إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]. عباد الله: إن فتن الحياة الدنيا كثيرة، فمنها: فتنة المال، وفتنة الفقر، وفتنة الغنى، وفتنة الأولاد، وفتنة الحرب، وفتنة الاضطهاد والإيذاء، وغير ذلك من أنواع الفتن، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي في الناس فتنةً أضر على الرجال من النساء) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قول الله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14] فجعلهن من حب الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع.. قبل الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، وقبل فتنة الأولاد، ومع أنها ناقصة العقل والدين، فإنها تحمل الرجال على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغلهم عن طلب أمور الدين، وحملهم على التهالك على طلب الدنيا، وذلك أشد الفساد. وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدنيا حلوةٌ خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم ، وفي رواية للإمام أحمد رحمه الله تعالى: (إن الدنيا خضرة حلوة، فاتقوها واتقوا النساء) ثم ذكر نسوة ثلاثاً من بني إسرائيل (امرأتين طويلتين تعرفان، وامرأة قصيرة لا تعرف، فاتخذت رجلين من خشب- من تحت الثياب لتطول- وصاغت خاتماً، فحشته من أطيب الطيب المسك، وجعلت له غلفاً، فإذا مرت بالملأ أو بالمجلس قالت به، ففتحته ففاح ريحه) هكذا تحايلت لتلفت نظر الرجال إليها، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء. قال النووي رحمه الله: ومعناه تجنبوا الافتتان بها وبالنساء، وتدخل في النساء الزوجات وغيرهن، وأكثرهن فتنة الزوجات لدوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن، ولذلك كان السلف -رحمهم الله- يحرصون على عدم الافتتان، فقد أرسل بعض الخلفاء إلى الفقهاء بجوائز، فقبلوها وردها الفضيل ، فقالت له امرأته: ترد عشرة آلاف وما عندنا قوت يومنا! فقال: مثلي ومثلكم كقوم لهم بقرة يحرثون عليها، فلما هرمت ذبحوها، وكذا أنتم أردتم ذبحي على كبر سني، موتوا جوعاً قبل أن تذبحوا فضيلاً.
خروج المرأة واستشراف الشيطان لها
ومن أسباب كون المرأة فتنة، ومن أسباب عظم الفتنة بها أمرٌ مهمٌ جداً تفسير للقضية، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الصحيح: (المرأة عورة ) ولم يستثن وجهاً ولا كفين أمام الرجال (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( استشرفها الشيطان)؟ أيها المسلم: فكر في هذه الكلمة: ( استشرفها الشيطان ) لتعلم من أين أتينا؟ قال المباركفوري رحمه الله تعالى: أي: زينها في نظر الرجال، وقيل: أي: نظر إليها ليغويها ويغوي بها، والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء، وبسط الكف فوق الحاجب، هذا هو الاستشراف، والمعنى: أن المرأة يستقبح خروجها وظهورها، فإذا خرجت أمعن النظر إليها؛ ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها؛ ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة، أو يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق وسماه به على التشبيه. إذاً: الشيطان يرفع أنظار الرجال إلى المرأة، والشيطان يزين المرأة في أعين الناظرين، فترى المرأة إذا خرجت إلى الشارع تمشي ارتفعت إليها أبصار الرجال، ذلك لأن الشيطان حريصٌ على تزيينها وعلى رفع الأبصار إليها، فتجد الأبصار تتجه إلى المرأة من حين خروجها إلى الشارع، ومن حين بدوها للرجال، يستشرفها الشيطان، ويجعلها هدفاً منصوباً ملفتاً لينظر إليها الرجال، فهي وسيلته لإغواء الناس، ولذلك كان السلف -رحمهم الله- مع عبادتهم وزهدهم وورعهم، يخافون على أنفسهم من فتنة النساء أكثر مما نخاف نحن على أنفسنا مع ضعفنا، ولا مقارنة بيننا وبينهم. فهذا سعيد بن المسيب وقد أتت عليه ثمانون سنة، منها خمسون سنة يصلي فيها الصبح بوضوء العشاء، وهو قائمٌ على قدمية يصلي، كان يقول: ما شيء أخوف عليَّ من النساء . وهو ابن ثمانين سنة، يعبد الله تعالى، ويقوم الليالي، ومع ذلك يقول هذا .