شمس مراقبة عامة
الجنس : عدد الرسائل : 24544 العمر : 35 العمل/الترفيه : جامعية المدينة : الجزائر البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 05/07/2009 نقاط : 35206
| موضوع: رواية فرس في الليل.... الجمعة مايو 21, 2010 4:08 pm | |
| هطل السماء بغزارة كاسحة، تغرق المساحة المنحصرة بين سطح البحيرة وقبة السماء القاتمة، يصبح الماء متصلاً بينها وبين الأرض. يزداد زيادة كبيرة، مشكلاً دوامات مائية ثائرة في دفقات متعاقبة لاهثة، تكثر وسط البحيرة، تتوالى متسارعة نحو الشاطئ، ثم ترتد ثانيةً بنفس السرعة لدى اصطدامها به. تتخلى البحيرة عن هدوئها الأثير، تصخب تحت نوبات المطر المتساقطة في انهمار وحشى، مستسلمة دون أدنى مقاومة لضرباتها النافذة، تتلاطم الأمواج وترتفع مسافات طوال.
مذ مالت الشمس إلى المغيب، وهو قلق وحائر للغاية، يسبح في البحيرة سبحات تقليدية تفتقد حقيقة روحه المغامرة والمتوثبة، في تراتب ممل، يبغى مرور الزمن وكسر رتابة الحيرة والقلق والإطاحة بهذا الوقت العصيب القاتل. أهذه الدقائق القليلة تفعل بك هذا يا سيد البحيرة؟! تركت أنثاك تلد، لم تستطع مشاهدتها وهى تحت وطأة هذا الفعل القاتل. تحلم بأن تنجب لك ذكراً هذه المرة، تعوض به طوفان الإناث الكثيرات اللواتي رزقت بهن، وإن جاء ذكر، لا يعيش طويلاً، ويكون مكوثه في هذه الحياة، مرهوناً بزيارة الموت للبحيرة، وتسلله من أحد أبوابها السفلية العديدة، يحدث هذا في الظلام عادة، وأنت نائم والوليد إلى جوار قلبك، تحس أثناء أحد احتضاناتك إياه، بأنه لا يتنفس، لاحس ولا حسيس، يشملك الحزن، تعلم أن رسول الموت تلقفه في أول مراسم زيارته، تلقاه في أقرب نقطة، قتله بخنجره المسموم دون أن يدميه، ونسى أنه أدمى قلبك -أنت ولا أحد غيرك- في نفس اللحظة كعادته. وبذلك تفقد الذكر في إثر الآخر. مأساتك كبرى. عسى أن يحلها لك، مقدم ذكر جديد، يبقى لك، ويحيا في كنفك الممتلئ الفارغ. يبدو الجو مظلماً تماماً، غاب القمر عن السماء هذه الليلة، وارتحل إلى مخبئه السري الذي لا يعلمه أحد
برز رأسه الكبير الضخم فوق سطح المياه الهائجة، لم تشغله ضربات المطر القاتلة، هي أهون عليه من هول الانتظار وألم المواجهة، صاح صيحة صاخبة محاولاً زفر كل الغضب والقلق والحيرة من صدره، اهتزت لها جنبات البحيرة في جوف الليل. حين اكتمل خروجه من الماء، فغر فاه، امتلأ بماء المطر الغزير، أفرغه في ضجر واضح، ثم صاح صيحات متعاقبة في نوبات صارخة. اجتاز أدغال البوص والبردي، تدرج في صعوده مدرجاتها الشاطئية، ابتعد عنها شيئاً فشيئاً، خطا متكاسلاً نحو شاطئها البعيد. خرج إلى فضاء الأرض البراح الموحلة، داست أقدامه الثقيلة في طريقه كل الحشائش والأعشاب والنباتات القصيرة، سائر لا يلوى على شئ. لم يمر بهذه الحالة من السوء والضعف من قبل. ما الذي أصاب سيد البحيرة ؟! يتحكم فيها وفى كل ما بها من كائنات، اكتسبت أهميتها من وجوده، فنسبت إليه، وأُطلق عليها " بحيرة الأحمر العجوز"، أو" بحيرة العجوز" اختصاراً.
