hiba مشرفة الشعر والخواطر وعالم حواء
الجنس : عدد الرسائل : 1348 العمر : 41 العمل/الترفيه : موظـــفة المدينة : agadir البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 22/07/2009 نقاط : 2882
| موضوع: الأسس الخمسة التي أقام عليها النبي حياته الأسرية... الإثنين يوليو 05, 2010 6:45 am | |
| الأساس الأول : غرس شجرة الإيمان الكامل بالله Q وبرسولهg.
الأيمان بالله [ بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ] ، قوة كامنة هائلة، فمتى ما غُرست هذه العقيدة في قلوب أفراد أسرة ما ؛ أثمرت في نفوسهم عجباً، لذا قال تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (لأنفال : 65) وهذه حقيقة علمية لها من الشواهد الحسية والمعنوية والنقلية والتاريخية والواقعية ؛ ما يغني عن الاستدلال لها ، لذا انتقل إلى سؤال كبير في هذا الميدان :
كيف غرس محمد الإيمان الكامل في قلوب زوجاته ؟ .
بوسائل يسيرة لو عقلنا !! ، اقتصر على ثلاث منها : الأولى : القرآن الكريم ، وهو أعظم الوسائل وأنفعها ، ونحن نلحظ جميعاً ضعف أثر القرآن العظيم على أسرنا إيمانياً معنوياً أو تربوياً سلوكياً ، وهذا ــ بلا شك ــ ناتج عن خلل مُفزع في معرفتنا بقدر عظمة هذا الكتاب ، ثم في كيفية جعله منهج حياة ، وهذا الأمر ليس من النوافل والكماليات ، بل هو من أوجب الواجبات ، وهل الدين إلا تعظيم الله وتعظيم كتابه ورسوله ، والعمل بمقتضى ذلك ، والأسرة التي تطمح أن تكون لبنة صالحة في بناء هذه الأمة ثم لا يكون القرآن في أولى اهتماماتها إنما تطلب سرابا ، وتبني فوق أمواج البحر قصورا ، ولعله أن يتيسر الحديث في مناسبة قادمة عن " الأسرة والقرآن "
ولعلي اقصر الحديث هنا عن أمور ثلاثة لابد منها ـ عاجلاً ـ للأسرة المؤمنة :
الورد اليومي : بحسب المتيسر ، مع الحرص عليه كحرصكما على الأكل واشرب ، حتى لا تُصنف أسرتك من الأسر الهاجرة لكتاب الله تعالى عياذاً بالله .
القراءة بتدبر وفهم للمعاني : لأن من العجب الكبير جداً أن تقرأ أسرة صالحة كتاب الله ثم لا تتفهم معانيه ، وتمر عليها العوارض والحوادث والمصائب فلا تظن أن في كتاب الله من الوسائل الحسية والمعنوية ما هو المنجَى والمخرج من هذه العوارض والنكبات .
تربية الأسرة على تعظيم القرآن : قلباً وقولاً وعملاً ومصحفاً ، بحيث تمتلئ القلوب هيبة له حتى عند حمله ووضعه ، فلا يحمل إلا بأدب ولا يوضع إلا بأدب في مكان لائق ، فتستشعر الأسرة قدسية هذا الكتاب ، وتعي جيداً معنى كونه منزلاً من عند الله ، ومعنى كونه كلام الله .
الثانية : باستخدام الآيات الكونية والشرعية ، بل وكل لحظة عابرة وحادثة طارئة للتذكير بعظمة الله تعالى ، أخرج الشيخان( )عن عائشة قالت : كان النبي إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي ما أدري لعله كما قال قوم فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (الأحقاف :24) فأي خوف من الله أعظم من هذا الخوف ؟ . وما الذي ينقدح في ذهن العروس ؛ وهي ترى بعلها يتغير وجهه إذا رأى ما يخشى أنه أمارة عذاب الله ؟ ، فكيف إذا رأى ما هو سبب أكيد لسخط الله .
وفي المقابل ما الذي ينقدح في ذهنها وهي ترى زوجها [ الذي ترى عليه آثار الالتزام ] تملأ وجهه ابتسامة عريضة في لحظة يرى هو بأم عينيه ما ينذر بعذاب أليم من الجبار ؟ .
