عفوا أمي!
بقلم: أحلام جمعة
ما أشبه اليوم بالأمس، والتاريخ يعيد نفسه مرة أخرى وأعداء العفة والطهارة لا يهدؤون ولا يرتاحون حتى يخوضوا في أعراض الشريفات الطاهرات.
بالأمس اجتمعتُ أنا وصديقاتي لنشهد مشهدا عظيما وحادثة مهمة في تاريخ الأمة، من الممكن أن تحدث لأي فتاة فينا، هذه الحادثة هي حادثة الخوض في عرض أمنا وحبيبتنا وحبيبة زوجها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم من أعداء الإسلام المنافق عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين الذي أبدع في كراهيته للإسلام ولرسول الإسلام، فخاض في عرض الطاهرة الشريفة العفيفة أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، شهدنا الموقف وكلنا يقين أن أمنا طاهرة شريفة عفيفة وبريئة من كل زور وبهتان ينسب إليها، وإن كنا لم نستطع الكلام والدفاع عنها لأن الله عز وجل تكفل بذلك وبرأها من فوق سبع سماوات.
واليوم نشهد الموقف نفسه، نشهد أتباع عبد الله بن سبأ يخوضون في عرض الصديقة الطاهرة، ويقولون عليها الأكاذيب الباطلة وأقوال الزور والبهتان، وكل واحدة منا تشهد وكلها يقين ببراءة أمنا من كل ما يدَّعون، ولكن اليوم الوضع مختلف، فإننا لن نسكت ولن نتهاون في الدفاع عن أمنا الجليلة والرد عن كل ما يقال في حقها.
رحمك الله يا أمي ابتليت في حياتك في عرضك، فلم تستطيعي الرد والدفاع عن نفسك وسلمت أمرك لله عز وجل فكان ردك "لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني منه بريئة - والله يعلم أني منه بريئة - لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتصدقنّني ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف حين قال :{فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} (رواه البخاري)؛ فأنزل الله عز وجل قرآنا يتلى إلى يوم القيامة يشهد ببراءتك وطهارتك وعفتك و يرد على كل معتد.
والآن تبتلين الابتلاء نفسه بعد مماتك، ولكن لا تحزني يا أمي ولا تجزعي فإن لك بنات يستطعن الدفاع عنك والرد على كل شائبة تشوبك.
لا تحزني يا أمي فإن الأدلة والبراهين المؤكدة لدينا على طهارتك وعفتك وبراءتك من كل بهتان عظيم يرمونك به، وسنستعرض هذه الأدلة التي نثبت بها براءتك أمام العالم أجمع.
من هذه الأدلة:
*- ولدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمكة المكرمة في العام الثامن قبل الهجرة، ولدت في بيت من أوائل البيوت التي آمنت وأسلمت، فأبوها هو الصديق الذي كان أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال، وصدق به عندما حدث الناس بحديث الإسراء والمعراج وكذبه المشركون، وصاحبه في رحلة الهجرة، وفي طريق حياته الدعوي، وأنفق كل ما يملك في سبيل الله ونشر الدين الإسلامي حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم :" ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن صاحبكم خليل الله" (راجع صحيح الجامع للألباني)، وأمها هي أم ورمان "وقيل إن اسمها زينب " وقد كانت من السابقات إلى الإسلام بمكة.
*- زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من الله تعالى، وهو الذي اختارها له لتكون زوجته في الدنيا وفي الآخرة وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أريتك في المنام ثلاث ليالي. جاءني بك الملك في سرقة من حرير. فيقول: هذه امرأتك . فأكشف عن وجهك. فإذا أنت هي. فأقول: إن يك هذا من عند الله، يمضه " (متفق غليه وهذا لفظ مسلم)، وقد تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة بعامين، وكان عمرها آنذاك تسع سنوات فقط، فقد تربت في بيت النبوة وعاشت بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم.
*- نزول الوحي في حجرتها ولم ينزل الوحي في حجرة من حجرات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إلا عندها، ورؤيتها لجبريل عليه السلام وهو على صورة دحية الكلبي، وقد أقرأها سيدنا جبريل السلام، وذلك كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً: يا عائشُ هذا جِبريلُ يُقرِئُكِ السلامَ. فقلتُ: وعليهِ السلامُ ورحمة اللَّهِ وبركاته، تَرَى ما لا أرَى. تُريدُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم». (رواه البخاري).
