أ هيا نتدبر آلاء الله
طل علينا فصل الربيع بابتسامته الحلوة وجماليته الباهرة الابتسامة التي تعلو محيا الطبيعة الخلابة والجمالية التي تزيدها بهاء وروعة، حيث زرقة السماء والألوان الذهبية التي تسطعها أشعة الشمس الدافئة والخضرة تكسو الكون وكأنه سجاد أخضر مزركش تغني فوقه العصافير أعذب الألحان وتتراقص الفراشات الجميلة على أنغامها. كل هذا يغري الإنسان للارتماء في أحضان الطبيعة الخلابة.
لكن كيف ينبغي له أن ينظر إلى هذه الهبة الإلاهية؟ وكيف نجعل استمتاعنا بالطبيعة عبادة نتقرب بها إلى المولى الكريم؟.
سبحانك ربي ما خلقت هذا باطلا
الكون قرآن مفتوح يقرأ فيه المؤمن آيات الله الكبرى وآلائه العظمى فتزيده إيمانا ويقينا قال تعالى:﴿ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون﴾ [1]، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ بهذه الآيات في جوف الليل ويبكي بكاء مرا من خشية الله فهو أقرأ الناس لآيات الكون وسيد المتدبرين وكذا كان الأنبياء من قبله فهم كانوا يعرفون الله عز وجل في أكوانه بل منهم من ساقته مخلوقات الله إلى معرفة الله وتوحيده كما حصل لسيدنا إبراهيم عليه السلام الذي كان يتأمل الكون قبل أن يأتيه وحي السماء فاعتقد أن القمر إلاها ثم الشمس حتى أتاه البيان كما أخبرنا المولى في القرآن الكريم.وعلى أثر المصطفى صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله يقتفي المؤمنون الذين لا تحجبهم الغفلة عن معرفة الله من خلال الكون فيغتنمون كل مقام وكل مشهد من مشاهد الطبيعة فيزدادوا به معرفة لبارئهم وحبا له وقربا، وإن نظرتهم التأملية لا تقتصر على المشاهد الجميلة والضخمة بل أن كل جزء في هذا الكون ولو صغر يوصلنا إلى معرفة الله فلرب حشرة صغيرة يتأملها المؤمن فتطلعه على الدقة اللامتناهية التي صنع بها الصانع المبدع هذه الحشرة فتولد في قلبه هيبة وتقديرا وإجلالا للخالق﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ العلماء أشد خشية لأنهم أكثر الناس معرفة بالله ومن عرف الله حق معرفته قدره حق قدره ومن ثم عبده حق العبادة فالخشية تبعده عما نهاه الله عنه وتضعه حيث الله أمره.
شدة القرب حجاب
هكذا يقول أولياء الله العارفون به فالشيء القريب منا والذي نراه صباح مساء قد نغفل عن قيمته ولا نوليه أي اهتمام لأننا اعتدنا أن نراه بعكس إن كان بعيدا عنا، فمثلا الإنسان الذي يقطن بجانب البحر لا يعيره أية أهمية أما البعيد عنه فهو كلما رآه إلا ويلهج لسانه بالتسبيح والتكبير من عظمة ما يرى، وكذا بالنسبة لجميع المخلوقات الأخرى لذا يحثنا الله عز وجل على التدبر والتأمل ورؤية ما حولنا في أيما آية من القرآن الكريم وكأنه سبحانه يذكرنا، فالله عز وجل لم يخلقنا سدى بل كل ما أوجده سبحانه علي وجه هذه البسيطة إلا لهدف وغاية سامية تتمثل في تجلي أسمائه الحسنى ليعبد سبحانه عن علم وحب. فهذه الطبيعة الخلابة التي تمتع الناظرين وتبهج النفوس وتريح العقول والأبدان وتذهب الهم والحزن هي منحة ربانية للاستمتاع والترويح عن النفس وهذا هدف آني يتحقق لكل امرئ، لكن الهدف الأسمى منه والأجل هو أن تسوقنا هذه المناظر إلى إدراك جمال الله وجلاله.
سبحان من يتودد إلينا بالنعم الكثيرة لنعرفه معرفة قليلة فلا يعرف الله عز وجل إلا الله وهو القائل عز وجل في الأثر لسيدنا داود:"يا داود ذكر عبادي بنعمي عليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها" .
رزقني الله وإياك عزيزتي القارئة عزيزي القارئ عينا بصيرة نرى بها أنعم المولى علينا ورفع عنا حجب الغفلة لنتدبر كل ما أوجده الله تعالى في هذا الكون ورزقنا حبه ومعرفته.آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
[1] البقرة:آية 163