ضحية مباراة توظيف أساتذة التعليم الإبتدائي دورة 23 يناير 2010
جهة طنجة تطوان
ما أزال أذكر كيف أن النوم جفاني تلك الليلة ،ذلك أني كنت في الصباح الموالي على موعد لإجراء الاختبار الشفهي بمركز تكوين المعلمين بمدينة تطوان... استيقظت أمي صباح ذلك اليوم عند قبل انبلاج سنا الفجر، وكانت بدورها قد وقعت في أسر الأرق..ويبدو أنها صرفت ليلتها في الدعاء لي بالنجاح...بعد أدائها لصلاة الفجر دلفت إلى غرفتي بخطى وئيدة ، فألفتني غارقة في قراءة كتاب يتناول الوضع التعليمي بالمغرب.اقتربت مني وحيتني تحية الصباح...وضعت الكتاب على منضدتي ثم تنهدت فرفعت بصري إلى محياها..لم أستغرب من غياب الابتسامة المعهودة عنه ذلك الصباح وحلول مسحة من الوجل بدلها..سألتها "ما بك؟" فنثرت علي ابتسامة لم يرقني مظهرها...كنت أعي ما بداخلها...فبعد نصف ساعة سنشد الرحال نحو مدينة تطوان...وهي وجلة ومتخوفة من كابوس الاختبار الشفهي الذي سأجتازه...أحسست لوهلة وكأنها هي المعنية بذلك ولست أنا..حاولت أن أهدئ من روعها فجدت عليها بابتسامة علني أبدد مشاعر الخشية والرهبة من نفسها ..ثم أردفت قائلة" لا تخافي يا أمي فقد اجتزت الإختبار الكتابي بشكل جيد ، وأخبرتك قبل ظهور النتائج بأني سأنجح لأني كنت وما أزال واثقة من مؤهلاتي في المجالات التي امتحنت فيها ..وسيكون الأمر كذلك بالنسبة للإختبار الشفهي الذي سأجتازه هذا الصباح"..فانشرحت أ سارير وجهها وهي تدعو الله لي بالتوفيق والنجاح حتى لمع بريق دمعة في عينيها سرعان ما انحدرت على خدها الذي بدأ يستسلم لسلطان التجاعيد...لقد كان النجاح المأمول منتهى ما حلمنا به...فالنجاح معناه التوظيف ..والتوظيف معناه بالنسبة إلينا التخلص من أنياب الفقر والعوز..لأجل ذلك توجهت أمي إلى الله بدعائها متضرعة حتى انحدرت دمعة من عينيها صباح ذلك اليوم...
لم تكن أمي لتسمح لي بالسفر من طنجة إلى تطوان لوحدي..فكان أن خرجت معي مرافقة حتى امتطينا الحافلة وجلسنا معا...وبمجرد انطلاق الحافلة انحدر رأسي نحو كتف أمي بعد أن هدني النصب والأرق..وما هي إلا ساعة أو يزيد حتى أصبحنا في مدينة تطوان..كان الجو معتدلا صباح ذلك اليوم الذي تدثرت فيه الحمامة البيضاء بضباب أفاض عليها رونقا وبهاء..امتطينا سيارة أجرة حتى وصلت بنا إلى مركز تكوين المعلمين الذي يجاور الأكاديمية الجهوية لتطوان..نزلنا معا، وحينما هممنا بالدخول إلى المركز استوقفنا البواب ومنع أمي من الدخول معي ..فودعتني ودقات قلبها تكاد تتناهى إلى مسمعي وكأنها هي المترشحة لاجتياز الاختبار الشفهي..فبادرت لطمأنتها قائلة " سأنجح يا أمي إن شاء الله لأني على اطلاع جيد وواسع بمنظومة التربية والتعليم ولي ثقافة واسعة وشمولية ولا تنسي أن لي خبرة في التدريس" ..بعد توديعها، سمعت ذلك البواب يناديها ،فقد رق قلبه لحالها فكان أن حمل إليها مقعدا لتجلس عليه على مقربة من بوابة المركز...
بعد اجتيازي لعتبة المركز، توجهت نحو مرشحة كانت تطالع لوائح تضم أسماء المترشحين وأرقام اللجان المشرفة على الاختبار الشفهي..بادرتها بالتحية ثم دنوت من اللوائح فصافحتها عيناي اسما اسما حتى عثرت على اسمي ورقم القاعة الواقعة في طابق علوي..لقد كان اسمي على رأس المجموعة وكان يفصلني عن موعد انطلاق الاختبار ربع ساعة أو يزيد..فانطلقت ثم صعدت الدرج في اتجاه القاعة حتى وصلتها فألفيت مترشحين اثنين على مقربة من بابها...بادرتهما بتحية الإسلام ثم تنحيت جانبا قصد قراءة ما يمكن قراءته ريثما يصل أعضاء اللجنة .
