كابوس التحرش الجنسي والسرقة يلاحق الأستاذات بالمناطق النائية"المناخ البارد والمتقلب في أغلب أوقات السنة الدراسية، وتحول جل
الأقسام إلى برك مائية في موسم الأمطار وانعدام الكهرباء والمياه الصالحة
للشرب في مجموعة من المؤسسات التعليمية وشح كبير في وسائل التنقل أمام
وعورة المسالك الطرقية،
بالإضافة إلى انعدام تغطية الهاتف والإذاعات..." هكذا يلخص إبراهيم إدحموش،
أستاذ بمجموعة مدارس الطاهر الإفراني بجماعة إبضر، الظروف الصعبة التي
يشتغل فيها الأساتذة في الوسط القروي لإقليم تيزنيت.
وتكاد تكون الصور
متشابهة إلى حد كبير في جل المناطق البعيدة بكل من إقليمي تيزنيت وسيدي
إفني، مما يجعل فرص إنجاح المخطط الاستعجالي بهذه الربوع قليلة جدا.
وحسب
مصادر متعددة، تتميز ظروف العمل التربوي والتعليمي في التعليم الابتدائي
بجماعات منطقة مجاط التابعة لقيادة تغيرت دائرة الأخصاص (إبضر، أنفك،
بطروش، تغيرت، سبت النابور) وبدائرة أنزي بجماعة أيت احمد بعدة صعوبات
مرتبطة بالمناخ البارد وبنقص البنيات التحتية وبالبعد عن المركز الحضري
لإقليم تيزنيت (أبعد نقطة توجد على حوالي 100 كيلومتر عن تيزنيت، وعلى
ارتفاع يقدر بـ 1500 متر عن مستوى سطح البحر)، بالإضافة إلى صعوبة ولوج
المسالك الطرقية في بعض المناطق، كما تحدث من حين لآخر توترات بين المدرسة
ومحيطها.
وأضافت المصادر ذاتها أن أغلب الأساتذة والأستاذات يضطرون إلى
الاستقرار بأماكن عملهم طيلة الأسبوع نظرا للبعد عن المدينة، كما أن غياب
منازل للإيجار بمناطق عملهم يضطرهم إلى قضاء عشرات السنوات بتلك المساكن
البئيسة بمدارسهم في ظل آمال ضئيلة بالانتقال، بسبب جمود وضعف نتائج
الحركات الانتقالية مما يجعل العديد منهم يعيش حالة نفسية صعبة، الشيء الذي
يؤثر سلبا على استقرارهم الاجتماعي وعلى مردوديتهم. وأضاف إدحموش قائلا
"إن العديد من المؤسسات التعليمية بالوسط القروي جدران قائمة بدون ربط
بالشبكة الكهربائية رغم وجود الكهرباء بهذه المناطق لسنوات عديدة وبدون
شبكة للماء الصالح للشرب، باستثناء الضفيرة التي يتكلف الأستاذ بملئها من
جيبه، مما يجعله يعيش بما يتكرم به عليه السكان كل يوم من قنينات الماء
(نموذج فرعية إد الحسن بم.م الطاهر الإفراني بإبضر بإقليم سيدي إفني)".
وفي
إقليم سيدي إفني، لا يختلف واقع التعليم تماما عن الوضع الصعب في قرى جهة
سوس ماسة درعة، فالإقليم يتوفر على تسعة مدارس مستقلة للتعليم الإبتدائي،
وأزيد من 70 سبعين مجموعة مدرسية كلها تقريبا يتم بها التدريس عن طريق
القسم المشترك، وفي بعض الحالات الشاذة نجد المستويات الستة في قسم واحد،
مما يضرب عرض الحائط شعار جودة التعليم. وبمجموعة مدارس الرازي بجماعة أيت
الرخا، يصف أحد الآباء (ب. علي) واقع التعليم بالمنطقة قائلا "ولادنا
تيقراو فكوري ماشي فأقسام... نهار كطيح شتا تيقراو تحت القطرة". وفي اتصال
"الصباح" بالأستاذ رشيد هرباز، الكاتب الإقليمي لنقابة الجامعة الوطنية
لموظفي التعليم بإقليم سيدي إفني، يرى أن الحل للخروج من المشاكل التي
تتخبط فيها العملية التربوية/التعليمية بالوسط القروي يكمن في "بناء وإنشاء
المدرسة الجماعية أو ما يسمى بمركبات القرى التعليمية، أي بناء قرى تربوية
تعليمية في أمكنة مناسبة تخضع لمقاييس جد دقيقة، تعتمد أساسا على الكثافة
السكانية وشبكة المواصلات وسهولة تحركها، حيث تستفيد منه جماعة أو جماعتان
أو مجموعة من الجماعات القروية، حسب عدد السكان وقوة الإنجاب بها، وهي
عبارة عن مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية وتكوين مهني بكل مرافقها
الضرورية وسكنى المدرسين والإداريين ودار الطالب والطالبة". وأضاف هرباز أن
هذا الإجراء سيمكن من القضاء على ظاهرة الأقسام المشتركة أو الأقسام
متعددة المستويات التي يطلق عليها في المنطقة السلسلة " عندما يسند إلى
المدرس أو المدرسة أربع أو ست مستويات لتدريسها بالعربية أو الفرنسية، وفي
الغالب هما معا مرة واحدة، بالإضافة إلى إعادة الثقة إلى دور المدرسة ودور
التعليم بالوسط القروي، وتحقق الجودة والمردودية المطلوبتين. أما من حيث
الموارد البشرية، يمكن توفير المدرسين والإداريين، إذا ما عملوا بالمركبات
السالفة الذكر، وكذا توفير الشروط الذاتية والموضوعية، من حيث الاستقرار
والرضا النفسي للقيام بواجبهم خير قيام، وهذا أمر يوفر للدولة الكثير، ويحد
من الاختلالات المادية والبشرية والتعليمية التي ترهق كاهل الدولة وكاهل
السكان القرويين وأبنائهم وبناتهم، وتذمر معنويات رجال ونساء التعليم
العاملين بالوسط القروي الذين يعانون من قسوة ظروف العمل.
من جانب آخر،
أدى عدم اندماج المدرسة والمدرسين في النسيج الاجتماعي للقرى في عدة مناطق
إلى حدوث توترات من حين لآخر بين الطاقم التربوي وأبناء القرى، أدت في كثير
من الأحيان إلى تعرض مساكن المعلمين والمعلمات للاعتداء والسرقة والتخريب،
خاصة في أيام العطل المدرسية. وفي أحيان كثير تعرضت الأستاذات للتحرشات
الجنسية من قبل رجال وشباب الدواوير، مما خلق نوعا من اللاستقرار النفسي
لدى المدرسات. كما أن الغالبية العظمى للمدارس بدون سور يحميها، إذ أصبحت
مستباحة من قبل الحيوانات والأغيار. وأمام هذه الظروف، يبقى التلميذ في
الوسط القروي ضحية الأوضاع اللاتربوية التي يتحمل فيها الجميع المسؤولية،
في انتظار أن تفرج الوزارة الوصية عن تعويضات العمل بالوسط القروي، رغم
الضبابية التي تلف معايير منحها وتصنيف الوسط القروي والحضري.
إبراهيم أكنفار (تيزنيت)