قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (1)
مقدمة :
الآية الكريمة السابقة ، كثيرا ما يستشهد بها إخواننا السنّة بأنها دليل على علو مكانة الصحابة ، وما أن تحاور أحدهم في قضية صحابي ارتكب إثما مبينا، إلا وقد أتاك بتلك الآية الشريفة ليستشهد بها على أن الصحابة لا يضرهم شيء بعدما رضي الله تعالى عنهم وأعد لهم جنات خالدين!
إن هذا المفهوم له أساس في التفاسير لديهم كتفسير فتح القدير (2) حيث ذكر أنه أخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن زياد قال: قلت لمحمد بن كعب القرظي: أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أريد الفتن، قال: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم، قلت له: وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ قال: ألا تقرأون قوله تعالى: "والسابقون الأولون" الآية.
وقد ذهب بعض علماء السنّة إلى أن بُغض أي صحابي زندقة ، وعليه فهم يرون أن الشيعة يرتكبون المعصية بطعنهم في صحابة رسول الله (ص) ، وأنهم يخالفون صريح آية في القرآن الكريم . وفي هذا الصدد يقول ابن كثير: فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان, فياويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم, ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه, فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم. عياذاً بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة, فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي الله عنهم ؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه ويسبون من سبه الله ورسوله, ويوالون من يوالي الله ويعادون من يعادي الله وهم متبعون لا مبتدعون ويقتدون ولا يبتدون, ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون (3).
إن علماء السنّة بعد أن اختلقوا تلك الهالة القدسية للصحابة بموجب تفسيرهم للآية السابقة ، كادوا أن يجعلوا لجيل التابعين للصحابة نفس تلك الهالة القدسية لولا وجود كلمة ( بإحسان ) في قوله تعالى ( وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ). فلولا ذلك لتوسع علماؤهم في نطاق الهالة القدسية لتشمل إضافة إلى كل من رأى النبي من الصحابة ، أيضا كل من رأى صحابي وفق تعريفهم للتابعين بأنهم الجيل الذي عاصر الصحابة ، إلا أن لفظ ( بإحسان ) قيّد عندهم تلك الهالة القدسية ، وجعل البعض ذلك التقييد مرهون بالمولاة للشيخين والأسرة الأموية ، فذلك هو الاتباع بإحسان في نظرهم !
ويقولون من أثبت الله رضاه عنه لم يكن منهم بعد ذلك ما يوجب سخط الله عز وجل ولم يوجب ذلك للتابعين إلا بشرط الإحسان فمن كان من التابعين من بعدهم يتنقصهم لم يأت بالإحسان فلا مدخل له في ذلك (4).
وعلى الرغم أن علمائهم اتفقوا على أن الآية خاصة بالصحابة والتابعين ، إلا أنهم وقعوا في حيرة وهم يحاولون معرفة فيمن نزلت الآية بالضبط !!
اختلاف علماء السنة في تطبيق الآية !
لقد اختلف علماؤهم أيما اختلاف فيمن هم المعنيون في الآية ، فقد جاء في تفسير فتح القدير (5) أنهم اختلفوا على عدة آراء :
1- "والسابقون الأولون" هم الذين صلوا القبلتين جميعاً.
2- هم أبو بكر وعمر وعلي وسلمان وعمار بن ياسر.
3- هم من أدرك بيعة الرضوان. "والذين اتبعوهم بإحسان" هم من بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة.
4- جميع أصحاب النبي (ص) وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم، وشرط على التابعين شرطاً لم يشرطه فيهم.
5- "والسابقون الأولون" إلى قوله: "ورضوا عنه" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا لأمتي كلهم، وليس بعد الرضا سخط".
وجاء في تفسير البغوي (6)
واختلفوا في السابقين الأولين،
1- هم الذين صلوا إلى القبلتين.
2- هم أهل بدر.
3- هم الذين شهدوا بيعة الرضوان، وكانت بيعة الرضوان بالحديبية.
وجاء في تفسير الطبري (7)
واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: " والسابقون الأولون ".
1- فقال بعضهم: هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، أو أدركوا.
2- هم الذين صلوا القبلتين جميعاً.
وأما الذين اتبعوا المهاجرين الأولين والأنصار بإحسان، فهم الذين أسلموا لله إسلامهم، وسلكوا مناهجهم في الهجرة والنصرة وأعمال الخير.
وجاء في تفسير البيضاوي (8)
" والسابقون الأولون من المهاجرين "هم الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين شهدوا بدراً والذين أسلموا قبل الهجرة. "والأنصار" أهل بيعة العقبة الأولى .وكانوا سبعة وأهل بيعة العقبة الثانية وكانوا سبعين .... "والذين اتبعوهم بإحسان" اللاحقون بالسابقين من القبيلتين، أو من اتبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة.
كما تلاحظ أخي الكريم لم يستقر علماء السنّة على رأي واحد ليحددوا بالضبط من هم هؤلاء السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، ومع ذلك يدخلون كل الصحابة ضمن تلك الهالة القدسية حتى لو كان طفلا صغيرا لم يصلي القبلتين ، ولا بايع البيعتين ، ولا شارك في بدر ، وليس له منقبة سوى بغضه لأمير المؤمنين علي عليه السلام كالمسور بن مخرمة ومن على شاكلته ، ناهيك عن رجالهم أمثال الطلقاء والمؤلفة قلوبهم. ومع ذلك يقولون رضي الله عنهم أجمعين أكتعين أبصرين ! ويتوعدون الشيعة بالويل إن هم طعنوا في أحد هؤلاء حتى لو بدّل في دين الله أو جاء بما يلزم غضب الله عليه أو قتل مؤمنا متعمدا !
