الدور الديني والسياسي للزاوية ساهم في نشر النفوذ المخزني ببادية أسفي ومحيطها ، وعمل على منع القبائل من التمرد والعصيان ، والحد من هجرتها ، وحفظ أمن الطرق التجارية والسلطانية
تعرف الزاوية الوازنية عند سكان مدينة أسفي باسم دار الضمانة، ويرجع نسبها حسب العديد من الأبحاث إلى الزاوية الأم الموجودة بمدينة وزان، التي كان تأسيسها على يد الشريف مولاي عبد الله العلمي الإدريسي الذي يعد في عصره من ابرز شيوخ التصوف ، وقد عرفت توهجا في عهد مولاي التهامي ومولاي الطيب بحيث كان لها دورا هاما في الحياة اليومية لمريديها فتألق بذلك نجمها واتسع إشعاع نفوذها الروحي، ففتحت على اثر ذلك لها فروعا داخل العديد من المدن بالمغرب من بينها مدينة أسفي ، وفي هذا الإطار أشار احد الشرفاء الوازنيين بمدينة أسفي أن تشييد أول فرع للزاوية الوزانية بأسفي كان على يد مولاي إدريس نجل الشيخ مولاي التهامي ، الذي يعد من أوائل الشيوخ الذين حلوا بالمدينة قادمين من الزاوية الأصل بمدينة وزان ، وبقدومه حسب المصدر نفسه ، قام بتدشين أول مقر للزاوية بدرب سيدي بوعزى جوار ما كان يعرف بباب الرباط قبالة المرسى القديمة ، فنزل في ضيافة أحد أعيان المدينة ، فكان المقام قبلة لأهل وزان ، وأصبح يحمل مولاي إدريس أوصافا وألقابا بعد إقامته بأسفي لا يظفر بمثلها إلا أصحاب الطرق والزوايا ، وقد التحق به في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أسرة أخرى من الوزانيين، ،ونظرا للأحداث التي عرفتها المدينة داخل أسوارها ،خرج مولاي عبد الرحمن من المدينة يبحث عن فضاء أوسع يكون بوابة لاستقبال زواره ، فنزل بجنوب المدينة ، فشيد هناك الزاوية الوزانية الثانية، في مكان يقع قرب ضريح الولي الصالح سيدي واصل الرجراجي، الذي صارت تنسب إليه تحت اسم الزاوية الوزانية الواصلية، لتتميز عن أختها الزاوية الوازنية بالمدينة العتيقة، وتقوم الزاوية الوزانية بجنوب أسفي على المبادئ الصوفية المجددة لطريقة الشاذلية، وأنها تستمد بعض تعالمها كذلك من الطريقة الجزولية ، وهي مبادئ مشتركة أجملتها بعض المصادر في تقوى الله في السر والعلانية وإتباع السنة في الأقوال والأفعال والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار، والرضى عن الله في القليل والكثير، والرجوع إلى الله في السراء والضراء
وقد اضطلعت الزاوية الوزانية بجنوب أسفي حسب المصادر ذاتها بعدة وظائف أبرزها ، الوظيفة الدينية والوظيفة السياسية ، والوظيفة الاجتماعية ، فالوظيفة الدينية اعتمدت في الأساس على نشر الفكر الصوفي الجزولي الشاذلي، المتمسك بأصول الدين الإسلامي الحنيف وتربية المريدين على محبة الله ورسوله ، والسمو بعبادتهم لله الواحد الأحد ، وإتباع رسول الله في أفعاله وأقواله وتقريرا ته ، مع قراءة القرآن، والتمعن فيه ، وتلقين علوم الدين والتعلم أصناف العلوم الأخرى ، كالتاريخ والجغرافية والطب، وإحياء الأعياد والمناسبات الدينية ، وباتساع نفوذهم شيد الشرفاء الوزانيون العديد من المساجد فوق أراضيهم الخاصة، منها مسجد سيدي عبد الجبار بحي سيدي وصال ، ومسجد لبيار، ومسجد الكورس، ومسجد مولاي التهامي الوزاني بحي الرباط، أما فيما يخص الوظيفة السياسية ، فقد كان للزاوية الوازنية دور بارز في نشر النفوذ المخزني ببادية أسفي ومحيطها ، بمنع القبائل من التمرد والعصيان ، والحد من هجرتها ، وحفظ أمن الطرق التجارية والسلطانية ، فما كان للزاوية الوازنية إلا أن اتسعت رقعت مجالها الترابي ، فازدادت قوتها المادية والمعنوية بحكم إعفاءات مرتبطة بمستحقات مادية للخزينة المالية إضافة إلى أن الدولة آنذاك قد خولت لها حسب الباحثين حق جمع أجزاء من محصول الفلاحي للأراضي الشاسعة التابعة لنفوذ القبائل المجاورة ، وبخصوص الدور الاجتماعي فهو حاضر بقوة ، وقد اعتبر العديد من المهتمين أن البعد الاجتماعي يشكل القوة الضاربة للزاوية الوازنية بأسفي ؛ فهو رأس مالها الأساسي وعليه تعتمد، باعتباره المجال الخصب الذي تستثمر فيه، وان نفوذها قد قيس بمدى حضورها وتأثيرها في مسار الأحداث المرتبطة بالحياة الاجتماعية ، فلم تكن يوما خارج إطار الصراع الاجتماعي، بل إن بقاءها واستمراريتها يعد رهينا بعمقها الاجتماعي وقربها من العنصر البشري انطلاقا من معاناته اليومية والتخفيف عنه بداية من الدعم المادي والمعنوي الذي يتلقاه منها في كل وقت حسب الوقائع والأحداث .