على إيقاع القيثارة الهادئة،و بعض تقاسيم آلة العود تنبعث من مذياع فوق الطاولة.و بعض الأوراق المتناثرة على الميمنة.أسدل الليل غطائه على كل ركن من هذا المكان الرهيب.
لا أجرأ أن أكتب لكي شعرا من جديد،لا أجرأ أن أمنح لنفسي فرصة لتخيل ملامح وجهك المنقوش على واجهة صدري.كل شيء من حولي يذكرني بكي.ففي هذه الليلة أبى القمر أن يضيء ما حوله،وخفت نور النجوم و صبغ الليل المكان بطلائه الأسود. منظر موحش يدبّ الخوفَ في النفوس، كل نفس تخشى أن يشملها السواد الداكن.
في غمرة التفكير وجدتُ نفسي خارج المدينة، جلست فوق صخرة مطلة على الوادي الهادئ –محاولا الهروب-.. من الماضي .. من الواقع المرير.. من كل شيء، جلست جلسة المستسلم لأمره ووضعت رأسي بين ركبتي، و كأنني انتظر حكما بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، خيانة أعز الناس وقتلي لمحبة دامت سنين. لم يستقبلني القمر بابتسامته المنيرة كعادته،وولّت النجوم وجهها عني.. من الخجل !! أو ربما من الاستنكار.كان صدى الموسيقى يتغلغل بأعماقي ويتسلل صداها بداخلي،فتزيدني ندما على غلطتي،و تأجج مشاعر الحزن بداخلي.
مازلت أتخيل شعرك الأسود الطويل المنسدل على وجنتيك يداعبهما في رقة وكأنة يحنو عليهما.أتخيله منسكبا على خصرك كالشلال، يغمر الجالس بجانبه بالنشوة العارمة. ما زلت أتذكر عيونك العسلية كقطعتين من البلور تطبقين عليهما برموش أشبه بالستائر الحريرية،أتذكر حين كنت تنظرين أليّ فتجهزين على قلبي بابتسامة دافئة تذيبين بها ثلوج القطبين في صدري.تنسلخ روحي عن جسدي و تطير بي إلى عوالم لم أكن اعرفها من قبل.
خيّرت بين الموت وبين أن أمسح صورتك من ذاكرتي، اخترت الإعدام بكل شموخ، لأن صورتك لن تزول إلا بزوالي.