الطب البديل وطب الأعشاب وصفات سحرية أم هراء ودجل؟ وجد الطب البديل في الآونة الأخيرة إقبالاً متزايداً أذهل العاملين في حقل الطب الحديث، ولعل من أبرز أسباب هذا الإقبال الواسع القناعة التامة لدى الناس بجدوى وفعالية النباتات وتفوقها على الأدوية الكيميائية التقليدية، وكما هو معلوم في كل بلد أن أدوية الأعشاب وكل صنوف الطب البديل أرخص ثمناً من العلاج الحديث المصنع بالوسائل الكيميائية، ويساعد الوضع الاقتصادي في كثير من البلدان على لجوء الكثيرين إلى التداوي بالأعشاب لنفس المرض.
ولا شك أن للجانب التراثي أثره الواضح على غالبية مستخدمي طب الأعشاب من أبناء الدول العربية والإسلامية، ويمثل أحد الأسباب التي تدعوهم للتداوي بالعلاج النباتي، إلى جانب أن هذا النوع من العلاج لا يحتوي – حسب رؤية الكثيرين – على آثار جانبية ضارة كالأدوية الكيميائية، ويرى البعض أنها الأرخص والأكثر ضماناً وهذا جعلهم يركزون عليها كثيراً، ولا يتوقف استخدام المستخلصات النباتية على الجانب العلاجي الطبي وحسب، بل إن هناك من يستخدمها لأغراض أخرى كالعناية بالبشرة، وإطالة وتقوية الشعر، حيث تداوم نساء كثيرات على شراء المنتجات النباتية لاستخدامها بديلاً عن كريمات الشعر والوجه التي تباع في الصيدليات، لأنها تفيد البشرة مع عدم ملاحظة أضرار واضحة نتيجة استخدامها.
أضرار الأعشاب
وللأدوية العشبية والنباتية مزايا عدة وفاعلية للعلاج، لكنها لا تخلو من المخاطر والأضرار والجوانب السلبية، فالاستخدام غير السليم، أو أخذ أدوية الأعشاب بناءً على تشخيص خاطئ قد يقود إلى كارثة صحية، كما أن جانباً كبيراً من المخاطر المترتبة على التداوي بالأعشاب ليس متعلقاً بنوع الدواء أو العشبة، بل لعدم الاختصاصيين الذين يعملون في هذا المجال من الغشاشين والمحتالين فمن لا تهمهم أرواح الناس بقدر تكالبهم على الأموال الحرام، والذين تزايدت أعدادهم في الآونة الأخيرة بشكل يدعو للقلق.
وهذا أدى إلى وجود فوضى في مجال التداوي بالأعشاب، ولعل الخطورة تكمن في وجود أكثر من مادة فعالة في كل عشب، الأمر الذي يترك أثره السلبي على المريض من حيث الآثار الجانبية
العامل التجاري
إن أخطر ما يشوب طب الأعشاب رغم أنه يمثل الحل البديل للأدوية الكيميائية، أنه تأثر إلى حد كبير بالعامل التجاري بمعنى أن غالبية العاملين في سوق أدوية الأعشاب والطب النباتي ليسوا من الأطباء العارفين بالأمراض وبطبيعة جسم الإنسان، بل هم من الباحثين عن الربح والاستثمار والبيع والترويج، لأن البعض منهم قد تكون له خبرة في مجال الأعشاب، ولكن تغيب عنه جوانب تتعلق بالأمراض وأسبابها واستطباباتها مع بعضها وغير ذلك من الاحتمالات التي تحتاج إلى ذوي الخبرة والاختصاص.
وصحيح أن التوجه العالمي الذي بدأ منذ بداية التسعينيات يبدو أنه لصالح الطب النباتي غير أن خبراء في مجال الطب يصفونه بأنه توجه يعمل على استخدام مادة معزولة عن مصادرها الطبيعية، وليست خلاصة محددة لنبات معين، بل يعتبرون أن الأمر تحكمه التجارة أكثر من العلم والطب، لأنها في واقع الأمر تجارة مربحة، بل عالية الربح، وهذا يدعم الاعتقاد بتزايد أعداد الذين يستخدمون أدوية الأعشاب. وهذا لا يعد اتهاماً لهذا الطب بالتقصير بقدر ما هو توضيح لملاحظات مهمة تدعم تقدمه وازدهاره.
