تؤكد جميع الدراسات قيام علاقة كبيرة بين التكوين النفسي لشخصية أي فرد ونظرته للحياة وعدد الحوادث التي يمكن أن يسببها هذا الإنسان سواء لنفسه أو لغيره . كما تفيد هذه الدراسات أن قرابة 85% من حوادث السيارات يرجع السبب فيها إلى الأشخاص الذي ثبت من دراسة حياتهم البيئية والمدرسية أو العملية أنهم يمثلون مجموعة الغير مستقرين نفيا وعاطفيا .
وإذا ما ألقينا نظرة عابرة على مئات الألوف من السائقين الذين يسافرون ليلا ونهارا وتحت نفس الظروف نجد أن البعض من هؤلاء فقط هم الذين تتكرر عندهم الحوادث نتيجة لعدة عوامل تنحصر في السرعة وعدم إعطاء أولوية المرور وعدم الالتزام بالخط المرسوم وعدم ترك المسافة الكافية بينه وبين السيارة الأخرى والمغالاة في القدرة الجسمانية والميكانيكية .. ومما يؤسف له أن هذه التقارير تبين لنا كيفية وقوع السائق في الحادث إلا أنها لم توضح بشكل أو بأخر سبب وقوعه وما هي المؤثرات النفسية الداخلية والخارجية التي تسببت في ذلك .
لاشك أن الوقاية خير من العلاج وحتى يمكننا أن نقلل من هذه الحوادث ونحقق الأمن والسلام لابد لنا من التعرف على مسببات هذه الحوادث لعلاجها ووضع الدواء على الداء وذلك بتفهم سبب إسراع السائق وعدم التزامه بالإشارة , انطلاقا من هذا المبدأ نرى أن لزاما علينا أن نتفحص شخصية السائقين الذين تنطبق عليهم هذه الظواهر ويقسم علماء النفس المروري السائقين إلى أربع مجموعات .
أولا : السائق العادي الذي يتحاشى الوقوع في الحوادث وتنقصه الخبرات الفنية في القيادة : هذه المجموعة تشكل في معظم المجتمعات نسبة لابأس بها من السائقين وتتصف بالاعتماد بأن ما لديها من خبرات فنية بقيادة السيارة والإلمام بأنظمة السير فيه ما يكفيهم للقيادة والحقيقة أن هذا الذي لديهم لا يكفي للتكيف والتأقلم في مجتمع مروري متطور كما هو الحاصل في جميع مدننا .
ثانيا : السائق الذي يعتبر أن القيادة إحدى الهوايات التي يمكن عن طريقها إثبات وجوده : هذه المجموعة تشكل نسبة قليلة بين كل الجهات التي من أبرزها بعض من رجال الأعمال الذين تضطرهم ظروف أعمالهم إلى السفر لمسافات طويلة وفي اعتقادهم أن سر نجاحهم يعود إلى السرعة في أعمالهم وقراراتهم والحفاظ على مواعيدهم وهذه المجموعة غالبا ما تتصف بجنون السرعة والتجاوز بسياراتهم في الأماكن الممنوعة وبالشرود الذهني الذي أحيانا ما يكون سببا من أسباب الحوادث .
ثالثا : السائق الفاقد الثقة المضطرب نفسيا : هذه المجموعة تشكل في معظم المجتمعات نسبة 10 % إلى 20 % من مجموعة السائقين وتتراوح أعمارهم مابين 16 إلى 24 عام وتتصف بعدم الاستقرار النفسي والجسمي وهي تسبب قرابة الثلث من الوفيات الناجمة عن حوادث السيارات .
رابعا : الغالبية العظمى من السائقين : تشكل هذه المجموعة السائقين المعتدلين الذين يتصفون بما بين 16 إلى 24 عام وتتصف بعدم الاستقرار النفسي والجسمي وهي تسبب قرابة الثلث من الوفيات الناجمة عن حوادث السيارات .
رابعا : الغالبية العظمى من السائقين : تشكل هذه المجموعة السائقين المعتدلين الذين يتصفون بالاستقامة في سلوكهم وفي تقديرهم للمسئولية عند تعاملهم مع الطريق وفي عملهم متمسكين في دينهم إلا أن البعض من هذه المجموعات يصاب بأنزعاجات نفسية وقتية غالبا ما تكون سببا لوقوعهم في الحوادث المرورية إلا أن هذه الإضطرابات ما تلبث أن تزول بزوال هذه المؤثرات وتعود الحالة إلى وضعها الطبيعي .
والآن إذا ما أردت أن تعرف إلى أي مجموعة تنتمي إليها أيها القارئ فما عليك إلا أن تسأل نفسك وبصدق كم حادث وفقت في النجاة منه .. وكم حادث تسببت فيه فإذا كنت ممن حصل على مخالفة واحدة فقط خلال الخمس سنوات الماضية وممن هيأت له الظروف أن يتفادى بإرادة الله حادثا مؤكدا خلال هذه الفترة فأنت ممن ينطبق عليهم وصف المجموعة الرابعة .