أخرج الشيخان( )عن عائشة قالت دخل علي رسول الله وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال يا عائشة أشد الناس عذابا ثم الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله قالت عائشة فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين . فهذا الغضب الشديد منه لأن القضية تتعلق بالتوحيد، ونقص التوحيد نقص في الإيمان قطعاً .
الثالثة : بتصغير الدنيا وتعظيم الآخرة ، وهذه الحقيقة الكبرى لـها أثر عجيب في تعميق جذور الإيمان في القلب ، وإزالة رواسب الشرك والرياء وحب الدنيا . لذا متى ما تحقق ذلك ؛ فأبشر ــ أيها الزوج أو أيتها الزوجة ــ بنماء شجرة التوحيد الخالص لله وحده في قلبيكما، يستظل بها كل أفراد الأسرة ، بل والأقارب والجيران إن كانت وارفة الظلال ، وقد تستظل بها الأمة كاملة !! ، وليس ذلك على الله بعزيز . ولعلي أضرب لكما هاهنا مثلاً واحداً : أخرج مسلم في صحيحه ( )عن جابر بن عبد الله قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال : فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن لـه فوجد النبي جالسا حوله نساؤه واجماً ساكتاً قال : فقال : لأقولن شيئا أضحك النبي فقال يا رسول الله : لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها ، فضحك رسول الله وقال : هن حولي كما ترى يسألنني النفقة ، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول : تسألن رسول الله ما ليس عنده ؟ فقلن : والله لا نسأل رسول الله شيئا أبدا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ثم نزلت عليه هذه الآية يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب : 28، 29) قال فبدأ بعائشة فقال : يا عائشة ؛ إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ، قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية ، قالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ... . الحديث
وللداعي أو الداعية أن يتأملا أثر هذا الموقف الحاسم في التعريف بقدر هذه الحياة الدنيا ومقارنتها بالآخرة ، ثم أثره في تحديد مسار الأسرة فيما بعد .
أما تعظيم قدر الرسول ، ووجوب طاعته ، وتحريم معصيته : فهذا الأساس من لوازم شهادة أن محمداً رسول الله ، وذكره هنا في غاية الأهمية لأن كثيراً من الأحكام العقدية والفقهية ، والآداب السلوكية والتربوية، إنما جاءت عن طريق السنة النبوية، فتعظيم قدر الرسول في قلوب أفراد الأسرة ؛ يجعلها تسلم لما ثبت من أقواله وتعاليمه بمجرد سماعها ، ومن ثم يسهل تربية الأسرة على الالتزام بهديه والاقتداء بسنته بأيسر طريق . وهنا أمر ينبغي التنبه لـه : وهو أن هـذا الأســاس إذا رسخ في القلـوب ؛ فـــإنــه يحـوط الأسـرة ــ بمشيئة الله ــ من السقوط في مهاوي البدعة أو التفلت عن حدود الله( ). ولكما أن تتأملا طويلاً ما الذي يحدثه نزول مثل هذه الآيات على اثنتين من خيرة أزواج النبي ، حملتهن الغيرة على فعل أمر كرهه فأنزل الله إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ، ثم توعدهن فقال سبحانه عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً (التحريم: 4 ــ 5 )
وهذه حادثة أخرى وقعت وأزواج النبي يسمعن ، فعن الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله ــ من وراء الحجرات ــ فقال يا محمد يا محمد وفي رواية يا رسول الله فلم يجبه فقال يا رسول الله إن حمدي لزين وإن ذمي لشين فقال ذاك الله عز وجل ) ( ) . ثم أنزل الله هذه الآية الشديدة في سيد من سادات العرب إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (الحجرات:4) وهذان اثنان إمامان لهما ابنتان تحت النبي كادا أن يهلكا بأمر يسير في ظاهره !! ، فعن ابن أبي مليكة قال : كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر ، رفعا أصواتهما عند النبي حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس وأشار الآخر برجل آخر فقال أبو بكر لعمر ما أردت إلا خلافي قال ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (الحجرات:2) ، قال ابن الزبير : فما كان عمر يُسمِع رسول الله بعد هذه الآية( ) . بعد هذا لك أن تتأمل أو تتأملي ؛ ما الذي يحدثه موقف تقفه عندما تري تقصيرا من أفراد أسرتك الصغيرة في تعظيم قدر ه ، أو تعظيم أقواله أو أفعاله أو أوامره أو نواهيه ؟! .