ومن أبرز الملاحظات، ضرورة الرقابة على عملية التداوي بالأعشاب وكذلك فتح الباب أكثر في مجال التداوي بالأعشاب في الدول ذات الإمكانات التصنيعية، وذات الثروة النباتية الطبية البكر، وضرورة تعريف الناس بمعلومات أساسية مهمة منها أن الأعشاب أيضاً لها آثار جانبية، وأهمية التشخيص من خلال الطبيب المتخصص وليس من قبل عشاب أو عطار.
الأضرار الجانبية لبعض الأعشاب
لم تسلم تجارة العطارة وبيع التركيبات العشبية من غش وخداع من يلجأ إليهم للعلاج من الأمراض.
فقد ظهرت على الساحة في الآونة الأخيرة تجارةٌ مربحةٌ، وتجد تنافساً شديداً من المشتغلين فيها، كما يدعي البعض منهم قدرته على معالجة ما استعصى على الطب علاجه من الأمراض بوصفات يصفُ مفعولها بالمفعول السحري، مما يجعل كثيرًا من الناس ينبهرون بهذه الوصفات، ناهيك عن المرضى الذين يتلهفون عليها، ويتحملون أموالاً باهظة أملاً في أن تُخفِّفَ آلامهُم وتزول شكواهم، لكن سوء الوصف ورداءة الأعشاب وخلطها بمواد كيماوية يؤدي إلى تردي حالة من يستعملها وقد يصعب إنقاذه، وربما يدفع حياته ثمناً بسبب تناولها.
مخاطر عايشتها
وعن الأعشاب ومخاطرها يتحدث سالم عبد الله عن تجربة عايشها وعانى بسببها كثيراً ويحكي هذه المعاناة قائلاً: أصيبت زوجتي بفشل كلوي وعانت من الغسيل الكلوي كثيرا، فأشار عليَّ بعض المعارف أن أذهب إلى طبيب أعشاب معروف في جدة، وتوجهت إليه وهناك أحضر خلطة خاصة تتكون، حسب قوله، من عسل وإضافات أخرى، وفوجئت بأن ثمنها يبلغ 600 ريال وبعد إلحاح أخذت منه عينة للتجربة ثمنها 150 ريالاً، وتمنيت أن يكون مفعولها جيدا، لكن بعد تناولها بيومين دخلت زوجتي في غيبوبة وهرعنا إلى المستشفى، وهناك تم إنقاذها، حيث أجروا لها الإسعافات اللازمة وأفاقت من غيبوبتها واستقرت حالتها ولله الحمد، وأخبرنا الأطباء أن سبب هذه الغيبوبة هو ارتفاع البوتاسيوم في الدم بسبب أخذها أعشابا غير معروف محتواها، ولم يشرف على إعدادها متخصص.
وبعد هذه التجربة المرة وأمام إلحاح زوجته ورغبتها في التخلص من ألمها وحرصه على شفائها، خاض تجربة أخرى وذهب إلى أحد العطارين يناديه الناس بلقب دكتور وأخبره عن حالة زوجته، فوصف له صفا من قوارير تحتوي على شراب غير معلوم محتواه، ودُهش سالم عندما شاهد كثرتها وسأله: أهذا كله علاج؟! فأخبره العطار: نعم، ولا بد من أخذ الكمية كاملةً، وبسؤاله عن ثمنها أخبره بـأن ثمنها حوالي 1600 ريال، وبعد إلحاحٍ باعه عينة بـ 300 ريال، وبتجربتها لم تنفع زوجته، بعدها قرر ألا يخوض التجربة مرة أخرى حفاظًا على حياة زوجته، وتساءل مستنكرا، كيف يسمح لهؤلاء المدعين بالمخاطرة بحياة البشر واستغلالهم والاتجار فيما يضر الآخرين؟
وقال أحدهم: سألت أحد باعة الأعشاب عن أفضل نوع أعشاب للتخسيس، فأحضر كيساً داخله مسحوق وأخبرني بأن هذا الدواء مُميزٌ ومُجربٌ، فسألته عن مكوناته فتلعثم، ونادى زميله وطلب منه إخباري عن مكونات هذا المسحوق وقال: هذه الخلطة عبارة عن عسل وإضافات عُشبية، ومصنوعة خصيصا بواسطة طبيبنا في لبنان، وتأخذ معها زجاجة خل طبيعي، وعن طريقة استعماله بادرني بقوله: يُعتبر هذا الدواء سحرا في العلاج، ولكن للأمانة لن تحسَّ بمفعوله إلا بعد أسبوعين من استعماله، وسينقص وزنك من كيلو إلى كيلوين في الأسبوع، وعن طريقة تناوله قال: يؤخذ المخلوط مرتين قبل الأكل الدسم بساعة، ثم بعد الأكل تشرب ملء غطاء من زجاجة خل التفاح، وستجد الفرق، وللعلم هذه الكمية تكفي شهرين، وثمنها مع الخل كان من قبل 115 ريالاً، أما الآن فعليها تخفيضٌ وستكون بـ70 ريالا فقط، ثم مدَّ يده وتناول زجاجة صغيرة بها حوالي 50 ملل من الشراب لونه بني، وقال هذه خلطة سرية مقوية للجنس، وتؤخر عملية القذف وهذا علاج مُجرَّب ويطلبه كثيرون لمفعوله الأكيد، وقال: لا تخف فمكوناتها من الأعشاب الطبيعية، وبسؤاله عن مكوناتها وأضرارها قال: هذا سر المهنة، وأكد بثقة الخبير عدم وجود أضرار لهذا الدواء إطلاقًا.
