بين ليلة وضحاها من ليالي العصور، صيرنا الزمان أناسًا غير أولئك الذين قطنوا المعمورة مذ خلقها الله،
كانوا بدائيين بهيئتهم فصيرنا الزمان متحضرون، كانت علاقاتهم يكتنفها الحب والمودة
خالية من المصالح الشخصية و المشاعر السلبية، فصيرنا الزمان إلى النقيض تمامًا،
كانوا يعيشون الجهل بنور براق، فصيرنا الزمان جنود علم بلا نور.
كانوا وأصبحنا ، كثير تلك المفارقات بين الأمس واليوم، تمتد تلك المفارقات من الامور البسيطة كالمظهر الخارجي للامور
العميقة من العدل وتوفير متطلبات الحياة الهامة لتطور الانسانية.
افتقر أهل ذاك الزمان للعديد من الاساسيات أو تلك الامور التي باتت من الاساسيات بزماننا، إلا انهم لم يشكوا ،
عمدوا لبناء حضارات عريقة توارثتها الاجيال، وأصبحنا نستدل منها على عظمتهم، ورقيهم بالرغم من بساطة حياتهم.
خلت حياتهم من دور العلم، من الخدمات الاجتماعية والاقتصادية المتطورة، إلا أن شمس الحقيقة لم تأفل من حياتهم،
استناروا بضياءها، واتخذوها دفئًا لهم بأيام الصقيع العقلي،
شمس الحقيقة تلك الشمس التي تنير عقولهم ، يهديهم ضياءها للسبيل القويم، يستمدون من طاقتها الاشعاعية
سلاحًا يزودهم بالعزيمة والاصرار على التقدم بالحياة، وقتل الفراغ الذي لم يجد بعد ذاك سبيلاً لهم.
تلك الشمس أمدتهم بالأخلاق التي كان لها دور ببناء حضاراتهم، فبدون الاخلاق لا وجود لهم وهذا ما يشير له الشاعر حين قال
إنما الامم الاخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
انبثقت من شمس الحقيقة تلك شموس عديدة كالعدالة والرحمة وصلة الارحام، اسضاؤوا بأنوارها،
فأسسوا بنيان متين لا يوهن، وهذا هو البنيان القويم إذ يقول الله تعالي في محكم كتابه:
" أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"
بتوالي الازمنة، بدأت غيوم تكثفت بفعل بعض الايدي تحجب شمس الحقيقة لأوقات طويلة،
خفت ضياءها، فبات من الصعب الاستدلال بهذا الضياء، وبدأ التخبط، انبثقت البغضاء والظلم بين بني الانسان،
وامتزجت الموازين، فصعب التفريق بين الحق والباطل.
حتى باتت الحياة تستنجد وتنادي أين ذهبت تلك الشمس التي انارت الأزمنة السابقة، فأبصرت الطريق السوي؟
فــأين ذهبت الشمس بنظركم؟