من هم المعنيون في الآية ؟
إن الآية الكريمة بلا شك تتحدث عن اشخاص قد رضي الله تعالى عنهم وأعد لهم جنات خالدين فيها، فلا ينكر ذلك إلا جاهل بالآية، ولكن هؤلاء الأشخاص الذين قصدتهم الآية الشريفة ليسوا كل من رأى النبي (ص) أو سمع من النبي (ص) ولم يراه لعارض كالعمى حسب مفهوم الصحبة عند علماء السنّة ، ولا كل من حسن إسلامه ظاهرا منهم. بل ليس كل المهاجرين منهم، وإنما هم السابقون الأولون من المهاجرين، ومعهم من سبق إلى البيعة من الأنصار الذين آزروا النبي (ص) ببيعتهم التي نصروا بها نبي الإسلام (ص) فأمنوا له دار الهجرة.
وحينها أمر الله تعالى نبيه (ص) بالاستعداد للهجرة ومطالبة المسلمين بالهجرة إلى المدينة ، وبذلك بدأ عهد جديد فتح آفاق جديدة للدعوة إلى الإسلام حيث أمر الله بقتال المشركين حتى يظهر الدين ويدخل الناس فيه أفواجا.
إن الآية الكريمة في واقع الأمر تتحدث عن اربع فئات فقط من الصحابة لا غير. فئتان منهم هم ( السابقون الأولون ) ، وفئتان هم ( الذين اتبعوهم بإحسان ) فهذه هي الفئات الاربعة.
فأما الفئة الأولى فهم أول من سبق الهجرة إلى المدينة من المكيين. وأما الفئة الثانية فهم من أهل المدينة ، الذين سبق لهم أن بايعوا على انجاح الهجرة ورتبوا لها ، فهؤلاء لهم علاقة مباشرة بانجاح الهجرة إلى المدينة ، وسوف نأتي لذكر الفئتين فيما بعد.
هناك فئة ثالثة من المكيين وهم الذين اتبعوا الفئة الأولى من المكيين ، فهاجروا بصدق النيّة وإخلاص كما هاجر الفئة الأولى. والفئة الرابعة وهم من أهل المدينة ، وهم الذين اتبعوا منهج الفئة الثانية من أهل المدينة بصدق النية وإخلاص في نصرة النبي (ص).
فالقضية كما ذكرنا لا تتعلق بجيل الصحابة كلهم ولا جيل التابعين كما يظن علماء السنّة الذين اختلط الأمر عليهم كما اختلط الأمر على عمر بن الخطاب والذي سنورده فيما بعد. ولعل منشأ هذا الخلط هو أنهم قد صنفوا كل الصحابة المهاجرين ضمن ( السابقون الأولون ) وعليه اعتبروا ( والذين اتبعوهم بإحسان ) هم من لم يهاجر من الصحابة ، والجيل الذي جاء بعد جيل الصحابة فسموا بجيل التابعين.
إن هذا الفهم الخاطئ أصبح عُرف لدى المذاهب السنية المختلفة ، واصبحوا يستشهدون بالآية لكل الصحابة في كل حين ، أكتعين أبصرين أجمعين. فهؤلاء لا يترددون في دمج حتى من ولد بعد وفاة النبي (ص) ضمن القائمة مع أن الآية الشريفة تخرج من إطارها كل من لم يهاجر في سبيل الله قبل الفتح من المكيين. فلا كل الصحابة هم من المهاجرين ، ولا من لم يهاجر ينطبق عليه قوله تعالى ( والذين اتبعوهم بإحسان ).
فالآية تتحدث عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان هم أيضا من المهاجرين والأنصار ، لكنهم من أواسط من هاجر أو أواخر من هاجر قبل الفتح ، فهم من المهاجرين أيضا واتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين في منهجهم وصدقهم . إذن فليس هناك إشارة في الآية لمن لم يهاجر من الصحابة القرشيين ، بل حتى ليس كل من هاجر منهم . وعليه فجعل كل الصحابة وأجيال بعدهم يندرجون تحت هذه الآية إنما هو جهل بالآية إن لم يكن تعسف موروث في التفسير!
معنى السابقون الأولون
قبل أن نخوض في غمار هذا البحث لا بد أن نقف أولا على تعريف بعض المفردات التي وردت في الآية الشريفة ، فعلى الرغم من وضوحها إلا أن القوم يبدو أنهم لم يلتفتوا إليها جيدا أو ربما لم يريدوا الالتفات!
تقول الآية الكريمة { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
لا شك أن البشارة في الآية ترتكز على مفردتين أساسيتين هما :
السابقون – الأولون
فإذا علمنا المقصود، علمنا من هم الممدوحون في الآية.
إن كلمة ( السابقون ) في اللغة تطلق على المتقدمين ( بكسر الدال ) أي من جاء بزمن متقدم على غيره ممن يصنف ضمن نفس الفئة . فالسابق إلى الشيء هو الذي تقدم على مجموعته في بلوغ الهدف.
يقول ابن حجر في فتح الباري: ( فإن حقيقة السبق أن يتقدم على غيره في المطلوب ) (9).
فالسابقون من المهاجرين هم من تقدموا في الهجرة على غيرهم من المهاجرين ، وعليه فليس كل المهاجرين إلى المدينة يندرجون ضمن ( السابقون ) وإنما المتقدمون منهم لقوله تعالى ( السابقون الأولون من المهاجرين ).
وأما لفظ ( الأولون ) والذي جاء بعد ( السابقون ) فهذا اللفظ أيضا يستخدم لمزيد من التحديد. وحينما يأتي اللفظان معا ( السابقون الأولون ) يصبح ( الأولون ) وصف لتحديد فئة من السابقين وبذلك ينحصر القصد بالذي جاء أولا ضمن فئة السابقين فقط وليس ضمن فئة المهاجرين كلهم ، أي فقط طليعة المتقدمين من المهاجرين. فالآية تتحدث عن فئة السابقين وحدها دون جميع المهاجرين والأنصار ، وحددت من هذه الفئة ، أوائل السابقين فقط ، كما يقول أحدنا الناجحون الأوائل من الطلبة ، فالطلبة يقابلها في الآية ( المهاجرين ) والناجحون يقابلها ( السابقون ) والأوائل يقابلها ( الأولون ) ، فالسابقون الأولون من المهاجرين هم الأوائل في الهجرة إلى المدينة. فالآية ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) تشير إلى أوائل من هاجر وأوائل من نصر من الأنصار ، ثم تشير إلى الذين اتبعوا هؤلاء الفئتان من باقي المهاجرين والأنصار بشرط الإحسان.