أعشاب فوائدها عظيمة
وأوضح الدكتور محمد بن عبد الله الطفيل رئيس قسم السموم وتحليل الأدوية والأعشاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض أن الأعشاب الطبيعية متنوعة وفوائدها عظيمة ومعروفة منذ القدم مثل الحبة السوداء التي قال عنها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: “الحبةُ السوداءُ شفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلا السأم” فهي تُستخدم لعلاج كثيرٍ من الأمراض وتزيد مناعة الجسم، كما أن اليانسون والكراوية والنعناع تفيد في علاج عسر الهضم وإزالة الانتفاخ، أما السنامكة فيستعمل في علاج الإمساك، ووجد أن عشبة الستيفيا stevis الغنية بالعناصر الغذائية تخفف الرغبة في التدخين، وتساعد على إنقاص الوزن، كما أن بعض أدوية معالجة السرطان مثل فينبلاستين مستخرج من نبات طبي هو نبات الفينكا.
وعن استخدام الأعشاب الطبيعية، أردف الدكتور الطفيل قائلاً: لا بد من توفر شروط خاصة في الأعشاب كي يستعملها الإنسان ويعتمد عليها في العلاج، مثل نوع الأعشاب ومكان زراعتها وريها بمياه مناسبة، كما يجب أن تكون بعد حصادها خالية من العوالق والحشرات، ويتم تخزينها في أماكن مناسبة كي لا تفقد خصائصها.
واشترط د. محمد الطفيل فيمن يصف الأعشاب أن يكون خبيرًا بمكوناتها، وأن يصف الجرعة المناسبة للمريض لأن زيادة الجرعة للمتعاطي تسبب آثاراً ضارة، كما أن نقص الجرعة يقلل الفائدة المرجوة، وهناك بعض الأعشاب وجد بعد تحليلها أنها مخلوطة بمواد كيماوية ضارة للجسم وتؤدي لأمراض خطيرة، وقد تُسبِّبُ الوفاة، كما ثبت عند تحليل بعض الأعشاب التي تستخدم كمقويات عامة للجسم أو مقويات جنسية أنها مخلوطة بحبوب الفياجرا، وتؤدي إلى مضاعفات خطيرة. وبتحليل بعض الخلطات التي تستعمل كصبغات للشعر وجد أنها تحتوي على مواد كيماوية ضارة بالجلد، كما أنها تحتوي على نسبٍ عالية من الرصاص، والزرنيخ وتسبب أضرارًا بالغة مثل تساقط الشعر أو الالتهابات الجلدية، وربما يصاب من يستعملها بهشاشة العظام، وإذا تعاطتها المرأة الحامل أو المرضعة فتسبِّب انتكاسات للجنين وللأم.
وصفات سحرية
وحذّر د. محمد الطفيل من امتلاء الساحة بوصفات يدعي أصحابها أن لها آثارًا سحرية في العلاج، وأنها عالجت أمراضًا عجز عن علاجها الطب الحديث، ووصفها بالهراء والدجل وطالب بمحاربة مروجيها حتى لا يكون ضررها مضاعفًا.