مما تقدم هو استعراض عام وموجز لنوعية السائق والمؤثرات النفسية على طريقة قيادته وحتى نستفيد من ذلك فإننا ننصح بإتباع الخطوات التالية :
1. تبني فكرة أن الحادث يمكن أن يحدث لي : تعتقد الغالبية العظمى من السائقين أنهم في مستوى أعلى من بقية إخوانهم السائقين وأن ما يحدث للغير لا يمكن أن يحدث لهم وهي نظرة خاطئة إذا أن هذا الاعتقاد في حد ذاته مدعاة لكثير من الحوادث . فكن دائما حذرا وقد سيارتك بطريقة دفاعية وتوقع ما قد يحدث.
2. كن دائم اليقظة بالقيادة بما يستوجب أن تكون متفرغا دائما لها : البعض من السائقين يعتقد أن إلمامهم وخبراتهم الطويلة في القيادة تكون مبررا لأن يستهينوا بالقيادة وتمنحهم حق التحدث مع الغير أثناءها أو أن يشغل نفسه بأمور أخرى مما يشد إتباهه عن القادة حينئذ لا يتسع أمامه الوقت لتفادي الحادث .
3. القيادة بطريقة دفاعية : يختلف السائقون في قدراتهم وثقافاتهم مما يوجب عليك ان تكون حذرا متأكدا من أن السائق الآخر يراك متفهما قصدك أثناء قيادتك الخاصة عند الدوران والانتقال من خط لآخر وان تفكر دائما في البديل عند الضرورة .
4. كن لبقا ومؤدبا في قيادتك : باحترامك الآخرين وبتخليك بعض الأحيان عن أحقيتك في الطريق وإعطائهم أفضلية المرور تتفادى الوقوع في الحوادث . وأثر هذا المبدأ ينعكس بدوره على معاملة الآخرين لك ( عامل الناس بما تحب ان يعاملوك به ) فيعم الأمن والسلام بين مستعملي الطريق .
5
. كن سائقا ذكيا وماهرا : يتطلب الذكاء والمهارة في القيادة المزيد من المعرفة والتحصيل في النواحي الفنية والأنظمة المرورية المتطورة . فالسائق الذكي هو الذي يحاول أن يتطور بمفهومه مع التطور المروري ولا يأتي له ذلك إلا بمداومة الإطلاع على أنظمة السير والاستفادة من أخطائه وخبرات الآخرين .
6. ضبط النفس : هناك الكثير من المؤثرات النفسية التي يمكن أن تواجهك وتفقد السيطرة على نفسك بسبب تصرفات سيئة تصدر من أحد السائقين أو عن طريق العمل أو المنزل لذلك تذكر دائما انك إذا فقدت السيطرة على نفسك فلن تجد المجال للسيطرة على سيارتك أثناء القيادة .
7. اترك مسافة كافيه بينك وبين السيارة الأخرى : هناك كثير من السائقين أو بدافع استعجالهم للعمل أو لقضاء بعض الحاجيات , يقودون سياراتهم على مقربة من السيارات الأخرى وفي اعتقادهم أن فرامل سيارة كل منهم من الجودة بما يمكنه معها من أن يوقفها على مسافة كافيه عند الاقتراب من الخطر إلا أن هذا التفكير خطأ إذ أن الفرامل مهمتها تهدئة السيارة وان هناك عوامل كثيرة تؤثر على مدى فاعلية الفرامل فهناك رد الفعل لمسافة الرؤية وهناك المسافة الأزمة لوقوف السيارة بالإضافة إلى الوقت الزمني اللازم مابين 4/1 ثانية و 4/3 ثانية وكذلك عامل الطريق ذاته. كل هذه العوامل تتحكم في سيطرتك على السيارة وإيقافك لها قبل وقوع الحادث . لذلك كان من أوجب الضروريات حتى تتجنب الكثير من الحوادث أن تكون بين سيارتك والسيارة الأخرى مسافة بطول سيارة لكل 10 كيلومتر تسير بها سيارتك .
8. كن في تمام يقظتك ونشاطك :
القيادة كما سبق القول تستدعي انتباهك التام ولا يأتي هذا إلا بعد أن تكون في قمة نشاطك خاصة في القيادة للمسافات الطويلة فيجب عليك أن تعرف الطريق الذي ستسلكه وتضاعف من إحتياطاتك عند الأماكن الخطرة وحاول ألا تقود سيارتك منفردا وإذا اضطرتك الظروف لذلك فاستمع إلى الراديو ولا تأكل أكلة دسمة وتحاشى المنبهات أياً كان نوعها .
9. واصل دعمك للهيئات العاملة في مجال السلامة المرورية : إسهامك في إقلال الحوادث يأتي بعد اعتقادك بأن الحوادث لا تقع من تلقاء نفسها دائما وأن الأخطاء البشرية هي سبب مباشر لمعظم الحوادث بإتباعك أنظمة السير وأن تكون قدوة إلى اقرب الناس لديك ومثلا صالحا لمجتمعك الكبير وأن تسهم وتدعم وتشجع جميع الهيئات العاملة في هذا الحقل بالتوعية الكاملة والمسئولية المباشرة وبذلك يمكن السيطرة على كثير من الحوادث .
تحياتي لكمشمس المنتدى