بدايات التشريع الإعلامي في الجزائر : إن الحديث عن حرية التعبير وحرية الصحافة يتطلب من الباحث، بادئ ذي
بدء، أن يستعرض الإطار القانوني والتنظيمي للمؤسسات الإعلامية والممارسة
الصحفية. ويعيد قراءة النصوص المؤسسة لذلك، فالجزائر التي ابتليت
بالاستعمار الفرنسي ظلت ترزح تحت قوانينه وتنظيماته حتى بعد استرجاع
السيادة الوطنية في 5 جويلية سنة 1962 حيث صدر قانون ينص على بقاء سريان
القوانين الفرنسية إلى أن يصدر ما يعوض ذلك، وظل هذا القانون ساري المفعول
إلى سنة 1975.
وفي ظل ذلك القانون بقيت الصحافة في الجزائر ترزح تحت نير تشريعات غير
وطنية، وخاضعة لقوانين الصحافة الفرنسية، وخاصة منها قانون 29 يوليو 1881.
بيد أن الممارسة الصحفية لا تخضع لذلك، بل وتختلف عنه تماما ، إذ أن
المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني قد تكفل بمهمة الإعلام وأصدر عددا
من التعليمات ، كما أسس عدة صحف ومجلات من ضمنها جريدة ” الشعب” يوم 11
ديسمبر 1962.
قانون الصحافي 1968: لقد عرفت الجزائر بعد 19 جوان 1965 فراغا قانونيا ظل يملأه مجلس
الثورة بالتعليمات والأوامر لكن في هذه الفترة بدأت مرحلة بناء المؤسسات :
(المجلس البلدي، المجلس الولائي، و فيما بعد الميثاق الوطني، المجلس
الشعبي الوطني). في هذا الظرف ظهر قانون الصحافي الذي أشتمل سبع فصول:
تعريف الصحافي المحترف، واجباته، إجراءات التوظيف، الراتب والمكافأة،
الترقية والترخيص، أخلاقيات المهنة، والبطاقة المهنية.
يعتبر هذا القانون من وجهة نظر الصحافيين وكذلك الأكاديميين ناقصا في
عدة جوانب، فقد أولى الواجبات و العقوبات أهمية قصوى، بينما تغاضى عن
الحقوق وحرية الصحافة، كما ظل محدودا في حركته عبر ثلاث هيئات رسمية، هي :
الحزب والحكومة والنقابة.
ومن خلال هذا التنظيم كان يتم التحكم في مدخلات ومخرجات المؤسسات
الإعلامية، وكانت هذه الهيئات الرسمية مسئولة بشكل تام ومباشر على تعيين
كبار المسؤولين ومديري الأجهزة الإعلامية المختلفة.
قانون الإعلام لسنة 1982:
جاء هذا القانون بعد الفراغ الكبير الذي شهده الفضاء الإعلامي الجزائري
وبعد التطورات العديدة التي طرأت على المجتمع منذ استقلاله سنة 1962، كما
جاء هذا القانون ليعكس الفضاء السياسي الذي تعيش فيه المؤسسات الإعلامية
الجزائرية أي الحزب الواحد والنظام الاشتراكي الذي كانت تطبقه الجزائر.
فنلاحظ التركيز على واجبات الصحافي في إطار الثورة الاشتراكية، احتكار
الدولة لوسائل الإعلام عبر وزارة الإعلام والحزب، واعتبار قطاع الإعلام
من قطاعات السيادة الوطنية. كما أعتبر القانون ” الإعلام هو التعبير عن
إرادة الثورة… يترجم مطالب الجماهير الشعبية ويعمل على تجنيد وتنظيم كل
القوى لتحقيق الأهداف الوطنية”.
وقد اعتبر الصحافيون، قانون 1982، قانون عقوبات ولا توجد فيه سوى مادة
واحدة ، المادة 45 التي تشير إلى حرية الصحافي في الوصول إلى مصادر
المعلومات، رغم أن هذه المادة لم تعن الكثير في أرض الواقع.
كما كرّس من جهة أخرى قانون الإعلام لسنة 1982 هيمنة وسيطرة الدولة –
وزارة الإعلام وحزب جبهة التحرير الوطني والمنظمات الجماهيرية التابعة له-
على وسائل الإعلام وعلى الإعلان (المواد من 24 إلى 32).نلاحظ أن القانون
خصّص 43 مادة للإجراءات العقابية ضد الصحافيين ولهذا سمي من قبل ممارسي
المهنة بقانون العقوبات. وما نلاحظه هنا مع الأسف الشديد أن جرائم النشر
يطبق عليها قانون العقوبات، وليس قانون الإعلام رغم خصوصية العمل الإعلامي
وخصوصية جرائم النشر واختلافها جذريا عن باقي الجرائم التي ترتكب في
المجتمع.
اشتمل القانون على سبع محاور رئيسية:
ملكية وإصدار الصحف،
حق ممارسة مهنة الصحافة،
مبادئ و أهداف الرسالة الإعلامية،
حق المواطن في الإعلام،
حق النقد،
الرقابة والتوجيه،
الواجبات والعقوبات
وأفتقر هذا القانون إلى مواد تصون حقوق الصحافي أثناء البحث عن الحقيقة وتحميه من الأخطار والمشاكل التي قد يتعرض لها أثناء عمله.
