أمام أحد القضاة وقف لصان، الأول متابع بسرقة مليار، فيما الثاني متابع بسرقة «بالا» من التبن.
وعند النطق بالأحكام، صدر حكم بالبراءة في حق سارق المليار، فيما سارق التبن أخذ ستة أشهر حبسا نافذا.
فاندهش اللص سارق التبن وقال للقاضي مستنكرا:
- «أسيد القاضي، هادي عندك معيقة بزاف، واش اللي سرق مليار تعطيه براءة واللي سرق بالا ديال التبن تحكم عليه بالحبس»...
فأجابه القاضي بهدوء:
- «وعلاه طاصيلتك عطاوك خباري أنا كناكل التبن»...
هذه الحكاية، على الرغم من بساطتها، تكشف عن الوجه الحقيقي والمخجل للقضاء في المغرب.
فالأثرياء وذوو النفوذ لا تسري عليهم القوانين لأنهم يستطيعون «تعليف» بعض
القضاة الفاسدين، بينما البسطاء الذين ليس لديهم ما يدفعونه لبعض القضاة
تطبق عليهم المساطر بحذافيرها.
لقد كتبنا قبل أسبوع عن توقيف واعتقال حفيد الشيخ حمزة بالدار البيضاء، بعد
صدور مذكرة بحث واعتقال في حقه بسبب إصداره شيكاتٍ بدون رصيد وصلت قيمتها
إلى 20 مليونا. ورغم قيام النيابة العامة بواجبها في تعقب وتوقيف واعتقال
المبحوث عنه على ذمة التحقيق، فإن تعليمات صدرت من الرباط بإطلاق سراحه في
اليوم الموالي.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن القانون لا يطبق على حفيد الشيخ حمزة، مثلما لا
يطبق على ابن الكولونيل العراقي الذي نصب على بنكين من أكبر البنوك
المغربية بوثائق مزورة تحمل أختام مؤسسة الجيش.
ورغم تخلي البنكين عن شكايتيهما بعد توصلهما بأموالهما عن طريق التراضي،
فإن مؤسسة الجيش لم تر ضرورة لتنصيب نفسها كطرف في هذا الملف لكي تفكك خيوط
هذه العصابة التي تنصب على المؤسسات المالية باسم وثائق وأختام الجيش.
وهكذا، فرغم خطورة الجرائم التي اقترفها حفيد الشيخ حمزة وابن الكولونيل
العراقي، فإن هذين الابنين المدللين يتمتعان بحريتهما الكاملة في التنقل
والسفر. هذا في الوقت الذي يتم فيه اعتقال مبحوث عنهم بسبب التأخر في دفع
النفقة أو بسبب شيك بدون رصيد لا يتعدى ألف درهم، ويتم رميهم في السجون،
ومنهم من يفقد وظيفته ومستقبله المهني ويتحول إلى زائر منتظم للسجون.
في التحقيق الذي نشرناه في عدد الأمس حول ابن الكولونيل المتخصص في سرقة
السيارات الفارهة، لا بد أن القارئ سيلاحظ العدد الكبير للسرقات التي
ارتكبها هذا الابن المدلل والتي وصلت إلى 13 سرقة. المشكل أن هذه السرقات
لم يحاكم بسببها ابن الكولونيل بدعوى أنه قضى حكما بالسجن لسنتين ونصف في
ملف سابق كان متهما فيه بسرقة سبع سيارات، فقد ارتأت المحكمة الموقرة أن
تعفي المتهم من المتابعة بسبب سرقة 13 سيارة بدعوى أن المحكمة سبق لها أن
حكمت عليه بالسجن بسبب سرقته لسبع سيارات. والتبرير القانوني الذي ساقه
سعادة القاضي هو أن المتهم لا يمكن أن تحكم عليه مرتين في الملف نفسه. أما
التبرير الذي أعطاه المتهم أمام المحكمة لتبرير سرقاته المتكررة للسيارات
الفارهة فهو أنه تعود على حياة البذخ ولا يمكنه أن يعيش حياة البؤس، ولذلك
قرر سرقة السيارات الباذخة وبيعها لتغطية نفقاته.
