناة التنقل،المناخ،تردي البنيات التحتية،فقر الفضاءات والتجهيزات المدرسية ، التضخم الكمي للبرامج والمقررات،تردي الشروط المهنية والاجتماعية...)، من شأنه أن يكون له تأثيرات عكسية وسلبية على النتائج الإيجابية المرجوة من تطبيق الكرونوبيولوجيا.
وكذلك،بما أن الأستاذ والأستاذة هما كذلك كائنان بيولوجيان واجتماعيان(وليسا كائنين معدنيين!)،فمن الخطأ العلمي أن نجعلهما كائنان لازمنيان ولا بيولوجيان ونستثنيهما من البناء والتخطيط المعرفين-التنظيمين للزمن المدرسي؛أي:يجب كذك الأخذ بعين الاعتبار الإيقاعات البيولوجية للأساتذة في علاقتها بصياغة استعمالات الزمن،و التقليص من ساعات العمل ،التي تريد الوزارة إضافة ساعات أخرى إلى تلك المرهقة والكثيرة أصلا (مثلا الغلاف الزمني الدراسي في التعليم الفلندي هو الأقل عالميا،ومع ذلك يتصدر قائمة الدول من حيث النتائج والفعالية ).
لو كانت وزارة التربية الوطنية قد اعتمدت التطبيقات العلمية للكرونوبيولوجيا في علاقاتها بالمعطيات البيداغوجية والسوسيو مهنية الواقعية،لما ألغت التوقيت المستمر(الذي لا علاقة له ميكانيكيا بالتطبيق السليم والعلمي لحقائق الكرونوبيولوجيا)،ولما أثارت كل تلك الضجة،التي أهدرت كثيرا من الوقت والجهد والأعصاب،و الوزارة في حاجة إلى كل ذلك لتكريس تعبئة حقيقية لتحقيق»مدرسة النجاح»، وتجاوز أزمنة الإخفاقات الحقيقية لمنظومة التربية والتكوين التي لا تنتهي.
(*) مدرس وباحث تربوي