هاتان الحقيقتان الكبريان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عندما تستقران في القلب صدقاً ؛ تتحقق الراحة الكاملة ؛ والطمأنينة التامة ؛ والانشراح المطلق ، بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معنى ، وهذه هي الكنوز المفقودة التي يلهث في البحث عنها كثير من الأسر التائهة اليوم ، من خلال القنوات والمجلات والحفلات والرحلات الماجنة ، بل والعلاقات المشبوهة والمحرمة ؛ فلا تجد ـ بعد ذهاب سُكر المعصية ـ إلا الضيق والنكد والبكاء المرِّ، يعقبها خلافات أسرية جارفة تشوه كل جميل في هذه الدنيا ، كما قال الله سبحانه وتعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (الأنعام:125)
الأساس الثاني : بيتٌ غذاؤه العلم ولحاؤه العبادة وثمرته الدعوة . كل بيت يريد أن يكون منارة في الحق ، منجماً للعلماء المجددين ، لبنة صلبة في سور هذه الأمة الشامخ ؛ لابد أن تتوفر فيه هذه الصفات الثلاث : العلم الحق الذي ينير لـه الطريق فيحميه من الزيغ والضلال . والعبادة التي تصل قلبه بخالقه وباريه ــ سبحانه وتعالى ــ فتزيده قوة إلى قوته، وتكسو منظره هيبة وجمالاً ، ومنطقه حلاوة وقبولا . والدعوة التي هي الزكاة الواجبة لما سبق .
أما العلم فالمقصود به العلم النافع وهو ما كان عن الله أو أذن به الله , والكلام هنا خاص ببيان أهمية هذا العلم في بناء الأسرة الإيمانية " بيت عامر بالإيمان " ، أما عن مراتبه وطريق الأسرة في تحصيله وثمراته ففيما نستقبل إن شاء الله ، فأذكر أولاً الآيات التي كانت تقرع أسماع زوجاته ليلاً ونهاراً ، تأمرهن بالعلم وتحذرهن من الجهل :
فأول سورة نزلت اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم ِ* عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق : 1ــ 5)
ومن السور المكية الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ (الرحمن: 1ــ 2) ، فمن أعظم آثار رحمته أن علم القرآن ، لأنه أصل العلوم .
وأول ما أُمر به العلم في قولـه تعالى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ (محمد:19).
وأثنى على أهل العلم في مواضع كثيرة شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران:18) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً (النساء:83) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (القصص:80) فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النحل:43) (الأنبياء:7)
وحذر من الجهل وذمه ذماً شديداً فقال سبحانه فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (الأنعام : من الآية35) ) ، وقَالَ سبحانه لنُوحُ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (هود : 46) وجاءت آيات خاصة تأمر أزواج النبي بالعلم والتعلم وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (الأحزاب:34)
وهذه أمثلة مقتطفة من حياته تكشف بجلاء عن عنايته بهذا الجوانب : عن جويرية أن النبي خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهى في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم قال النبي لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته( ). فكافأها على عبادتها بأن جعـلـهـا سبباً في إرشـــاد الأمــة إلى هذا الأجـر العظيــم مع العمـل اليسير ، وفي هذا التوجيه منه إبانة كبرى لأهمية العلم ، وأنه قبل العمل ولا بد .
وعن أنس بن مالك قال : دخل نبي الله المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال ما هذا ؟ فقالوا هذا الحبل لزينب تصلي فإذا فترت تعلقت به فقال النبي : حلوه ، ليصلي أحدكم بنشاطه فإذا فتر فليقعد( ). وعن عائشة قالت : كان النبي يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه ؛ فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت ( ) .