عندما نرى كيف حكمت المحكمة قبل أسبوع على مواطن سرق سيارة ابن وزير
الداخلية السابق، شكيب بنموسى، بعشر سنوات سجنا، ونقارنها بسنتين ونصف حبسا
التي حكم بها القاضي في حق ابن الكولونيل الذي سرق سبع سيارات، فيما أعفاه
من المتابعة على سرقته لثلاث عشرة سيارة، نصل إلى خلاصة واحدة وهي أن
القانون لا يطبق بنفس الصرامة على الجميع.
المصيبة في هذه البلاد ليست هي أن القانون لا يطبق على الجميع بنفس الصرامة
فقط، وإنما هناك من ينصب نفسه مدافعا عن المتورطين في اختلاس وتبديد المال
العام.
والمصيبة تصبح كارثة وطنية عندما تتجنب هذه الجهات الدفاع عن إعمال القانون
وفتح التحقيقات القضائية النزيهة والمستقلة مع هؤلاء المشتبه فيهم، وتتولى
الدفاع عن حمايتهم بدعوى عدم المساس بحياتهم الشخصية.
إن ما يحدث اليوم في تطوان بخصوص قضية مديرة دار الثقافة والمندوب الجهوي
لوزارة الثقافة يكشف اللثام ليس فقط عن وجهي هذين الموظفين العموميين،
وإنما يميط اللثام أيضا عن بعض ممثلي الجمعيات الحقوقية وبعض الانتهازيين
والوصوليين الذين يقتاتون من أيدي هؤلاء المسؤولين العموميين على شكل منح
وتراخيص باستعمال القاعات العمومية التي من حق الجميع استعمالها.
وعندما نقرأ البيان الذي أصدره فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتطوان
حول ما أسماه «الحملة المغرضة التي تتعرض لها المواطنة سميرة القادري»،
بصفتها مديرة دار الثقافة وفنانة، والتي أخذت شكل التشهير السافر بشخصها
عبر نشر صور تمسها في «حميميتها وخصوصيتها»، لا يسعنا سوى أن نضم صوتنا
المندد بهذه الحملة التشهيرية بالحياة الخاصة للفنانة، مطالبين في الوقت
نفسه القضاء بمتابعة كل من ثبت تورطه في نشر تلك الصور أو تعميمها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى نتساءل عن صمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
المطبق عن الجانب العمومي في قضية سميرة قدري، والمتعلق بالتهم الخطيرة
التي تحوم حولها، خصوصا استغلالها للنفوذ وجريمة المعرفة المسبقة،
واعترافها الصريح في آخر حوار لها بامتلاكها لحساب بنكي في الخارج، بدون
علم مكتب الصرف.
إن الجمعية التي تدافع صباح مساء عن براءة شكيب الخياري، والذي حكم بالسجن
لمجرد حصوله على 200 أورو في حسابه البنكي الذي فتحه في أحد بنوك إسبانيا
بدون علم مكتب الصرف، عليها أن تطالب القضاء المغربي بأن يطبق القانون نفسه
مع مديرة دار الثقافة بتطوان، خصوصا وأنها اعترفت بامتلاكها لحساب بنكي في
الخارج تضخ فيه العملة الصعبة التي تحصل عليها من المهرجانات التي تشارك
فيها طيلة السنة.
إن هذا الاعتراف يسائل وزارة الثقافة التي تشتغل معها المديرة، ويسائل
وزارة المالية عبر مكتب الصرف وإدارة الجمارك. وعوض أن يجيبنا وزير الثقافة
عن كل المخالفات التي أحصيناها ضد مديرة دار الثقافة ومندوبه الجهوي بجهة
تطوان طنجة، فضل سعادة الوزير أن يبعث إلينا ببيان حقيقة، معزز بصورة، يؤكد
فيه مشاركة الوزارة في معرض للكتاب بالبحرين.