هو الشمس والنهر والأرض والقمر والنور والقوة والذاكرة في آن واحد، ومع هذا يقلق!! رفع رأسه نحو قبة السماء. تلاشت ملامح القوة ومعالمها من وجهه، صار وديعاً للغاية، بان خائراً تماماً، تكاد طيات رقبته السميكة تتمزق من شدة تصويب وجهه إلى أمه السماء فترة طويلة تمر عليه مؤلمة. انطلقت صرخة أنثاه من أعماق البحيرة، مجلجلة، دمعت عيناه الجاحظتان، أوشكتا أن تخرجا من محجريهما. ساهم ازدياد المطر المنهمر في تعميق قلقه وحزنه، اهتاج لونه الأحمر كنار حارقة بمضي الوقت.
خطا خطوات واسعة على الأرض المعشوشبة المبتلة، منكس الرأس، هز ذيله القصير السميك، محاولاً التنفيس عما يجيش به صدره من ألم. ألقى بجسده الضخم على الأرض متمرغاً حتى سقط في منطقة موحلة تشبه البركة الصغيرة، كوّنها المطر المتساقط، استكان لها هرباً من زخات المطر المتكاثفة عليه، وفيضانات الأخيلة الحارقة المؤرقة، نام على ظهره مستسلماً، فاقداً أية رغبة في الحركة أو الخروج من هذا المستنقع. تنثال الدموع من عينيه مع انهمار المطر المتعاظم.
ترك نفسه لدغدغة الحلم وخدره اللذيذ يهبطان به، تخيله ذكراً، أطلق العنان لخياله، هاهو يحمله فوق ظهره ويشق البحيرة، ويسير وراءه قطيع الأفراس، من الذكور والإناث على السواء، لن يتخلف عن موكبه أحد، يعلمه كيفية الهجوم والمناورة والمراوغة، يستجيب الصغير في منتهى السرعة، كذلك كيف يحكم ويسيطر ويتسيد، و كيف يحب. توقفت دموعه المنثالة تدريجياً، تعلو شفتيه ابتسامة مبتسرة، أكّد لنفسه أنه سوف يصطحبه معه في كل تنقلاته حتى يحميه من رسول الموت هذه المرة، لن ينام ككل مرة ويتركه فريسة وحيدة في الظلام، سوف يبدّل نظام حياته، لن ينام في الليل مطلقاً، سوف ينام بعض الوقت نهاراً، يصحو ليلاً، يحرس ولده الصغير، لا يغادره أبداً. سقط المطر عليه بشدة، أفاق من حلمه الأثير المراوغ
يا فرس الأفراس المعمّر، يا أيها الذكر العظيم، يا قوى الإخصاب، يا سيد الجزر الغارقة والطافية معاً، يا من أمه السماء، يا من جئت بالشمس المباركة من الأمواج الشرقية البعيدة، يا أيها الذي خرج من المياه الأزلية المقدسة، اهدأ، لا تقلق.
هل يأتي الفرج مصحوباً بالبشارة المبتغاة، ويكون المولود ذكراً؟..يكبر ويداعبه الأب، يلقنه أصول كل شيء تعلمه في حياته المديدة، ومن ثم يعتلى"عرش الأحمر العجوز" من بعده خلوده إلى الراحة ودخوله عالم السكون، في الغرب الجميل، في مملكة الحق، يخشى أن تضيع مملكته بين أزواج بناته الكثيرين، لو جاء ذكراً كما يتمنى، سوف يصبح أبرز عناصر القطيع المقاتلة والمطاردة كل من تخول له نفسه الاقتراب من فضاء البحيرة العريض: بحيرة أفراس النهر الشرسة.