إن صفة ( السبق ) في حد ذاتها ليست مقياس البشارة أو سببها ، وإنما وصف يراد به الإشارة لمن بشرهم الله تعالى ، فهناك أسباب أخرى أدت إلى بلوغهم تلك المكانة والفوز بالجنة ، بعضها في حكم الغيب وبعضها ذكره القرآن الكريم وكتب التأريخ . فصفة السبق في الآية للإشارة إليهم فقط. وربما اقتضت حكمة الله أن يكونوا أولئك هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ليحظوا بشرف ذكرهم في القرآن الكريم.
معيار السبق في الهجرة
بعد أن بيّنا القصد من ( السابقون الأولون )، لا بد من أن نلقي الضوء على ما هو مقياس السبق في الهجرة لكي نحدد أولا من هم السابقون من المهاجرين ومن ثم نتعرف على الأولين منهم ، وكذلك بالنسبة للأنصار .
يذكر التأريخ أن هناك ثلاثة أحداث ذات علاقة بالهجرة هي:
1- نزول آية تحث على الهجرة وقتال المشركين وهي قوله تعال ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة) (10) .
2- هجرة النبي (ص) إلى المدينة.
3- وأما الحدث الأخير فهو فتح مكة المكرمة حينما قال النبي (ص) " لا هجرة بعد الفتح "(11).
إذن فقد بدأت الهجرة بعد نزول آية ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) حيث بدأت هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة ، وانتهت الهجرة يوم فتح مكة. فهناك من هاجر قبل النبي (ص) ثم هناك هجرة النبي (ص) ، وأخيرا هجرة من هاجر بعد النبي (ص) والتحق به في المدينة قبيل فتح مكة حيث انتهت الهجرة بعد ذلك.
إذن لا بد أن تكون هجرة النبي (ص) مقياس للسبق واللحق فليس هناك في التاريخ حدث يتعلق بالهجرة أكبر من ذلك ، وليس هناك معيار غير رسول الله (ص) يعتمد القرآن على فعله وحركته ، وعليه يكون كل من سبق النبي (ص) في الهجرة هم السابقون في الهجرة ، وكل من هاجر بعد النبي (ص) هم اللاحقون في الهجرة. وما يهمنا نحن في هذا البحث هو أن نلقي الضوء على السابقين في الهجرة ، أي كل من هاجر قبل هجرة النبي (ص) بحسب ما جاء في القسم الأول من الآية ، فنبحث عن السابقين الأولين منهم لنعرفهم مصداقا للآية ( السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ).
كيف بدأت الهجرة ؟
قبل أن نتطرق لكيفية بدء الهجرة ، نستعرض أولا ما جاء في كتب التأريخ حول أهم الواقع والأحداث التي سبقت وذات علاقة بعملية الهجرة لنقف على ما يقوله المؤرخون في هذه المسألة.
يقول المقدسي في كتابه البدء والتاريخ : كان رسول الله يوافي كل موسم سوق عكاظ وسوق ذي المجاز وسوق المجنة يتبع القبائل في رحالها ويغشاها في أنديتها يدعوهم إلى أن يمنعوه ليبلغ رسالة ربه فلا يجد أحدا ينصره حتى كانت سنة إحدى عشرة من النبوة لقي ستة نفر من الأوس عند العقبة فدعاهم رسول الله إلى الإسلام وعرض عليهم أن يمنعوه فعرفوه وقالوا هذا النبي الذي يوعدنا يهودنا به وهموا يقتلوننا قتل عاد وإرم فأمنوا به وصدقوه وهم أسعد بن زرارة وقطبة بن عامر بن حديدة ومعاذ بن عفرآء وجابر بن عبد الله بن رئاب وعوف بن عفرآء وعقبة بن عامر وأول من أسلم فيهم أسعد بن زرارة وقطبة بن عامر وكان يقول في الجاهلية لا إله إلا الله ويقال بل أول من أسلم أبو الهيثم بن التيهان وكان لا يقرب في الجاهلية الأوثان فانصرفوا إلى المدينة وذكروا أمر رسول الله فأجابهم ناس وفشا فيهم الإسلام، لما كانت اثنتي عشرة من النبوة وافى الموسم منهم اثنا عشر رجلا هؤلآء الستة وستة أخر أسمآءهم أبو الهيثم بن التيهان وعبادة ابن الصامت وعويم بن ساعدة ورافع بن مالك وذكوان ابن عبد القيس وأبو عبد الرحمان بن ثعلبة فآمنوا وأسلموا وواعدوا رسول الله العام القابل وسألوه أن يبعث معهم من يصلي بهم ويعلمهم القرآن فبعث معهم مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف فتى قريش كلها يدعو الناس إلى الإسلام وكان يدعى المهدي في زمن رسول الله فأسلم بدعائه بشر كثير وكان في من أسلم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيد الأوس والخزرج، فلما كان سنة ثلاث عشرة من النبوة قدم من الأنصار سبعون رجلا وامرأتان أم عامر وأم منيع ورئيسهم البرآء بن معرور فجاءهم رسول الله عند العقبة وبايعوه على المنع والنصرة قال الواقدي واختلفوا في أول من ضرب يده على يد رسول الله فقيل البرآء بن معرور وقيل أسعد بن زرارة وقيل أسيد بن حضير وقيل أبو الهيثم بن التيهان فقال لهم النبي اخرجوا إلي اثني عشر نقيبا يكونوا على قومهم وأخذ عليهم الميثاق والعهد والوفاء كنقبآء بني إسرائيل فأخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فمن الخزرج أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وسعد ابن عبادة والبرآء بن معرور وعبادة بن الصامت وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك بن عجلان والمنذر بن عمرو بن خنيس ومن الأوس أسيد بن حضير وسعد بن خيثمة وأبو الهيثم بن التيهان فقال كعب بن مالك يذكر تلك البيعة في قصيدة طويلة
فأبلغ أبيا أنه قال رايه وحان غداة الشعب والحين واقع
وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لنا بأحمد نور من هدى الله ساطع
فلا تزهدن في حشد أمر تريده وألب وجمع كل ما أنت جامع
ودونك فاعلم أن نقض عهودنا أباه عليك الرهط حتى يبايعوا
وانصرف الأنصار إلى المدينة وأمر رسول الله بالهجرة (12).