كل هذه المواقف تبين بجلاء ضرورة العلم قبل العمل ، وأن الأسرة الربانية لا تخطو خطوة واحدة ــ في العبادة أو الدعوة أو التربية ــ إلا بعلم نافع ، وبعد العلم لابد من العمل والعبادة والدعوة ، وإن أخللنا بأحد الجانبين كان لنا نصيب مما حذر الله منه في قوله تعالى غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (الفاتحة: من الآية7) .
الأساس الثالث : القوامة للرجل والوزارة للمرأة . هذا الأساس مع أن حياة الحبيب المصطفى قامت به وعليه ، ومع أنه ركن ركين في حياة الأسرة المسلمة ـ بل وغير المسلمة ـ واستقرارها وسعادتها ، إلا أنه مغيب بقصد أو بغير قصد عن واقع كثير من البيوت المؤمنة في هذا العصر ، تارة لأن الرجل مشغول بنفسه ، فلا يرغب في تحمل مسؤولية الأسرة كاملة إلا عند الضرورة ، وتارة لأن المرأة تخشى من تبعية الاعتراف بالقوامة للرجل ـ خصوصاً في أرض الواقع ـ فقد يكون ذلك سبباً في حرمانها من الأهواء والرغبات التي تتمتع بها في حال التفلت وضياع القوامة . وهو وهي بهذا يجنون على هذه الأسرة الصغيرة ، لتنشأ حين تنشأ فوضوية ضائعة لا هدف لها تسعى لتحقيقه ، وإن كان ثم هدف فالطريق للوصول إليه لم يُفكر فيه بتأنٍ ، فضلاً أن يرسم ويتفق على مراحله ، وهدف كل مرحلة ، وتوابع ذلك . لذا ولأهمية الموضوع البالغة في إنشاء أسرة تُعيد مع مثيلاتها لهذه الأمة قوامتها الدينية والدنيوية على العالم أجمع ، استبيحك أخي القارئ ــ سدد الله خطاك ــ في هذا المبحث فقط ؛ أن أُشبع الموضوع بحثاً وتوضيحاً وبياناً .
إن المتأمل يدرك بوضوح تام أن كثيراً من الأخطاء في العلاقة أو التربية بين أفراد الأسرة ؛ نابعة من قضيتين رئيسيتين : الأولى : أن الزوج لا يقوم بحق القوامة التي ألزمه الله بها ،.أو ــ بضد ذلك ــ لا يُمكِّن زوجته من الصلاحيات التي أعطاها إياها الخالق سبحانه في بيتها ، فيتدخل في كل صغيرة وكبيرة فيه ، بحيث يُهمش دورها القيادي تماماً . الثانية : أن المرأة لا تعي تماماً أهمية هذه القوامة ، ثم ما ذا تعني في علاقتها الزوجية ؟ .
أما كون المرأة لا تعي تماماً أهمية هذه القوامة ؛ فهي مشكلة شرعية تربوية ، سببها عدم تربية الوالدين الفتاة على ذلك ، وعلاجها يكون بتدبر أمرين ( النقل والعقل ) :
أما النقل : فقد جاء النص على ذلك في الكتاب العزيز الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ (النساء:34) ، وفي السنة المطهرة أحاديث كثيرة ، منها : عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قال رسول الله : لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ ".( )
أما العقل : فمن المعلوم أن السفينة ــ والأسرة سفينة في بحر الحياة ــ لا يمكن أن تسير أبداً بقائدين لكل منهما نفس الصلاحيات !! ، كما أنها لا يمكن أن تسير بلا قائد !!! .
وأما كونها لا تدرك ما ذا تعني هذه القوامة في علاقتها الزوجية ؟ . فهذا هو مربط الفرس في كثير من المشاكل الزوجية الملتهبة التي تعشعش في بيوتات بعض الصالحات( ) ــ رعاهن الله ــ . إن القوامة الشرعية( ) تعني : " وجوب طاعة الزوج بالمعروف " إن القوامـة الشرعـيـة تعني : " وجوب طاعة الزوج بالمعروف " إن القوامـة الشرعـيـة تعني : " وجوب طاعة الزوج بالمعروف "
والمعروف : هو ما تعارف عليه الناس من الأخلاق والخصال الموجبة للألفة والمحبة ، وترك الخصال والخلال الموجبة للشقاق والنفرة ، من دون مشقة معتبرة شرعاً وعرفاً .
