مصطفى الحجري
لازالت تداعيات الواقعة التي عرفها شارع محمد الخامس أمام البرلمان،
وكان بطلها نجل خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة
تثير ردود فعل قوية من طرف المواطنين،
بعد أن تم بث لقطات مما حدث في عدة مواقع إلكترونية، وهو ما ترجمته
التعاليق التي أجمعت على أن تدخل الوزير يعد تجاوزا للقانون واستغلالا
واضحا للنفوذ، وممارسة تكشف المنطق الذي يتعامل به المسؤولون مع حدود
السلطة الممنوحة لهم في إطار وظيفتهم.
الحادث الذي أعاد إلى الأذهان مجموعة من السوابق التي كان أبطالها أيضا
أبناء أعيان ومسؤولين كبارا، تورطوا في حوادث متباينة ونجحوا في الإفلات
منها، خلق جدلا حول ما إذا كان المغاربة فعلا سواسية أمام القانون، وحول
ما إذا كان رجال الأمن ملزمين بتطبيق فصوله مهما كانت صفة الشخص الذي قام
بخرقه، أم أن هناك استثناءات تجعلهم يعطون التحية ويفكون الأصفاد.
عشرات المواطنين الذين تابعوا في حدود الساعة الحادية عشرة وثلاثين دقيقة
ليلا، كيف تطور خلاف مروري بين سيارة رباعية الدفع، وسيارة أخرى كان على
متنها طبيب، لم يصدقوا أن الشاب الذي نزل من «الكات كات» رفقة صديقه وشرع
في سب سائق السيارة الأخرى، هو ابن مسؤول حكومي يطل عليهم دائما بتصريحات
أقرب للدروس، وأن «سخونية الراس» ستقوده فيما بعد إلى الاعتداء عليه
بأداة حادة، جعلت الدم ينزف فوق جبهته أمام مقر البرلمان الذي يضم كراسي
وثيرة لممثلي الشعب، وأعضاء الحكومة، قبل أن يخرج سالما غانما بفضل تدخل
والده في منتصف الليل لتحريره من قبضة رجال الأمن.
خالد الناصري وحسب ما يظهره شريط فيديو تم تسجيله بالهاتف النقال، تمكن من
العودة بابنه وصديقه على متن سيارته في خطوة أثارت موجة من الاحتجاجات من
طرف عدد من المواطنين الذين عاينوا الحادث، وهو أمر لم ينفه خالد الناصري
الذي أكد في اتصال هاتفي مع «المساء» أنه تدخل بعد أن تم الاعتداء على
ابنه، وقال إن «الموضوع انتهى»، وإنه يعتبر الأمر «مسألة شخصية بعد أن تم
الصلح بين الطرفين»، كما اعتبر أن تناول الموضوع إعلاميا يعد محاولة «لصنع
فضيحة القرن».
رواية الناصري تتناقض تماما مع ما صرح به لـ «المساء»، شهود عاينوا
الحادث، حيث أكدوا أن ابن خالد الناصري وصديقه نزلا من سيارة رباعية الدفع
حاصرت الطبيب بعد حدوث نوع من الاحتكاك أثناء مرورهما بالقرب من مقر
البرلمان، قبل أن ينزل ابن خالد الناصري ويشرع في سب صاحب السيارة ليستلم
صديقه هذه المهمة، في الوقت الذي عاد فيه ابن الوزير إلى السيارة وحمل
أداة، وغازا مسيلا للدموع، ووجه حسب الشهود ضربة إلى رأس صاحب السيارة
جعلت الدم ينزف منه.
تطور الأمور جعل بعض المارة يحاولون التدخل، إلا أن صديق ابن الوزير
خاطبهم «خليوه ماعندو ما يدي منو راه باه وزير»، وبعد دقائق حضر شرطيان
تدخلا، وقاما بسحب ابن خالد الناصري باتجاه الشباك الحديدي للبرلمان، ومنع
أي شخص من الاقتراب منه، وحاول أحد العناصر الأمنية وضع الأصفاد في يده،
إلا أنه أخبره بصفة والده ليعدل عن الأمر.