ويذكر الطبري في تاريخه : عن عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء قال بايعنا رسول الله على بيعة الحرب وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى، قال أبو جعفر فلما أذن الله عز وجل لرسوله في القتال ونزل قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وبايعه الأنصار على ما وصفت من بيعتهم أمر رسول الله أصحابه ممن هو معه بمكة من المسلمين بالهجرة والخروج إلى المدينة واللحوق بإخوانهم من الأنصار وقال إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله بمكة ينتظر أن يأذن له ربه بالخروج من مكة فكان أول من هاجر من المدينة والهجرة إلى المدينة من أصحاب رسول الله من قريش ثم من بني مخزوم أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة رسول الله بسنة وكان قدم على رسول الله بمكة من أرض الحبشة فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار خرج إلى المدينة مهاجرا ثم كان أول من قدم المدينة من المهاجرين بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبدالله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب ثم عبدالله بن جحش بن رئاب وأبو أحمد بن جحش وكان رجلا ضرير البصر وكان يطوف مكة أعلاها وأسفلها بغير قائد ثم تتابع أصحاب رسول الله إلى المدينة أرسالا (13).
وجاء في كتاب الرياض النضرة " قال البراء وكان أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار بن قصي فقلنا له ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو في مكانه وأصحابه على أثري ثم أتى بعده عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر فقلنا ما فعل من وراؤك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال هم الآن على أثري ثم أتى بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وبلال ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا ثم أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهم وأبو بكر معه " (14).
وقد ذكر ابن إسحاق أن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي هاجر إليها قبل بيعة العقبة حين آذته قريش عند مقدمه من الحبشة فبلغه إسلام من أسلم من الأنصار فخرج إليهم مهاجرا ثم هاجر بعده عامر بن ربيعة حليف بني كعب بن عدي وامرأته ليلى بنت أبي حثمة ثم عبد الله بن جحش احتمل بأهله وأخيه عبد الرحمن بن جحش وهو أبو أحمد وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر وكان يطوف مكة أعلاها وأسفها بغير قائد وكان شاعرا ثم قدم المهاجرون أرسالا ولا تضاد بينه وبين ما تقدم فيكون أول من قدمنها مطلقا أبو سلمة وأول من هاجر بعد بيعة الأنصار مصعب بن عمير كما تقدم وأما من ذكره ابن إسحاق بعد أبي سلمة فجائز أن يكون أيضا قبل العقبة كأبي سلمة وجاز أن يكون بعدها بعد مصعب بن عمير ولم يبلغ ابن إسحاق مهاجر مصعب قبله والله أعلم (15).
ويقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية : أول من هاجر الى المدينة من أصحاب رسول الله من المهاجرين من قريش من بني مخزوم أبو سلمة عبدالله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكانت هجرته اليها قبل بيعة العقبة بسنة حين آذته قريش مرجعه من الحبشة فعزم على الرجوع اليها ثم بلغه أن بالمدينة لهم اخوانا فعزم اليها قال ابن اسحاق فحدثني أبي عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن ابي سلمة عن جدته أم سلمة قالت لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه وجعل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري ثم حرج يقود بي بعيره فلما رأته رجال بني المغيرة قاموا اليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد قالت فنزعوا خطام البعير من يده وأخذوني منه قالت وغضب عند ذلك بنو عبد الاسد رهط أبي سلمة وقالوا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا قالت فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الاسد وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة قالت ففرق بيني وبين ابني وبين زوجي قالت فكنت أخرج كل غداة فاجلس في الابطح فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة ألا تخرجون من هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت فقالوا لي الحقي بزوجك إن شئت قالت فرد بنو عبد الاسد الي عند ذلك ابني قالت فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة (16).
ويقول ابن كثير : قال ابن اسحاق فنزل ابو سلمة وعامر بن ربيعة وبنو جحش بقباء على مبشر بن عبد المنذر ثم قدم المهاجرون ارسالا قال وكان بنو غنم بن دودان أهل اسلام قد أوعبوا إلى المدينة هجرة رجالهم ونساؤهم وهم عبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد وعكاشة بن محصن وشجاع وعقبة ابنا وهب وأربد بن جميرة ومنقذ بن نباتة وسعيد بن رقيش ومحرز بن نضلة وزيد بن رقيش وقيس بن جابر وعمرو بن محصن ومالك بن عمرو وصفوان بن عمرو وثقف بن عمرو وربيعة بن أكثم والزبير بن عبيدة وتمام بن عبيدة وسخبرة بن عبيدة ومحمد بن عبد الله بن جحش ومن نسائهم زينب بنت جحش وحمنة بنت جحش وأم حبيب بنت جحش وجدامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن وأم حبيب بنت ثمامة وآمنة بنت رقيش وسخبرة بنت تميم (17).