*- حب النبي صلى الله عليه وسلم الكبير لها لدرجة أنه كان يداعبها ويسابقها ويتلمس موضع فيها على الإناء الذي تشرب منه ويشرب هو منه.
ومن شدة حبه لها عرف الناس ذلك فكانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم تقربا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن أجمعين.
ومن دلائل حب النبي صلى الله عليه وسلم أن عمرو بن العاص، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة، سأل النبي صلى الله عليه وسلم:"أي الناس أحب إليك يا رسول الله" ؟ قال: عائشة قال: فمن: الرجال ؟ قال: أبوها) متفق عليه.
وقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" (رواه البخاري).
*- إن الله عز وجل لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم آية التخيير بدأ بها فخيرها فقال: "ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، فقالت: أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة" متفق عليه.
فاستنّ بها (أي اقتدى) بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم وقلن كما قالت(راجع صحيح النسائي).
*- محبة الله عز وجل لها: وذلك بأن برأها في حادثة الإفك، وأنزل فيها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، ورد عنها كيد الكائدين وحقد الحاقدين، وقد أعطاها الله عز وجل العديد من الميزات التي تميزت بها عن غيرها من النساء، وقد قالت رضي الله عنها عن ذلك: ((قالت عائشة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: فضلت عليكن بعشر ولا فخر: كنت أحب نسائه إليه، وكان أبي أحب رجاله إليه، وابتكرني ولم يبتكر غيري، وتزوجني لسبع، وبنى بي لتسع، ونزل عذري من السماء واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في مرضه، فقال: إنه ليشق علي الاختلاف بينكن فائذن لي أن أكون عند بعضكن" فقالت أم سلمة : قد عرفنا من تريد عائشة. أذنا لك، وكان آخر زاده من الدنيا ريقي، أتي بسواك، فقال: انكثيه يا عائشة فنكثته وقبض بين حجري ونحري، ودفن في بيتي)) راجع سير أعلام النبلاء، وفيه انقطاع...
*- كانت تتصف بالذكاء الحاد وكانت فقيهة عصرها، وأعلم الناس بأمور القرآن والحديث والشعر والطب أيضا، وقد قال عنها عروة بن الزبير ( ما رأيت أحداً أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث عرب ولا بنسب من عائشة)).
وكانت رضي الله عنها ممن بين السنة للمسلمين، قال البيهقي: "عائشة أول من كشف العمى عن الناس وبين لهم السنة". وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلت ولا فريضة، من عائشة. (الطبقات الكبرى لابن سعد).
وأما في الفصاحة فكانت أفصح الناس رضي الله عنها، وعن معاوية قال:"والله ما رأيت خطيبا قط أبلغ ولا أفصح ولا أفطن من عائشة ".(قال الهيثمي عنه في المجمع: رجاله رجال الصحيح).
قال عنها صلى الله عليه وسلم: "لو جمع علم نساء هذه الأمة، وفيهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لكان علم عائشة أكثر من علمهن" (قال الهيثمي عنه في المجمع: مرسل، ورجاله ثقات).
هذه بعض الدلائل الدالة على براءة وطهارة وعفت أمنا الغالية.
وفي النهاية لا يسعني إلا أن أطلب العفو من أمي وأقول لها:
عفوا أمي: لاتحزني ولا تجزعي من أي قول أو بهتان فلا يقول ذلك إلا إنسان جاهل يجهل شخصيتك ويجهل سيرتك الزكية، ويجهل مكانتك الرفيعة عند الله عز وجل وعند رسوله الكريم.
عفوا أمي: سامحينا نحن معشر النساء والبنات والفتيات أن بعدنا عنك وعن سيرتك العطرة، ولم نعطك حقك من العلم والدراسة الكافية لشخصيتك.
عفوا أمي: سامحينا إن اتخذت بعض البنات والفتيات من النجوم والممثلات مثلا أعلى لها ولم تأخذك وتتخذ من سيرتك القدوة الحسنة والمثل الأعلى، فأنت خير القدوة وخير المثل العليا التي يحتذى بها في كل نواحي الحياة .
عفوا أمي: سامحيني إن لم أوفيك حقك في الدفاع عنك، يعلم الله عز وجل أني أحبك، وأتشوق لرؤياك العطرة، والجلوس بين يديك أنا وجميع نساء المسلمين، ويكفيني قول النبي صلى الله عليه وسلم : "المرء مع من أحب" متفق عليه.
هذا وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.