قبل موعد الإختبار بقليل رمقت رجلا وامرأة قادمين في اتجاه القاعة وهما يتبادلان أطراف الحديث..علمت بعد ذلك أنهما عضوان في اللجنة..كان الرجل وهو حسب ما علمت فيما بعد يعمل مفتشا للغة الفرنسية في التعليم الابتدائي بنيابة طنجة، كان يرتدي طاقما أزرق وربطة عنق..أما المرأة فكانت ترتدي زيا أسود وكانت تسير واثقة الخطو...ويبدو من ملامحها أنها تتحلى بثقة مفرطة في نفسها...
الساعة تشير إلى التاسعة صباحا بالضبط..السيد المفتش يخرج من القاعة ثم ينادي باسمي ..فأغلقت الكتاب الذي في يدي، وتوجهت نحو القاعة..دخلت ولا أخفي أن بعض الخوف ساورني...دعاني السيد المفتش بالتفضل والجلوس قبالتهما. ففعلت..كانت تفصلني عنهما طاولة مستطيلة هي أشبه بمكتب. بادرتهما بالتحية قبل جلوسي ،فردا علي بتحية ولكنها ليست أفضل..
كان أول ما طلبته مني الأستاذة بعد إدلائي ببطاقة التعريف الوطنية هو أن أعرف بنفسي وأقدم موجزا لسيرتي الذاتية وخاصة ما يتعلق منها بمؤهلاتي العلمية وخبرتي.. .فانشرحت أسارير وجهي غبطة وارتياحا ، ذلك أنها طلبت مني التعبير عن المطلوب باللغة العربية ..ثم إنني شرعت في سرد المطلوب بأسلوب سليم المبنى والمعنى وعلامات الثقة في النفس بادية على محياي. .ومن حين لآخر كنت أرمقها أثناء تحدثي وهي تطرق رأسها تارة وترفعه طورا في إشارة إلى أنها استحسنت مضمون إجابتي وأسلوب تعبيري..كانت تلك الإشارات تزيدني ثقة في النفس واسترسالا في التحدث ..وكنت أسترق أثناء ذلك النظرات إلى ما تدونه في تلك الورقة الموضوعة أمامها، فلم أفلح إلا مرة واحدة في لمح أناملها وهي تدون أني حاصلة على شهادة الماستر ..أما عدا ذلك ،فكنت خلال الحديث أنظر إلى وجهها الذي خلا من أي أثر لمساحيق التجميل سوى عينيها المكتحلتين، وإلى شعرها الأسود الذي يكاد يلامس كتفيها..ثم بعد الانتهاء من سرد المطلوب، أشارت علي بالحديث عن وضع المنظومة التربوية وعن إكراهاتها وتحدياتها..فازداد حبوري وارتياحي حتى أني شعرت وكأنها تمنحني الذي أطلبه..فطفقت أتحدث بإسهاب وارتياح عن ذلك الموضوع المتشعب حتى جرنا الحديث إلى موضوع بيداغوجيا الأهداف والكفايات وبيداغوجيا الإدماج..عند ذلك أعطت الأستاذة الكلمة إلى السيد المفتش، فطلب مني الاسترسال في الحديث عن الكفابات ، ففعلت، كما طلب مني أن أبدي وجهة نظري حول العمل في العالم القروي المرشحة للعمل فيه وتحدياته بصفتي أنحدر من وسط حضري..فعرضت موقفي من ذلك حتى بدا لي من خلال استقراء حركات وجهه أنه استحسن كل ما ذكرته...وفي أثناء ذلك دخل عضو ثالث فجلس في مقعد قبالتي على يسار المفتش .. وطفق يحدجني بنظرات ثاقبة وأنا أتحدث..فكنت أرمقه وهو يقرأ ملامحي وحركاتي وسكناتي حتى قادني اجتهادي إلى استخلاص أنه يقومني من الناحية النفسية..فعدلت وضعيتي وتملكت رباطة جأشي..ثم إنه بعد ذلك قاطعني وطلب مني التحدث عن اهتماماتي فكان أن ذكرت القراءة والمطالعة..فسألني عن أسماء بعض الكتاب والأدباء وأسماء كتبهم فذكرت العقاد وكتابه"أنا" وعبد الكريم غلاب وكتابه "الابواب السبعة" وعبد المجيد بن جلون وكتابه"في الطفولة " ومحمد شكري وكتابه "الخبز الحافي" وديوان المتنبي، ثم انه قاطعني وطلب مني أن أعطي لمحة عن بعض مضامين تلك الكتب ففعلت ووفيت وكفيت..