وجاء في كتاب الآحاد والمثاني لأبي بكر الشيباني ( ت 287 ) : عن بن عباس ان أبا أحمد عبد الله بن جحش وكان أول من هاجر وقد كان كف بصره فلما أجمع على الهجرة كرهت ذلك امرأته بنت حرب بن أمية فهاجر بأهله وماله مكتتما حتى قدم المدينة فوثب أبو سفيان بن حرب فباع داره بمكة (18).
ويقول ابن سعد في طبقاته : فلما خرج المسلمون في هجرتهم إلى المدينة كلبت قريش عليهم وحربوا واغتاظوا على من خرج من فتيانهم وكان نفر من الأنصار بايعوا رسول الله في العقبة الآخرة ثم رجعوا إلى المدينة فلما قدم أول من هاجر إلى قباء خرجوا إلى رسول الله بمكة حتى قدموا مع أصحابه في الهجرة فهم مهاجرون أنصاريون وهم ذكوان بن عبد قيس وعقبة بن وهب بن كلدة والعباس بن عبادة بن نضلة وزياد بن لبيد (19).
وجاء في سيرة ابن هشام أنه قال ابن إسحاق : ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة : عامر بن ربيعة ، حليف بني عدي بن كعب ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عدي بن كعب . ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن داودان بن أسد بن خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، احتمل بأهله وبأخيه عبد جحش ، وهو أبو أحمد - وكان أبو أحمد رجلاً ضرير البصر ،وكان يطوف مكة ، أعلاها وأسفلها ، بغير قائد ، وكان شاعراً ، وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب ، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم - فغلقت دار بني جحش هجرة ، فمر بها عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب ، وأبوجهل بن هشام بن المغيرة ، وهي دارأبان بن عثمان اليوم التي بالردم ، وهم مصعدون إلى أعلى مكة ، فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها يبابا ، ليس فيها ساكن ، فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ، ثم قال:
ووكل دار وإن طالت سلامتها يوما ستدركها النكباء والحوب
قال ابن إسحاق : ثم قال عتبة بن ربيعة : أصبحت دار بني جحش خلاءً من أهلها ، فقال أبو جهل : وما تبكي عليه من قل بن قل (20).
وجاء في عيون الأثر أنه قال ابن إسحاق : فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه و سلم في ليلة العقبة ، و كانت سراً عن كفار قومهم و كفار قريش ، أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه بالهجرة إلى المدينة . فخرجوا أرسالاً ، أولهم ـ فيما قيل ـ أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي .... وقد قيل : إن أول المهاجرين مصعب بن عمير . روينا عن أبي عروبة ، حدثنا ابن بشار و ابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البراء يقول : كان أول من قدم المدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم مصعب بن عمير ، ثم عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم .... ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بأهله و أخيه عبد بن جحش أبي أحمد ، و كان ضريراً .... قال أبو عمر : " وهاجر جميع بني جحش بنسائهم ، فعدا أبو سفيان على دراهم فتملكها .... وقال أبو عمر : ثم خرج عمر بن الخطاب ، وعياش بن أبي ربيعة ، في عشرين راكباً ، فقدموا المدينة ....
قال ابن إسحاق : ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه ، وأخوه زيد بن الخطاب ، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس بن أداة ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب ، وخنيس بن حذافة السهمي وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر بن الخطاب ، خلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ـ وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وواقد بن عبد الله التميمي حليف لهم ، وخولي بن أبي خولي ، ومالك بن أبي خولي ، واسم أبي خولي عمرو بن زهير ـ قيل : جعفي ، وقيل : عجلي وقيل غير ذلك ـ حليفان لهم ، و بنو البكير أربعتهم إياس و عاقل و عامر وخالد ، و حلفاؤهم من بني سعد بن ليث : على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر ، في بني عمرو بن عوف بقباء ، وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة .
ثم تتابع الهاجرون ، فنزل طلحة بن عبد الله و صهيب بن سنان على خبيب بن إساف ، ويقال : بل نزل طلحة على سعد بن زرارة أخي بني النجار ، كذا قال ابن سعد وإنما هو أسعد .
قال ابن هشام : " و قد ذكر لي عن أبي عثمان النهدي ، أنه قال : بلغني أن صهيباً حين أراد الهجرة قال له كفار قريش : أتينا صلعوكاً حقيراً ، فكثر مالك عندنا ، وبلغت الذي بلغت ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ؟ لا والله لا يكون ذلك . فقال لهم صهيب : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ؟ قالوا : نعم . فقال : فإني قد جعلت لكم مالي . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ربح صهيب ، ربح صهيب " .
قال ابن إسحاق : ونزل حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة ، وأبو مرثد كناز بن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف بن جلان بن غنم ابن غني بن يعصر الغنوي ، كذا ذكره أبو عمر عن ابن إسحاق. وأما ابن الرشاطي فقال : حصين بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشة بن عبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جيلان بن غنم بن غني . وابنه مرثد . وأنسة ، وأبو كبشة ، مولياً رسول الله صلى الله عليه وسلم : على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف بقباء ، ويقال : بل نزلوا على سعد بن خيثمة . ويقال : بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة .
ونزل عبيدة بن الحارث وأخواه الطفيل والحصين ومسطح بن أثاثة ـ واسمه عمرو ابن أثاثة ـ بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ، وسويبط بن سعد بن حريلمة ، وطليب بن عمير ، وخباب مولى عتبة بن غزوان : على عبد الله بن سلمة ، أخي بني العجلان بقباء .
ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع .
ونزل الزبير بن العوام وأبو سبرة بن أبي رهم على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة ابن الجلاح .
ونزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ .
ونزل أبو حذيفة بن عتبة ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعتبة بن غزوان ، على عباد ابن بشر بن وقش .
ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخي حسان .
ويقال : نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خثيمة ، وذلك أنه كان عزباً .