قانون الإعلام لسنة 1990:أدت التعددية السياسية التي شهدتها الجزائر في سنة 1989 إلى إفراز
تعددية إعلامية لا محالة و هذا ما تجسد في قانون جديد للإعلام أقر التعددية
بالنسبة للصحافة المطبوعة وأبقى القطاع السمعي البصري في يد الدولة.
وجاء منشور رقم 4 بتاريخ 19/3/1990 ليترك الأمر أمام الصحافيين
العاملين في المؤسسات الإعلامية العمومية للاختيار بين البقاء في القطاع
العمومي أو إنشاء مؤسسات صحفية مستقلة على شكل شركات مساهمة، أو الالتحاق
بصحف الجمعيات ذات الطابع السياسي ( الأحزاب السياسية) .
وقد أعطيت في هذا الإطار تسهيلات مالية مختلفة، حيث منحت مقدما رواتب
ثلاث سنوات للصحافيين الذين قرروا ترك القطاع العام وإصدار جرائد خاصة، كما
قدمت مقرات وتسهيلات للحصول على قروض.
وهكذا ظهرت أول يومية مستقلة باللغة الفرنسية في سبتمبر 1990 تحت عنوان Le Soir d’Algérie
أما أول يومية مستقلة باللغة العربية فهي جريدة الخبر واسعة الانتشار
اليوم بتوزيع يفوق ال500 ألف نسخة يوميا، وقد صدرت هذه الجريدة في شهر
نوفمبر من سنة 1990.
تجدر الإشارة هنا أن اللجنة التي سهرت على وضع قانون الإعلام لسنة 1990
كانت تتكون من نواب المجلس الشعبي الوطني في عهد الحزب الواحد، و لم يشارك
أي حزب في وضع هذا القانون، ومن المعروف أنه تم في سنة 1989 وحدها
الاعتراف ب 18 حزبا وفي سنة 1990 تم اعتماد 30 حزبا.
ونظرا لما يشوب هذا القانون من لبس وغموض فقد تم انتقاده ورفضه من غالبية الصحافيين جملة وتفصيلا.
ومع ذلك فإننا نرى في هذا القانون عدة مكاسب وإيجابيات من إيجابيات نذكر
منها السماح بالملكية الخاصة للصحف والجرائد والمطبوعات وإنشاء المجلس
الأعلى للإعلام.
ومن جهة أخرى نلاحظ مقاربة جديدة لمفهوم الصحافي ومفهوم الحق في
الإعلام، وحق المواطن في إعلام كامل وموضوعي، لكن رغم هذا نلاحظ تشبث
السلطة بمفهومها الخاص للإعلام والحق في الإعلام – أي السيطرة والتدخل بطرق
عديدة ومختلفة في مخرجات المؤسسات الإعلامية واعتبارها امتدادا لها.
أما بالنسبة للمواد التي خصصت للعقوبات فإنها جاءت قاسية على الصحافي خاصة منها التي تتعلق بالسجن مثل:
المادة 77 التي تنص على سجن الصحافي من ستة شهور إلى ثلاث سنوات للاعتداء على الديانات،
والمادة: 81 التي تقرر عقوبة تتراوح من سنة إلى خمس سنوات للمدير الذي يتلقى أموالا من الخارج.
والمادة 82 التي تعاقب من شهر إلى سنتين كل من يبيع الجرائد الأجنبية الممنوعة،
والمادة 86 التي تتحدد عقوبتها من 5 إلى 10 سجنا سنوات لنشر معلومات تمس أمن الدولة والوحدة الوطنية.
وعلى العموم فهي مواد لم تطبق في الواقع ألا ما ندر.
المجلس الأعلى لأخلاقيات الصحافة:في الحادي عشر من مايو 2000 تّم انتخاب المجلس الأعلى لأخلاقيات الصحافة
والذي يتكون من تسعة صحافيين تم انتخابهم من قبل زملائهم الصحافيين.
وهذا المجلس هو هيئة مستقلة تنظيميا ويعمل من أجل غرس القيم النبيلة
للعمل الصحافي، وصون مهنة الإعلام من الاستغلال والتلاعب بالمهنة ومقوماتها
.
يعتبر هذا المجلس إضافة للنضال من أجل حرية الصحافة وحمايتها من المتطفلين
والانتهازيين. ومن أهم المواد التي جاءت في ميثاق الشرف للصحافيين
الجزائريين ما يلي:
ـ احترام الحقيقة مهما كانت عواقبها على الصحافي لأن الجمهور له الحق في معرفتها.
ـ الدفاع عن حرية الصحافة و الرأي و التعليق و النقد.
ـ الفصل بين الخبر والتعليق.
ـ الحفاظ على الأسرار المهنية وعدم الإفصاح عن مصادر الأخبار
ـ يعاقب القانون جريمة القذف والإهانة والتشهير والشتم والتجريح في جميع
الأنظمة التشريعية في دول العالم، كما أن حق الإنسان في المحافظة على
خصوصيته وكرامته وشرفه وعرضه حق مضمون في جميع الدول والمجتمعات، هذا لا
يعني أن الصحافي بإمكانه أن يتعدى ويتجاوز أخلاقيات المهنة وأن يخرج عن
حدود الممارسة الإعلامية المسئولة والنزيهة، فالحرية بدون مسؤولية تعني
الفوضى وتعني المساس والاعتداء على حرية الآخرين وهذا ما لا يقبل به أي
صحافي مسؤول وملتزم وكذلك لا يقبل به أي فرد في المجتمع غّيور على كرامته و
شرفه.
تحياتي لكمشمس المنتدى