وعليه فلو أمرها بصلة أو زيارة أرحامه أو أرحامها ممن تكره زيارتهم ، أو حضور مناسبة أو مجلس ذكر ، أو أمرها بالسفر معه لحاجة ما ، ونحو ذلك مما لا يشق عليها مشقة معتبرة ، فيجب عليها الطاعة ، وتأثم بالمخالفة ، وأدلة ذلك متوافرة ، ومن ذلك : قولـه تعالى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ( )عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ( ) ... إلى قولـه ... وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ( ) فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً (النساء : 34) يقول ابن عباس( ) في تفسير الآية : المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره . ويقول ابن كثير( ): فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه ... إلى إن يقول : فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته وحرم عليها معصيته لما لـه عليها من الفضل والإفضال . بل ذهب ابن عباس وعكرمة والضحاك واختار ه ابن جرير وابن كثير( ) أن الفاحشة المبينة في قولـه تعالى إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (النساء: من الآية19) تشمل أيضاً النشوز والعصيان وبذاء اللسان وغير ذلك . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ( ): قولـه فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ يقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقا من خدمة وسفر معه وتمكين لـه وغير ذلك كما دلت عليه سنة رسول الله في حديث الجبل الأحمر( ) وفي السجود( ) وغير ذلك كما تجب طاعة الأبوين فإن كل طاعة كانت للوالدين انتقلت إلى الزوج ولم يبق للأبوين عليها طاعة تلك وجبت بالأرحام وهذه وجبت بالعهود كما سنقرر إن شاء الله هذين الأصلين العظيمين . وقال( ) ــ رحمه الله ــ : فالمرأة الصالحة هي التي تكون قانتة أي مداومة على طاعة زوجها فمتى امتنعت على إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة وكان ذلك يبيح لـه ضربها كما قال تعالى وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (النساء : 34) وقولـه تعالى ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (البقرة : 228) ، وقولـه ... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف (النساء : من الآية19)
يقول شيخ الإسلام ( ): والمعروف فيما لـه ولها هو موجب العقد المطلق ،فإن العقد المطلق يرجع في موجبه إلى العرف . ويقول( ) : يجب عليها المعروف من مثلها لمثله . وسُئل( ) ــ رحمه الله ــ عن امرأة تزوجت وخرجت عن حكم والديها فأيهما أفضل برها لوالديها أو مطاوعة زوجها فأجاب : الحمد لله رب العالمين المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها وطاعة زوجها عليها أوجب .
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله : الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ...( ). فهو بمثابة الأمير في وجوب طاعة من تحت يده له . فلو لم تسلّم زوجة بهذا الوجوب ؛ فلا بد أن تُسلِّم بما أجمع عليه أهل العلم من استحباب ذلك والترغيب فيه لأنه من العشرة بالمعروف : فعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ : قِيلَ لرَسُولِ اللَّهِ : أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : "الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ ، وَ تُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ ، وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَ مَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ ".( ) وعن معاوية بن قرة عن أبيه أن عمر خطب الناس فقال : ما استفاد عبد بعد إيمان بالله خيراً من امرأة حسنة الخلق ، و دود ولـود ، و ما استفــاد عبد بعـد كـفــر بالله شـــراً من امــرأة حَدِيدة اللسان ، سيئة الخلق ، و الله إن منهن غُنماً لا يُحذى منه ، و إن منهن غِلاً لا يُفتدى منه . ( )
أما المشكلة الأخرى : وهي أن الزوج لا يقوم بحق القوامة التي ألزمه الله بها ، فهذا من الغش البيِّن لأسرته ، ومن غش فليس منا :
عن معقل قال : قال رسول الله : ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة( ).