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ، ولم يتخلف معه أحد من المهاجرين ، إلا من حبس أو افتتن ، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الهجرة ، فيقول له : لا تعجل ، لعل الله أن يجعل لك صاحباً ، فيطمع أبو بكر أن يكون هو (21) .
يتبع ..
من هم السابقون من المهاجرين؟
من خلال ما ورد في كتب التأريخ والسيّر يتضح أن هناك اتفاق على أن حركة الهجرة بدأت فرادي وجماعات ، وأن السابقين من المهاجرين إلى المدينة قبل النبي (ص) وردوا على النحو الترتيب التالي :
أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم
مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف
عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر
عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة
عبدالله بن جحش بن رئاب
أبو أحمد عبد الرحمن بن جحش
عكاشة بن محصن
شجاع وعقبة ابنا وهب
أربد بن جميرة
منقذ بن نباتة
سعيد بن رقيش
محرز بن نضلة
زيد بن رقيش
قيس بن جابر
عمرو بن محصن
مالك بن عمرو
صفوان بن عمرو
ثقف بن عمرو
ربيعة بن أكثم
الزبير بن عبيدة
تمام بن عبيدة
سخبرة بن عبيدة
محمد بن عبد الله بن جحش
زينب بنت جحش
حمنة بنت جحش
أم حبيب بنت جحش
جدامة بنت جندل
أم قيس بنت محصن
أم حبيب بنت ثمامة
آمنة بنت رقيش
سخبرة بنت تميم
عمار بن ياسر
سعد بن أبي قاص
عبد الله بن مسعود
بلال
عمر بن الخطاب في عشرين راكبا هم من أهله و قومه ،
أخوه زيد بن الخطاب
وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس
وخنيس بن حذافة السهمي ـ و كان صهره على ابنته حفصة
وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
وواقد بن عبد الله التميمي حليف لهم
وخولي بن أبي خولي عمرو بن زهير
ومالك بن أبي خولي عمرو بن زهير
وبنو البكير أربعتهم إياس و عاقل و عامر وخالد ، وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث.
طلحة بن عبد الله
وصهيب بن سنان
وحمزة بن عبدالمطلب
عبيدة بن الحارث وأخواه الطفيل والحصين و مسطح بن أثاثة
وسويبط بن سعد بن حريلمة
وطليب بن عمير
وخباب مولى عتبة بن غزوان
وعبد الرحمن بن عوف
والزبير بن العوام
وأبو سبرة بن أبي رهم
وأبو حذيفة بن عتبة وسالم مولى أبي حذيفة
وعتبة بن غزوان
وعثمان بن عفان
فهؤلاء هم السابقون في الهجرة قبل هجرة النبي (ص) ،
ثم بعد ذلك هاجر رسول الله (ص) وأبو بكر.
من هم السابقون الأولون منهم ؟
إن السابقين الأولين هم الذين كانوا في مقدمة هؤلاء السابقون من المهاجرين ، فكما ذكر المؤرخون وأصحاب السير ، أنهم إضافة لمصعب بن عمير وعمرو بن أم مكتوم - كما ذكر ابن كثير وغيره – هم ابو سلمة وعامر بن ربيعة وبنو جحش ثم قدم المهاجرون بعدهم ارسالا كما ذكر ابن اسحق ، وعليه فالسابقون الأولون من المهاجرين هم :
أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم
مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف
عمرو بن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر
عامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي حثمة
عبدالله بن جحش بن رئاب
أبو أحمد عبد الرحمن بن جحش
عكاشة بن محصن
شجاع وعقبة ابنا وهب
أربد بن جميرة
منقذ بن نباتة
سعيد بن رقيش
محرز بن نضلة
زيد بن رقيش
قيس بن جابر
عمرو بن محصن
مالك بن عمرو
صفوان بن عمرو
ثقف بن عمرو
ربيعة بن أكثم
الزبير بن عبيدة
تمام بن عبيدة
سخبرة بن عبيدة
محمد بن عبد الله بن جحش
زينب بنت جحش
حمنة بنت جحش
أم حبيب بنت جحش
جدامة بنت جندل
أم قيس بنت محصن
أم حبيب بنت ثمامة
آمنة بنت رقيش
سخبرة بنت تميم
فهؤلاء المهاجرون هم السابقون الأولون غالبيتهم من بني جحش ، الذين تركوا ديارهم على الرغم أنهم فقراء لا يملكون شيء ، فتركوها وهاجروا ولذلك يمدحهم الله تعالى في مكان آخر بقوله تعالى في سورة الحشر
( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ).
ومن خلال ما سبق يتضح أن السابقين الأولين إلى الهجرة ليس بينهم من الصحابة المخضرمين سوى مصعب بن عمير في مقدمة السابقين وفي وسط القائمة جاء عمار بن ياسر وسعد بن أبي قاص وعبد الله بن مسعود وبلال ثم من بعدهم عمر بن الخطاب في عشرين رجلا من قومه ثم بعدهم باقي السابقين للهجرة قبل النبي (ص). ثم هاجر النبي (ص) وأبو بكر الصديق. إذن فعمار وسعد وبن مسعود وبلال وعمر بن الخطاب من السابقين في الهجرة لكنهم ليسوا من السابقين الأولين ، وحيث أن الآية الكريمة تشير إلى السابقين الأولين من المهاجرين وليس السابقين فقط لقوله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين ) ، فإن الصحابة المخضرمين عدا مصعب بن عمير ليسوا مشمولين ضمن هذه الفئة كسابقين أولين من المهاجرين ، وإنما يمكن أن يندرجوا تحت ( والذين اتبعوهم بإحسان ) بشرط ثبوت الإحسان وهو ما لا يمكن ثبوته لأنه في حكم الغيب. وعليه فإن الخلفاء الأربعة ليسوا معنيين في ( السابقون الأولون من المهاجرين ) ولا أحد من الصحابة القرشيين الآخرين الذين يتهمهم الشيعة بالارتداد منذ أن فارقهم النبي (ص).