وفي نهاية المقابلة أحسست بانشراح كبير يتملكني ،ذلك أنني أجبت بشكل جيد ومفصل وبإسهاب وحكمة وروية عن كل الأسئلة التي وجهت إلي ..فشكرني أعضاء اللجنة، ثم أعاد إلي السيد المفتش بطاقتي الوطنية ،فتسلمتها تحت إيقاع توديعهم المكلل بابتسامات لم أكن لأقرأ من معانيها سوى أنها طمأنة وتلميح يكاد يرتقي إلى تصريح بأني نجحت..
خرجت من القاعة منشرحة مبتسمة ل ، فما أن خطوت خطوة خارج الباب حتى أحاط بي بعض المترشحين إحاطة السوار بالمعصم وهم يستفسرونني عن الأسئلة التي وجهت إلي..فأخبرتهم ببعض تفاصيل الذي جرى..ثم ودعتهم داعية لهم بالتوفيق..
أذكر أني صباح ذلك اليوم وكان الأربعاء نزلت من الطابق العلوي مهرولة مسرورة في اتجاه أمي التي كانت تنتظرني..وما أن خرجت من باب المركز حتى عانقتها وأخبرتها بأني أجبت بشكل جيد جدا عن كل الأسئلة وأن ذلك سيقودني حتما بإذن الله إلى النجاح..تهللت أسارير وجه أمي لما سمعت ذلك ..ثم عدنا إلى طنجة فرحتين غانمتين..
ومرت أشهر من الانتظار المرير..ولم أكن لأشك يوما في نجاحي..فقد ارتقى إحساسي بالنجاح إلى ذروته حتى صار يقينا..ستظهر النتيجة قريبا وسأودع العطالة والملل وسأنقد الأسرة من براثن العوز إلى شطآن الأمل..قريبا ستظهر النتائج وسأصبح أستاذة للسلك الابتدائي وستتباهى بي أمي ومعها أسرتي..تلك أحلام وآمال كانت تغزوني فأستسلم لتفاصيلها الجميلة البهية..
وبعد انصرام أشهر ..وبالضبط يوم الأحد 18 يوليوز 2010 علمت أن نتائج الاختبار الشفهي قد ظهرت على شبكة العنكبوتية.فدخلتها والبشر يأسرني ..دخلتها ومشاعر الفرحة تنتابني..فقد كنت متيقنة أنني ناجحة لأنني اجتزت الاختبارين الكتابي والشفهي بشكل لا تشوبه ذرة من الشك في النجاح.
ويا لهول ما وقعت عليه عيناي في صباح ذلك اليوم المشؤوم..لم أجد اسمي ضمن لائحة الناجحين والناجحات..فكدت أنهار لذلك ..شعرت بالتذمر والاستياء والغبن والقهر..لا يمكن أن يكون النجاح قد خذلني ..من المؤكد أنه وقع خطأ في طبع الأسماء..من المؤكد أن هناك شيئا حدث..سيل من التخمينات والأسئلة شرعت تنساب علي دون أن اهتدي للإجابة عنها...لا يمكن أن أكون قد رسبت. هذه هي الحقيقة التي لا يعلمها إلا الله والذين حرموني من حقي في النجاح دونما أي سبب..
لقد فقدت الثقة في الجميع..لن أجتاز بعد اليوم أية مباراة حتى ولئن تأكد لي النجاح فيها..لن اجتاز بعد اليوم أية مباراة لأني كفرت بمبادئ الشفافية والنزاهة المتشدق بها ليل نهار... لقد استخسروا علي حتى التدريس في السلك الابتدائي بعدما صرفت عقدين من الزمن في الدراسة حتى حصلت على شهادة عليا ..استخسروا علي ذلك فأجهزوا على حقي في التوظيف . استخسروا علي ذلك رغم خبرتي التعليمية والتربوية التي آليت على نفسي أن أسخرها لخدمة الناشئة على أحسن وجه وأفضل حال..فلنا الله من قبل ومن بعد .فحمدا له على ما أعطى وحمدا له على ما أخذ..وحسبي الله ونعم الوكيل في من شارك في حرماني من حقي في التوظيف الذي أستحقه عن جدارة واستحقاق.
التوقيع : إح . ز طنجة
عن كراسات تربوية