وفي الوقت الذي يجند فيه الوزير ملحقه الإعلامي لتكذيب ما نشرناه بخصوص
المعرض، نراه يلتزم الصمت المطبق بخصوص مسؤوليته كوزير وصي في فتح تحقيق
حول ما نشرناه بخصوص الأموال التي تأخذها المديرة والمندوب من الوزارة لكي
يتم ضخها فيما بعد في مالية الجمعيات التي يسيرانها. كما رأيناه يلتزم
الصمت بخصوص مشروع بناء مسرح الفنيدق الذي تم تفويته إلى المهندس المعماري
الذي ليس شخصا آخر غير زوج المديرة التي كانت أحد أعضاء لجنة اختيار
المشاريع.
وعوض أن يقدم وزير الثقافة إلى الصحافة والرأي العام رده على كل هذه
«القيامة» التي تسببت في إشعالها مديرته ومندوبه الجهوي، فضل أن يستدعي
الصحافة لكي يقدم أمامها كتابه الجديد المترجم إلى الفرنسية والذي يحمل
عنوان «أن تكون حيا».
«أن تكون حيا» يا سعادة الوزير هو أن تجيب أمام الرأي العام عن الأسئلة
الخطيرة التي تطرحها قضية مديرتك ومندوبك بتطوان. «أن تكون حيا» هو أن
تطالب القضاء بفتح تحقيق نزيه ومستقل لمعرفة حدود استغلال الموظفين
لنفوذيهما من أجل الاستفادة من أموال دافعي الضرائب.
لكن يبدو أن سعادة الوزير الغارق في البحث عن الجوائز الأدبية وتنظيم
الأسفار والرحلات الجوية نحو الأقطار البعيدة رفقة موظفات ديوانه، لا وقت
لديه لكي يجيب عن الأسئلة الحقيقية ذات العلاقة بالتدبير الإداري والمالي
الجيد للمال العمومي. فالوزير ينطبق عليه قول الشاعر:
«لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي».
ويمكن أن نفهم إصرار الوزير على تغطية عينيه عن قراءة كل ما ينشر حول
موظفين من كبار موظفي وزارته. فالوزير المحترم «مامساليش» لكي يشرح لدافعي
الضرائب أين تذهب أموالهم.
لكن المدهش في الأمر هو أن تغفل بعض مؤسسات المجتمع المدني الدفاع عن المال العام بحجة حماية الحياة الخاصة للمسؤولين العموميين.
متى أصبح الدفاع عن الحياة الخاصة للمسؤولين مبررا للتغاضي عن مطلب دعوة
القضاء إلى فتح تحقيق نزيه ومستقل للحسم في التهم التي تحوم حول مالية
المؤسسات التي يسيرونها.
المنطق يفرض أن تدافع هذه الجمعيات عن حماية الحياة الخاصة لجميع
المواطنين، لكن هذا الدفاع لا يجب أن ينسيها مهمتها الرئيسية وهي الدفاع عن
حماية المال العام.
ولعل أتفه المبررات وأكثرها سخافة، والتي ساقها أحدهم في افتتاحيته، هو أن
قضية «الفنانة سميرة القادري» تناولها التلفزيون الجزائري، وأنهم
سيستغلونها للإساءة إلى المغرب ونسائه.
يعني أن الإعلام المغربي يجب أن يمتنع عن تعرية فضائح المسؤولين العموميين
مخافة أن يستغلها الإعلام الجزائري والإسباني. هكذا يتفرغ إعلامنا لنشر
الأخبار السعيدة للمملكة ويترك المسؤولين العموميين ينهبون المال العام كما
يحلو لهم.
هذه وظيفة جديدة للإعلام المغربي لم تكن على البال.