إن عمر بن الخطاب نفسه كان يعتقد أنه من المعنيين بالسابقين الأولين من المهاجرين ، وظن أنه ممن ظفر بالجنة بموجب الآية ، إلا أنه حينما علم هذه الحقيقة بدا أنه حزن لأجل ذلك !
فقد جاء في تفسير ابن كثير (22) أن محمد بن كعب القرظي قال: مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الاية, "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار" فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا ؟ فقال: أبي بن كعب, فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه, فلما جاءه قال عمر أنت أقرأت هذا هذه الاية هكذا ؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا, فقال أبي تصديق هذه الاية في أول سورة الجمعة "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم" وفي سورة الحشر " والذين جاؤوا من بعدهم " الاية, وفي الأنفال " والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم " الاية.
لاحظ حرص عمر بن الخطاب على السؤال أن الآية هكذا مما يدل أنه كان يعرف الآية بغير هكذا ، ثم قوله كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا. وفي رواية أخرى يقول عمر : لقد كنت أظن أنا رفعنا رفعةً لا يبلغها أحد بعدنا!(23)
فقد اتضح أن عمر لم يكن يعرف أن الآية هكذا وكان يعتقد أنه ممن رفع رفعة لكنه أصبح ير غير ذلك . فربما غاب عنه أن في أول الآية ( السابقون الأولون ) فاعتقد أن الآية خاصة بالمهاجرين كلهم ، وعليه ظن عمر أن المهاجرين رفعوا رفعة لا يبلغها أحد غيرهم ، ولما سمع عمر من الرجل بغير ما يعرفه هو ، ذهب ليتأكد من أبي بن كعب ، ثم تأكد لعمر أن الآية هكذا ، فقال عمر ( كنت أرى ) أي كان يظن أنهم رفعوا رفعة. وهذا يؤكد على أنه اعترف بسوء فهمه للآية . والشعور بالحزن أمر لا يخفى بالطبع في هذه الحالة ، فحينما يعتقد المرء أن الجنة مضمونة له ثم لا يجد ذلك لا بد أن يحزن ، ولذلك حاول أبي بن كعب من رفع معنويات عمر بسرد بعض الآيات والتي تدخل في نطاق ( والذين اتبعوهم بإحسان ) !
وبالطبع هذا ما لا يمكن إثباته لعمر أو غيره لكونها في حكم الغيب.
فعمر علم أنه ليس من السابقين الأولين من المهاجرين ، ذلك الوصف الذي يقطع الشك باليقين ، فمن حقه أن يحزن على ذلك ، ومن حق المفسرين كابن كثير أن يحزن لحزن عمر ولكن ليس من حقه أن يتوعّد الشيعة بالويل لمجرد أنه يناقض نفسه !
إذ تارة يدعي أن عمر من ( السابقون الأولون ) وتارة يروي أن عمر فهم خطأ أنه من ( السابقون الأولون ) . فماذا عسانا أن نطلق على ابن كثير الذي يقول في ذيل تفسير الآية ( فياويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم, ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه, فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم ).
نسأل ابن كثير إذا كان عمر بن الخطاب الذي تروي ضمنا أنه فهم خطأ أنه من ( السابقون الأولون ) فكيف بأبي بكر الذي هاجر بعد عمر ؟!!
أليس كان الأفضل أن تثبت العرش أولا قبل النقش ؟
ثم حسبك أن الآية تقول ( والسابقون الأولون من المهاجرين ) وكلمة ( من ) للتبعيض كما لا يخفى ، أي ليس كل المهاجرين ، فكيف جعلت كل المهاجرين في ميزان واحد ؟!
البحث عن السابقين الأولين من الأنصار
يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان : وأما العقبة التي بويع فيها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فهي عقبة بين منى ومكة بينها وبين مكة نحو ميلين وعندها مسجد ومنها ترمى جمرة العقبة وكان من حديثها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بدء أمره يوافي الموسم بسوق عكاظ وذي المجاز ومجنة ويتتبع القبائل في رحالها يدعوهم إلى أن يمنعوه ليبلغ رسالات ربه فلا يجد أحدا ينصره حتى إذا كانت سنة إحدى عشرة من النبوة لقي ستة نفر من الأوس عند هذه العقبة فدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وعرض عليهم أن يمنعوه فقالوا هذا والله النبي الذي تعدنا به اليهود يجدونه مكتوبا في توراتهم فآمنوا به وصدقوه وهم أسعد بن زرارة وقطبة بن عامر بن حديدة ومعاذ بن عفراء وجابر بن عبد الله بن رئاب وعوف بن عفراء وعقبة بن عامر فانصرفوا إلى المدينة وذكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم ناس وفشا فيهم الإسلام ثم لما كانت سنة اثنتي عشرة من النبوة وافى الموسم منهم اثنا عشر رجلا هؤلاء الستة وستة أخر أبو الهيثم بن التيهان وعبادة بن الصامت وعويم بن أبي ساعدة ورافع بن مالك وذكوان بن عبد القيس وأبو عبد الرحمن بن ثعلبة فآمنوا وأسلموا فلما كانت سنة ثلاث عشرة من النبوة أتى منهم سبعون رجلا وامرأتان أم عامر وأم منيع ورئيسهم البراء بن معرور (24).
ومن خلال ما تقدم ذكره من كتب التأريخ والسيّر كالبدء والتاريخ للمقدسي وتأريخ الطبري وطبقات ابن سعد وعيون الأثر، يتضح أن هناك بيعة وقعت عند العقبة في العام الحادي عشر من البعثة النبوية أي قبل الهجرة بسنتين، فقد بايع مجموعة من أهل المدينة رسول الله (ص) وهم :
أسعد بن زرارة
قطبة بن عامر بن حديدة
معاذ بن عفرآء
جابر بن عبد الله بن رئاب
عوف بن عفرآء
عقبة بن عامر
دعاهم رسول الله إلى الإسلام وعرض عليهم أن يمنعوه فعرفوه وقالوا هذا النبي الذي يوعدنا يهودنا به ، فأمنوا به وصدقوه وبايعوه فانصرفوا إلى المدينة وذكروا أمر رسول الله (ص) فأجابهم ناس وفشا فيهم الإسلام وكان ذلك في العام الحادي عشر من البعثة النبوية.
