مفتشو التعليم يرفعون وتيرة الأشكال الاحتجاجية
يواجهون كثرة المهام وندرة الوسائل وغياب الاستقلالية الوظيفية وتنصل الحكومة من التزاماتها
عبد السلام بلعرج
التربية نت 01-05-2011
رفع رجال التعليم خلال الموسم الدراسي الحالي وتيرة الإضرابات عن العمل والوقفات الاحتجاجية أمام وزارة التربية الوطنية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والنيابات الإقليمية، مطالبين بتحقيق مطالب مادية وأخرى معنوية.
ولم تفت الفرصة أمام مفتشي التعليم للاحتجاج على تملص الوزارة من تطبيق نتائج الحوارات التي أجرتها مع ممثلي المفتشين، منددين بما آلت إليه أوضاعهم المادية والمعنوية.وهي مطالب وردت في بيانات صادرة عن نقابة مفتشي التعليم، ومن خلال شعارات رددوها أمام البرلمان يوم الخميس 14 أبريل بمناسبة تنفيذهم وقفة احتجاجية، تلتها دعوة إلى خوض إضراب وطني يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع من الفترة الممتدة من 25 أبريل إلى 07 مايو، وتعليق كل الأنشطة ذات الصلة ببيداغوجيا الإدماج، وحمل الشارة الحمراء خلال امتحان الباكالوريا في مادة التربية البدنية، والاستعداد لمقاطعة جميع الإجراءات المتعلقة بالامتحانات الإشهادية بما فيها إعداد المواضيع، وعملية ومراقبة الجودة والتصحيح.
قد يعتقد البعض أن مطالب المفتشين تقتصر على الجانب المالي المحض، لكن الشعارات والبيانات المذكورة أعلاه، تفند هذه المزاعم وتجعلها مجانبة للصواب، فهيأة التفتيش تطالب الحكومة والوزارة بالعمل على ضمان الاستقلالية الوظيفية التي تعتبر قضية جوهرية، ذات أولوية بالنسبة إلى الأدوار المنوطة بهيأة التفتيش المكبل بأغلال وقيود، تجعل عملية ضبطه وتقويمه وتأطيره لعمل الأستاذ صعبة وأحيانا مستحيلة، وتتمثل هذه القيود في تبعية هيأة التفتيش للنواب الإقليميين، فيصبح جهاز التفتيش التربوي (ابتدائي تخطيط وتوجيه) يعمل تحت رحمة الطرف الإداري المتمثل في النائب ومصلحة الموارد البشرية ومكتب الخريطة المدرسية، وتبقى اقتراحاته في هذه الحالة مرهونة بمزاجية وإرادة المسؤول الإقليمي ومساعديه الإداريين، وينشغل في حل مشاكل يتسبب فيها النائب ومساعدوه الإداريون بدل توجيه طاقاته حول الشق الأكثر أهمية في المنظومة التربوية والمتمثل في الجانب التربوي الذي تستعين بالجانين الإداري، وهكذا تعكس الآية، وتصبح الدور التربوي تابعا للجانبين المذكورين، وهو سلوك يفرغ العملية التعليمية التربوية من دلالتها، ويقزم دور المفتش ليصبح «عون سلطة إدارية» تلقى اقتراحاته بسلة المقايضة النقابية. وتقبر التقارير والمراسلات المنجزة من طرفه.
ولتمكين هيأة التفتيش من القيام بمهامها ولعب أدوارها المتعددة على الوجه المطلوب، بات من الضروري مدها بوسائل لوجيستيكية، تضمن تنقلهم واتصالهم، وبالموارد البشرية الكافية والمؤهلة لمساعدة الهيأة على القيام بمهامها في ظروف سليمة.
وتطالب الهيأة بمراجعة نظام الترقية الداخلية وترتيب رجال التعليم في الدرجات الحالية، وذلك عن طريق تسمية جميع المفتشين في درجة استثنائية بدل الاقتصار على الدرجة الممتازة أو تسمية بعضهم في الدرجة الأولى، وهو ما يتسبب في خلل داخل التراتبية الإدارية والمالية، بمقتضاها يرتب بعض المفتشين في درجات أقل من الدرجات التي ينتسب إليها الأستاذ الخاضع للمراقبة التربوية.
ويطالب مفتشو التعليم الوزارة بترسيخ ثقافة التشارك، والتشاور، والتواصل المبني على الاحترام المتبادل للاختصاصات، وتغليب مصلحة المتعلم، ووضع حد للاختلالات الميدانية، الناجمة عن التدبير السيء للإدارة إن على المستوى التربوي، والمالي والإداري، أو تدبير الموارد البشرية، وهي مجالات ينعدم في تدبيرها العدل، الإنصاف والثقة، وتخرق فيها المذكرات والنصوص التشريعية، فتسود الفوضى بالمؤسسات التربوية وتتفشى ظاهرة الغياب، وزعزع البنيات التربوية، ويطغى هاجس تحقيق مصالح شخصية على العملية التربوية خلال عملية ترشيد الفائض، والضم والفك في غياب رأي المفتش التربوي، وهو ما يؤدي إلى عدم الاستقرار المكاني والنفسي لرجال التعليم، وفقدان التوازن بين الحقوق والواجبات، ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع هيأة التدريس، مما يثبط العزائم ويثير حفيظة المهضومة حقوقهم تحت ذريعة مراجعة الخريطة المدرسية لسد خصاص غالبا ما يكون مفتعلا.
وللحد من ظاهرة الغياب التي تنخر كل محاولة لإصلاح واقع تعليمنا، تطالب هيأة المفتشين الوزارة باعتماد مبدأ الشمولية في عملية التأطير والمراقبة التربوية المنوطة بالمفتش، لتشمل الإدارة التربوية، بدل تفكيكها وتجزيئها عن طريق وضعها في يد شخص أو شخصين يأتمران بأمر النائب، فتحول مهمة التقويم إلى وسيلة لتصفية الحسابات الضيقة. ولدعم القصد التربوي والحد من ظاهرة الغياب عن طريق تكثيف الزيارات الصفية، تطالب الهيأة بضرورة اعتبار المفتشين ضمن الموظفين المسكنين وجوبا بسبب مهامهم، وذلك لاعتماد سياسة تربوية ترتكز على القرب.
في غياب هذه الإمكانيات، يصبح جهاز التفتيش في هيكلته الحالية فاشلا، يسير على سكة عوجاء، غير قادر على المساهمة بصورة سليمة في الرقي بالمنظومة التربوية. وإذا كانت المطالب المادية التي تسعى الهيأة إلى تحقيقها ضرورية لتحفيز عناصرها وتشجيعهم، ومدهم بالموارد المالية التي تضمن لهم العيش الكريم، وتساعدهم على تحيين معارفهم وتجديدها وتطويرها وشحذ كفاءاتهم، تبقى هذه المطالب غير كافية، تقتضي تحصين عمل المفتش وضمان استقلالية سلطته التربوية والإدارية والاجتماعية، مع إخضاعه للمحاسبة من طرف التفتيش العام مركزيا، بدل تبعيته لسلطة النواب، فيصبح بإمكانه رفع تقاريره ومراسلاته مباشرة للمفتشية العامة بالوزارة، مع مد النواب بنسخ منها للاطلاع على فحواها فقط، مع وضعه آليات التحفيز المعنوي وزجر المخالفات في يد جهاز التفتيش لخلق منافسة شريفة بين هيأة التدريس وحثها على الخلق والابتكار لتحسين مستوى المتعلمين