وفي لفظ للبخاري : ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة( ). أو يكون ــ بضد ذلك ــ فلا يُمكِّن زوجته من الصلاحيات التي أعطاها إياها الخالق سبحانه في بيتها ، فيتدخل في كل صغيرة وكبيرة فيه ، بحيث يهمش دورها القيادي تماماً ، وهذا خطأ فالمرأة وزيرة في بيت الزوجية ، لها من الصلاحيات وعليها من الواجبات الشيء الكثير :
عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم( ). وإن قصر الزوج في حق بيته من النفقة والتربية ونحوها فالزوجة تقوم مقامه :
فعن عائشة قالت دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك ( ). وفي لفظ : بالمعروف .
الأساس الرابع : الرفق مع الألفة والمحبة .
عندما تتأمل الرفق في أقوال وأفعال المصطفى صلى الله عليه وسلم تعجب أشد العجب ، وستعلم حينها أن هذا الخلق أصل أصيل ومطلب كبير في شخص كل رب أسرة مؤمنة ، وهاك أمثلة على ذلك :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ، فقالت عائشة بل عليكم السام واللعنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مه يا عائشة !! فإن الله لا يحب الفحش والتفحش"( ) ،" إن الله يحب الرفق في الأمر كله "( ) وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف ، وما لا يعطى على ما سواه "( ). وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شانه "( ). وقال صلى الله عليه وسلم : " من يحرم الرفق يحرم الخير " ( ). وعن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول : غارت أمكم . . . الحديث . ( ) وعند النسائي( ) من حديث عائشة فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : "إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ ". ولك أن تتخيل ردت فعلك السريعة وأنت تمر في مثل هذا الموقف !! ، عهدي بك تمد يدك إلى أثقل ما يُطفئ غيظك ، ويردُّ لك هيبتك !! ورجولتك المزعومة !! .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وصوت عائشة عالياً ، فلما دخل تناولها ليلطمها ، وقال : ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه ، وخرج أبو بكر مغضباً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر : كيف رأيتني أنقذتك من الرجل ؟! . ( ) عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء ... فجاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء فعاتبني وجعل يطعن بيده في خاصرتي ... ( ). فذنبها رضي الله عنها أنها أخبرته بضياع العقد ، وهي تعلم أنه صلى الله عليه وسلم سيحبس الجيش وغير الجيش من أجل عقدها وخاطرها !! .
عن صفية زوج النبي كان النبي في المسجد [ معتكفاً ] وعنده أزواجه فرُحنَ ، فقال لها : لا تعجلي حتى أنصرف معك وكان بيتها في دار أسامة [ أي بعيداً ] ... ( ).
أما الألفة والمحبة ـ لا الهيام والعشق ـ في حياته g فبحر دافئ جميل الشاطئ ، هادئ الأمواج ، عذب الماء!! ، عظيماً عميقاً جميلاً ، يضم بين جنبيه اللؤلؤ والمَرْجان ، ويحمل على سطحه الصدق والوفاء والعرفان ، وهاكِ نماذج يسيرة اغترفها من بحر حبهg ، والتي أعلن وباح فيها بمكنون فؤادهg: عن عائشة قالت : ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة وما رأيتها ! ولكن كان النبي يكثر ذكرها ، فربما قلت لـه : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ؟ فيقول : إنها كانت وكانت . . . ( ). وقال يوماً لعائشة إني رزقت حبها ــ يعني خديجة ــ( ). وعن عمرو بن العاص أن النبي بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة [ هكذا!! ] ، فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها ، قلت : ثم من ؟ قال عمر بن الخطاب فعد رجالا " ( ) . وعن عائشة : خرج رسول الله فانصرف بي الجمل وكان آخر العهد منهم وأنا أسمع صوت النبي وهو بين ظهري ذلك السَّمُر [ شجر الطلح ] وهو يقول : وا عروساه . قالت فوالله إني لعلي ذلك إذا نادى منادى أن ألقى الخطام فألقيته فاعقله الله( ).
وأحاديث هذا الباب ( الرفق ، الألفة ، المحبة ) في حياته لا تحصى كثرة ، منها إضافة لما سبق :
حديث عائشة رأيت النبي يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد( ). حديث مسابقته عائشة ( ). وسيأتي مزيد لذلك في ثنايا الرسالة ــ إن شاء الله ــ .