الوقائع توالت بعد ذلك بشكل سريع لتحضر سيارة نزل منها شخص توجه إلى رجال
الأمن قبل أن يسحب هاتفه النقال، ويسلمه إلى أحدهما وهو يقول «ستأتيك
برقية في الحال». الاحتجاجات التي تصاعدت من طرف الطبيب، وكذا عدد من
الحاضرين خلقت نوعا من الاحتقان بعد أن تعالى صراخ البعض مطالبا بتطبيق
القانون، قبل أن تحضر سيارة توقفت بالقرب من المكان ليتجه صديق ابن الوزير
إليها، ويخاطب شخصا موجودا بها، والذي لم يكن سوى وزير الاتصال والناطق
الرسمي باسم الحكومة الذي ترجل من السيارة بعد حديث قصير ليتوجه نحو رجال
الأمن وعلامات الغضب بادية عليه.
الشهود أكدوا أن خالد الناصري قال لرجال الأمن «واش ماعرفتونيش شكون
أنا»، قبل أن يضيف «يلا كنتو غادي طلعوه طلعوني حتا انا». الناصري أراد أن
يحسم الموقف بسرعة حسب إفادة الشهود لذا خاطب رجال الأمن بلهجة صارمة حسب
ما أكده الشهود، وقال «يلاه طلقوه ولا غادي ندير شغلي»، قبل أن يأمرهم
بإرجاع ما حجز من ابنه، ليغادر المكان باتجاه سيارته ومعه ابنه وصديقه،
فيما عمل رجال الأمن على توفير الحماية له، بعد أن حاول الطبيب اعتراض
سبيله، وهو يصرخ بشكل هستيري، في الوقت الذي تصاعدت فيه عبارات الاستنكار
من طرف عدد من المواطنين قبل أن تغادر سيارة الوزير المكان.
سيناريو الحادث لم يتوقف عند هذا الحد بل إن الاحتجاجات سوف تتصاعد بعد أن
حاول رجال الأمن أن ينقلوا الطرف الثاني في هذه الواقعة على متن
«السطافيط» قبل أن يعدلوا عن ذلك ويأمروه بالالتحاق بهم إلى مقر الأمن.
الاتصالات الهاتفية الساخنة ستشتغل لاحتواء ما حدث والحيلولة دون أي
تسريبات أو متابعة قانونية، خاصة أن الأمر يتعلق بضرب وجرح سواء كان فرديا
أو متبادلا، فانه يلزم رجال الأمن بإيقاف المتورطين فيه وإنجاز محضر في
الموضوع قبل انتظار تعليمات النيابة العامة ، كما ينص على ذلك القانون
الذي يطبق على المغاربة، غير أن كاميرا هاتف نقال رصدت في غفلة من رجال
الأمن ومن الناصري نفسه بعض التفاصيل التي تكشف كيف صعد الناصري إلى
سيارته وركب ابنه وصديقه في الخلف، تاركين الطبيب يصرخ من فرط إحساسه
بـ«الحكرة»، فيما تعالت صيحات التنديد التي رافقت مسامع الناصري رغم
الحماية التي وفرها له رجال الأمن.
الشريط الذي تم بثه على موقع يوتوب بعد نشر «المساء» لتفاصيل ما حدث ، سجل
نسبة مشاهدة قياسية وتعاليق غاضبة، وهو ما يعد دليلا على أن هناك أمورا
تحدث في المغرب بحاجة إلى تقويم من المفروض أن يكون المسؤولون هم أول من
يبادر إليه، لا أن يكونوا أول من يعطي صورة سلبية للمواطن العادي تجعله
يقتنع بان القانون وضع ليطبق على الضعفاء.