في العام الثاني عشر من النبوة أي قبل الهجرة النبوية بعام واحد ، وافى الموسم من أهل المدينة اثنا عشر رجلا ، وهم أولئك الستة الذين بايعوا النبي (ص) في العام الماضي ومعهم ستة آخرين هم :
أبو الهيثم بن التيهان
عبادة ابن الصامت
عويم بن ساعدة
رافع بن مالك
ذكوان ابن عبد القيس
أبو عبد الرحمان بن ثعلبة
فآمنوا وأسلموا وواعدوا رسول الله (ص) ببدء الهجرة في السنة القادمة أي في العام الثالث عشر من النبوة ، وسألوا النبي (ص) أن يبعث معهم من يصلي بهم ويعلمهم القرآن ، فبعث النبي (ص) معهم مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف ( أول المهاجرين ) والذي أسلم على يديه فيما بعد بعض كبار أهل المدينة منهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيد الأوس والخزرج.
وفي العام الثالث عشر من النبوة وقبيل بدء الهجرة حدثت بيعة أخرى حيث قدم من أهل المدينة سبعون رجلا وامرأتان هما أم عامر ( نسيبة بنت كعب ) وأم منيع ( أسماء بنت عمرو بن عدي ).
فجاءهم رسول الله (ص) عند العقبة وبايعوه على المنع والنصرة وكان معهم
أسيد بن حضير سيد الأوس والخزرج
فهؤلاء الاثنا وسبعون نفر جميعا هم السابقون من الأنصار الذين بايعوا ونصروا رسول الله (ص) ، وأما السابقون الأولون منهم فكان أولئك الستة نفر الذين جاءوا أولا في العام الحادي عشر من البعثة وبايعوا البيعة الأولى في العقبة ومهدوا الطريق أما إسلام البقية الذين جاءوا لبيعة العقبة الثانية لينصروا النبي (ص).
وأما من بايع ونصر النبي (ص) بعد أولئك الستة نفر فقد يندرجوا تحت ( والذين اتبعوهم بإحسان ). لقوله تعالى قال تعالى في سورة التوبة ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) هذا هو الوعد الذي وعده الله تعالى لهؤلاء ( السابقون ) من الأنصار نظير قولهم للنبي (ص) كما جاء في تفسير ابن كثير (25) عن محمد بن كعب القرظي وغيره قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ليلة العقبة: اشترط لربك ولنفسك ما شئت, فقال "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً. وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم" قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال "الجنة" قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل, فنزلت "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم" الاية.
وفي تفسير البغوي (26) تفصيل أكثر حيث قال كعب بن مالك - وكان قد شهد ذلك - فلما فرغنا من الحج ، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم …. فبتنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى اذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل مستخفين تسلل القطا ، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن سبعون رجلاً ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارة احدى نساء بني النجار، وإسماء بنت عمرو بن عدي أم منيع احدى نساء بني سلمة ، فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب ، وهو يومئذ على دين قومه الا انه احب ان يحضر امر ابن أخيه ، ويتوثق له ، فما جلسنا كان أول من تكلم العباس بن عبد الملطب ، فقال : يامعشر الخزرج - وكانت العرب يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها وأوسها - إن محمداً صلى الله عليه وسلم منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا وهو في عز من قومه ومنعه في بلدة ، وأنه قد أبى الا الانقطاع اليكم واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك وان كنتم ترون انكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج اليكم فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة .
قال : فقلنا قد سمعنا ما قلت : فتكلم يارسول الله وخذ لنفسك ولربك ماشئت.
قال : فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا الى الله تعالى ورغب في الاسلام ، ثم قال أبايعكم على ان تمنعوني ممما تمنعون منه (انفسكم ونساءكم) وأبناءكم ….
قال عاصم بن عمرو بن قتادة : ان القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضله النصاري: يامعشر الخزرج هل تدرون علاماً تبايعون هذا الرجل؟ انكم تبايعونه على حرب الحمر والأسود ، فإن كنتم ترون أنكم اذا نهكت اموالكم مصيبة واشرافكم قتلى اسلمتموه ، فمن الآن ، فهو والله ان فعلتم خزي في الدنيا والآخرة ، وان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه على تهلكة الاموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدينا والآخرة.
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف ، فما لنا بذلك يارسول الله إن نحن وفينا ؟ قال: الجنة قال: ابسط يدك فبسط يده فبايعوه.
وبذلك أنزل الله تعالى
( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ).
فهؤلاء الاثنا وسبعون نفر من السابقين الذين نصروا النبي (ص) من أهل المدينة ( الأنصار )، إلا أنهم جميعا ليسوا من السابقين الأولين وإن كانوا جميعا يشكلون مجموعة واحدة قدموا إلى العقبة للبيعة الثانية. فمنهم السابقون الأولون ومنهم الذين اتبعوا السابقين الأولين بإحسان.
إذن فـ ( السابقون الأولون من الأنصار ) الذين مهدوا لهذه النصرة كانوا ستة نفر هم :
أسعد بن زرارة
قطبة بن عامر بن حديدة
معاذ بن عفرآء
جابر بن عبد الله بن رئاب
عوف بن عفرآء
عقبة بن عامر.
الخلاصة
لقد مدح الله عز وجل قوم من المهاجرين وقوم من الأنصار فأنزل فيهم قرآنا تعظيما لهم ، فقال تعالى عن المهاجرين
( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (27).
وقال تعالى عن قوم من الأنصار