الأساس الخامس : الغضب عند انتهاك حرمات الله Q أو للتأديب .
سأكتفي بذكر مواقفه مع زوجاته في هذا الباب ، فهي ـ لمن كان صادق العزيمة ـ لا تحتاج إلى تعليق ، لكني أذكرك أيضاً أحاديث المبحث السابق فهي من مشكاة واحدة : أخرج الشيخان( )عن عائشة قالت دخل علي رسول الله وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال يا عائشة أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله قالت عائشة فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين . وعن عائشة أن بعيرا لصفية اعتل وعند زينب فضل من الإبل فقال رسول الله لزينب : إن بعير صفية قد اعتل ، فلو انك أعطيتيها بعيرا ؟ قالت : أنا أعطى تلك اليهودية ؟ فتركها فغضب رسول الله شهرين أو ثلاثاً حتى رفعت سريرها وظنت انه لا يرضى عنها قالت : فإذا أنا بظله يوما بنصف النهار فدخل رسول الله فأعادت سريرها( ). وعن عائشة قالت : قلت للنبي حسبك من صفية كذا وكذا ــ تعني قصيرة ــ فقال : لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته( ). وعن عائشة قالت كان النبي إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت فغرت يوما فقلت : قد عوضك الله من كبيرة السن قالت فرأيت رسول الله غضب غضباً سقط في خلدي ،... قالت : فغدا بها علي وراح شهرا( ).
وقد يكون الغضب للتأديب :
فعن جابر : ألح أزواج النبي يسألنه النفقة ــ و ليس عنده ــ فاعتزلهن شهرا. . . ( ) وقد تقدم قول حفصة وعائشة : والله لا نسأل رسول الله شيئا ليس عنده . فالذي يظهر لي ــ والله أعلم ــ أن هجره حسماً لهذا الأمر في المستقبل ، وهو من باب التأديب .
وعَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ وَجَدَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فِي شَيْءٍ ، فَقَالَتْ صَفِيَّةُ : يَا عَائِشَةُ هَلْ لَكِ أَنْ تُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي وَلَكِ يَوْمِي ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . فَأَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ فَرَشَّتْهُ بِالْمَاءِ لِيَفُوحَ رِيحُهُ ، ثُمَّ قَعَدَتْ إِلَى جَنْبِ رَسُولُ اللَّه ، فَقَالَ النَّبِيُّ : يَا عَائِشَةُ إِلَيْكِ عَنِّي إِنَّهُ لَيْسَ يَوْمَكِ . فَقَالَتْ : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، فَأَخْبَرَتْهُ بِالأَمْرِ فَرَضِيَ عَنْهَا ".( )
والمفصود هنا بيان أن الغضب لله من الأسس التي بنى عليها حياة أسرته ، وربى به وعليه زوجاته الطاهرات . لكن لِمَ يغضب ؟ عن عائشة قالت : والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط ، حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله( ). ولك أن تحصي المرات التي غضبتها لنفسك ومطعمك ومشربك وراحتك ومالك و... إلخ ، والمرات التي غضبتها لله ولرسوله وللصلاة والقرآن والعلم والتربية !! . وكيف يغضب ؟ بتغير الوجه ، بالزجر والنهر، بالهجر (بالترتيب الذي سيأتي ) ، بالطلاق الرجعي إن احتاج الأمر ، وقد مرَّت شواهد ذلك فيما سبق ، وسيأتي مزيد بيان لها . وإلى متى يغضب ؟ إلى أن يزول سبب الغضب وفقط ، فإن زال الموجب رضي وكأن شيئاً لم يكن ، أما تطويل ذلك لشراسة في الخلق أو حدة في الطبع ــ بزعم التأديب ــ فليس من هديه |
|
شمس مراقبة عامة
الجنس : عدد الرسائل : 24544 العمر : 35 العمل/الترفيه : جامعية المدينة : الجزائر البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 05/07/2009 نقاط : 35206
| موضوع: رد: الأسس الخمسة التي أقام عليها النبي حياته الأسرية... الإثنين يوليو 05, 2010 7:15 am | |
| |
|