تلقت، برفق، إحدى إناث الأفراس المساعدات، الفرس الوليد الهابط من بطن أمه في حجم مخيف حقاً، ثم ما لبث أن صرخ صرخة عفوية بريئة، فور قدومه الحياة. ارتفع صخب الإناث وضجت منطقة "الأحمر العجوز" بالفرحة بمقدم الفرس الأحمر الصغير. عبثت كل واحدة مع الأخرى، سرت روح الفرحة في كل أفراد القطيع. اقتربت الحياة وئيدة من الفرس الوليد، ورفعنه إلى الماء ليتنفس نفس الحياة الأول. قبّلته إحداهن. لونه أحمر ملتهب كأبيه، وشكله يبعث في النفس، السرور، وحاله وأمه، مطمئنة، هدأت المساعدات وأخذن في تجفيف العرق المتصبب على وجه الأم. سوف تهيأ له مهداً آخر في البر، تأخذه لتعلمه السباحة إلى جوارها، كما تقتضى أصول تنشئة الأفراس الصغيرة، سوف تحمله فوق ظهرها، يسير على الأرض ملاصقاً لها، بجانب رقبتها حتى تستطيع مراقبته، سوف يتقن السباحة جيداً بسرعة. لما استبد به القلق، هبط إلى قلب البحيرة ثانيةً، المطر على أشده، استقبله أحد شباب الأفراس الذي بحث عنه طويلاً في كل مكان يتوقع وجوده فيه، عاد يائساً إلى قطيع الأفراس يخبرهم بفشله في العثور عليه. لم تسعه الفرحة حين بشّره الفرس بالذكر الفحل، الآية في الجمال، الذي ليس له مثيل
دنا من زوجته، لعق وجهها الذي مازال يتصبب عرقاً بلسانه الأحمر القاني. فرحت باهتمامه ورقته وشعرت نحوه بالزهو والامتنان. بدأ إحساسه المشحون بالقلق والتوتر والضجر، يزايله، ابتسم أخيراً. تشبعت نفسه بالهدوء والارتياح. انطلقت أصوات الأفراس الصاخبة تجوب سطح البحيرة معلنة في سعادة ميلاد ولى العهد:"الفرس الأحمر الصغير"، راقصة رقصاتها الدائرية البديعة في عرض البحيرة تحت المطر الكثيف المتساقط، تلهو برش بعضها البعض بالمياه بأفواهها الكبيرة كالدلاء.
تحياتي لكم شمس المنتدى
|
|
AYA&COOL مشرفة الساحة الأدبية
الجنس : عدد الرسائل : 1037 العمر : 31 العمل/الترفيه : student المدينة : cairo-egypt البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 27/12/2010 نقاط : 1225
| موضوع: رد: رواية فرس في الليل.... السبت يناير 01, 2011 2:58 pm | |
| شكرا لكى ع القصة الروعة يسلموا |
|
عبد الشرف مشرف قسم الثانوي الاعدادي والتأهيلي
الجنس : عدد الرسائل : 3900 العمر : 26 العمل/الترفيه : كرة القدم المدينة : الرباط البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 16/10/2010 نقاط : 4834
| موضوع: رد: رواية فرس في الليل.... السبت يناير 01, 2011 3:13 pm | |
| |
|
شمس مراقبة عامة
الجنس : عدد الرسائل : 24544 العمر : 35 العمل/الترفيه : جامعية المدينة : الجزائر البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 05/07/2009 نقاط : 35206
| موضوع: رد: رواية فرس في الليل.... الإثنين يناير 03, 2011 7:08 am | |
| |
|
AYA&COOL مشرفة الساحة الأدبية
الجنس : عدد الرسائل : 1037 العمر : 31 العمل/الترفيه : student المدينة : cairo-egypt البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 27/12/2010 نقاط : 1225
| موضوع: رد: رواية فرس في الليل.... الإثنين يناير 03, 2011 10:41 am | |
| الموضوع منور بأصحابه لا تحرمينا ابداعك |
|
شمس مراقبة عامة
الجنس : عدد الرسائل : 24544 العمر : 35 العمل/الترفيه : جامعية المدينة : الجزائر البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 05/07/2009 نقاط : 35206
| موضوع: رد: رواية فرس في الليل.... الأربعاء يناير 05, 2011 7:18 am | |
| |
|