وبسؤاله، هل كل الأعشاب التي نسمع عنها أو نراها مناسبة كعلاج؟ قال: للأسف ما نراه الآن يعتبر غشًّا، وأصبح بعض المتاجرين في الأعشاب يخلطونها بمواد كيماوية مثل الفولتارين أو البنادول أو بعض المواد التي تُسكِّن الألم وبسببها يشعر مَن يتناولها بتحسُّن، اعتقادًا منه بفاعلية وجودة هذه الوصفات، لكن الحقيقة هي أنه وقع ضحية للنصب وانعدام الضمير، كما أن بعض هذه الأعشاب المستخدمة في تخفيف الوزن تحتوي على مواد مخدرة مثل انفيتامين التي تسبب لمن يستعملها لفترة طويلة الإدمان. وبعض أنواع الشاي والحبوب المستخدمة في تخفيف الوزن أو التنحيف وجد أنها تحتوي على مواد مُسهلة، وهذه المواد قد تسبب النزيف الدموي أو أخطارًا أخرى.
مناسبة الجرعة
وعن أضرار بعض الأعشاب يعلق الدكتور محمد عبد المغني السيد استشاري الكبد والجهاز الهضمي بمستشفى جدة الوطني قائلا: إن الأعشاب الطبيعية فوائدها معروفة منذ القدم، لكن الطريقة التي يتم بها تناول الأعشاب خاطئة ولا بد أن تخضع لأسلوب علمي ودراسات وتحاليل كي تتمُّ فائدتُها، كما اشترط مُناسبة الجرعة للمريض حرصًا على سلامته.
وبيَّن أن هناك أدويةً مُستخلصة من العُشب مثل (سيلي مارين) الذي يتناوله مريض الكبد ويعمل هذا الدواء على تنشيط الكبد فقط ولا يعالج المرض، كما أن هناك أدوية مستخلصة من الحبة الصفراء D.D.B تقلل أنزيمات الكبد، وأوضح أن تناول وصفات عشبية غير مطابقة للمواصفات أو غير معروفة المصدر أو المحتويات قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة.
ويستبعد الأستاذ عبد الغني عبد اللطيف المحاضر بالمعهد السعودي الألماني بجدة استعماله للأعشاب الطبيعيـة التـي تباع في محلات العطارة ومجهولة المصدر ويقــول: لا أثــق في الأعشاب إلا إذا اشتريتها من الصيدليات، وتكون مرخصة من وزارة الصحة، أما غيرها فلا.
وأكَّدَ د. عبد الغني على ضرورة أن تحمل الوصفات الطبية ترخيصًا طبيًّا حتى لا تؤدي لمضاعفات تهدد من يتعاطاها، واستشهد بمريض وصل إلى المستشفى يُعاني من التهابٍ حادٍ في الكبد، وبإجراء التحاليل اللازمة له أظهرت النتائج ارتفاعًا في إنزيمات الكبد عن الحد الطبيعي حوالي عشرة أضعاف، وكان سبب ذلك خلطة الأعشاب التي تناولها، وتم علاجه ولولا عناية الله لأدت هذه الخلطة إلى فشلٍ كلوي يظل المريض يعاني منه طول حياته.
دور الإعلام والتجارة والصحة
وعن التعامل مع تجار الأعشاب وخلطاتهم يقول سليمان الخليل، وهو مشرف تربوي في وزارة التربية والتعليم: إن علاج هذه الظاهرة يقع على عاتق الإعلام، ولا بد من إعداد البرامج واللقاءات الحوارية مع المتخصصين لبيان أضرار ومخاطر هذه الوصفات، وكشف زيف هؤلاء المعالجين الدجالين والتحذير من التعامل معهم، كما يقع على وزارة التجارة جزءٌ من المسؤولية في الحد من انتشار هذه الوصفات في المحلات التي تبيعها بدون ترخيص طبي، وطالب بتغريمها حفاظاً على أرواح المواطنين، وكذلك لوزارة الصحة دور رئيس في التأكد من صحة مكونات هذه الوصفات، ومدى مطابقتها للعلاج.
ويبقى السؤال.. هل يمكن تنظيم بيع الأعشاب الطبيعية بعد إخضاعها للأبحاث والتحاليل كي تعمُّ فائدتها ويتم تجنب ما تحدثه من مشاكل لأبرياء؟
احذروا اذندمتم سالمينتحياتي لكمشمس المنتدى