الحصار الإسرائيلي أثر في قطاع التعليم
غزة - علا المدهون
لجأ سكان غزة إلى نوع جديد من المدارس المكونة من حاويات
معدنية، تكيفاً مع ظروف الحصار التي يعيشونها، وقد اعتادوا على تسميتها
"مدرسة الكونتينر" أو مدارس الحاويات.
للوهلة الأولى يبدو المكان كمستودع لتخزين البضائع والمواد الخام، وأرغم
الناس على استخدام هذا المستودع كمدرسة تعمل لفترتين مسائية وصباحية، يدرس
فيها ما يقرب من 1000 طالب من أطفال اللاجئين الفلسطينيين.
وتوجد المدرسة التابعة لوكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" في مخيم
النصيرات للاجئين وسط القطاع، وتعتبر شاهداً على حجم المعاناة ودلالة على
استمرار حصار غزة، وعجز المجتمع الدولي على إجبار إسرائيل على فتح المعابر
وإدخال مواد البناء الى قطاع غزة.
الحر والبرد يؤثران في التحصيل وفي لقاء مع
"العربية.نت" أكد مدير المدرسة السيد رضوان عيد أن الأوضاع في المدرسة سيئة
على مدار فصول العام، وأن كثيراً من الطلاب يصابون بأمراض مختلفة جراء هذا
الوضع غير العادي، موضحاً أن الحاويات المعدنية حارة جداً في فصل الصيف،
وباردة جداً في فصل الشتاء ما يجعل المعاناة كبيرة بالنسبة للطلبة.
وقال إن المعاناة في فصل الصيف قاسية جداً، فالحاويات المعدنية حارة بشكل
كبير، في حين أن المعاناة في فصل الشتاء أشد، خاصة أن الأطفال يرتجفون من
البرد، فيما فناء المدرسة ضيق جداً وحركة الطلبة أثناء الاستراحة تؤدي إلى
انتشار الغبار بشكل كثيف، ما أدى إلى ظهور بعض الأمراض في الصدر، ومشاكل في
العينين عند الطلبة والمدرسين.
وأشار إلى أن الحر والبرد الشديدين يؤثران في التحصيل الدراسي للطلاب، كما
يؤثران في حالتهم النفسية. لافتاً إلى أن حالات من العنف تظهر على الاطفال
في محاولة منهم لتفريغ الطاقة الهائلة المخزنة بداخلهم نتيجة للوضع السيئ.
ولا تقل معاناة معلمات المدرسة عن معاناة التلاميذ، حيث تؤكد المعلمة سهام
أبوحرب أنها عملت في مدارس كثيرة إلا أنها للمرة الأولى تشعر بأنها في سجن
حقيقي مع شعور متواصل بالاختناق جراء ظروف المدرسة السيئة.
وتقول: "إن الفصل غير مريح وضيق، والأطفال دائماً مصابون بحالات مرض
وإعياء، فيما المدرس لا يجد مجالاً للقيام بأي أنشطة للأولاد أو ألعاب، حتى
إنه لا توجد خزانة توضع فيها دفاتر الأطفال وأغراضهم أو أي وسائل
للمدرسين، وتتابع المعلمة "لو أردنا أن نخرج في حصة رياضة لا يوجد فناء،
فالغبار منتشرة بشكل شديد والطلبة لا يجدون مكاناً للعب، والبيئة المدرسية
صعبة جداً".
فصل معدني مساحته 15 متراً مربعاً الأطفال يلعبون في الساحة وقت الاستراحة
وفي فصل دراسي حديدي لا تتجاوز
مساحته 15 متراً مربعاً يجلس أكثر من 30 طالباً في ظل أجواء برد شديد،
يحاولون تدفئة أنفسهم بجهودهم الذاتية على حساب تركيزهم فيما يشرحه المدرس،
ويصف الطالب نعيم ما يعانيه داخل تلك الحاويات ويقول: "الفصل ضيق جداً،
وأنا وزملائي لا نستطيع التركيز فيما يشرحه المعلم، ولو كانت مساحة الفصل
أكبر قليلاً لاستطعنا التركيز والتفوق، نحن لسنا مرتاحين، فمدرستنا ضيقة
وفصلنا ضيق والفناء أيضاً ضيق، لا نجد مكاناً للعب".
واتفق صديق نعيم معه على صعوبة الأوضاع في تلك المدرسة، موضحاً كيف أن
زملاءه الطلاب يعانون كثيراً بسبب البرد الشديد في فصل الشتاء والحر الشديد
في الصيف، ووجه رسالة إلى العالم لإعادة بناء مدرسته كبقية المدارس
ومعاملته كبقية أطفال العالم. مشدداً على أن له الحق كباقي أطفال العالم في
التعليم والصحة والعيش في بيئة نظيفة.
من جانبها قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين "الأونروا" إن بناء
مدرسة الكونتينر من أولوياتها لكن استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع دخول
مواد البناء إلا بصورة مقننة لمؤسسات الأمم المتحدة يعيق التنفيذ السريع
لبناء هذه المدرسة.
المدرسة من أولويات "الأونروا" وقال عدنان
أبوحسنة، المستشار الإعلامي للأونروا، إن هذه المدرسة من أولويات الأونروا
في عملية البناء للمدارس، لكن العقبة الكبرى تتمثل في منع سلطات الاحتلال
الإسرائيلي دخول مواد البناء ومتعلقاتها. موضحاً لـ"العربية.نت" أن هناك
موافقة مبدئية إسرائيلية بالنسبة لهذه المدرسة، ولكن ما علينا إلا أن ننتظر
حتى تتم عملية البناء والتي قد تصل الى مدة عام أو شهور طويلة حسب
اعتقاده".
وأضاف أبوحسنة أن الأونروا تقوم بجهد مكثف تجاه تلك المدرسة وطلبتها خاصة
أن الأوضاع فيها لا تطاق، موضحاً أن الأوضاع الصعبة التي تحياها هذه
المدرسة جعلت من "الأونروا" تهتم كثيراً بأحوال الطلاب، فهناك فحص صحي
دوري بالإضافة الى الدعم النفسي، هناك حالات مرضية شديدة نتيجة الغبار
ونتيجة الحرارة ونتيجة البرودة الشديدة في فصل الشتاء الأوضاع لا تطاق في
هذه المدرسة، لذلك هناك جهد مكثف من الأونروا تجاه هذه المدرسة وتجاه
طلبتها".
وفي الوقت الذي لاتزال فيه المدارس في قطاع غزة تعاني أزمة حقيقية جراء عدم
القدرة على بناء وترميم ما تضرر منها خلال العمليات العسكرية الاسرائيلية
على قطاع غزة أواخر شهر ديسمبر من عام 2008.
وتعبر "مدرسة الكونتينر" عن مدى الحاجة الماسة لرفع الحصار عن قطاع غزة
وإدخال مواد البناء حتى تتمكن المؤسسات الدولية من بعث أمل جديد في نفوس
سكان القطاع وأطفاله بالذات.