تصريحات اخشيشن:وضع للنقاط على الحروف؟
تثير التصريحات المتفرقة التي يطل من خلالها أحمد اخشيشن وزير التربية الوطنية الكثير من ردات الفعل المستغربة والمستنكرة وتضع علامات استفهام كثيرة حول مغزى وقيمة هذه التصريحات وكذلك الهدف الحقيقي من ورائها …أخر ما جادت به قريحة الوزير من أفكار كانت عبارة عن صك اتهام صريح لرجل التعليم بالتقصير وتحميله المسؤولية عن فشل البرنامج الاستعجالي معللا حكمه بموجة الإضرابات المتتالية الاستثنائية التي شهدها قطاع التعليم المدرسي ..
أن يكون المدرس متحملا لقسط من المسؤولية في فشل الإصلاح فهذا أمر وارد ومؤكد شأن باقي الأطراف المتدخلة في هذا القطاع ولا نبتغي أبدا لعب دور المحامي لتبرئته ،لكن لا يجب ممارسة التمويه وتحويل المدرس إلى كبش فداء أو مشجبا تعلق عليه السياسات الفاشلة (ولا داروها الكبار وباغيين يحصلوها فالصغار؟)…
ممارسة الحق الدستوري في الإضراب الذي مطط إلى أن بلغ حسب الرقم الذي قدمه الوزير 47 يوما وهي خسارة باهظة للمدرسة العمومية ما كانت لتتم بهذه الطريقة لو كانت لدى الحكومة آذان تسمع بها ضجيج الشارع التربوي وعيون ترى بها الجحافل المتجمهرة على أبوابها ،فما دامت الحكومة سترضخ طال الزمن أم قصر لمطالب المدرسين _كما فعلت خلال الحوار الاجتماعي الأخير ولو كان ذلك جزئيا _فإنها المسؤولة أولا وأخيرا عن الأيام الدراسية المهدورة …
هل الزمن المدرسي الضائع هذا كاف لنسف البرنامج الاستعجالي برمته على ضخامته وأهميته كما تم التطبيل لذلك ؟ لا أعتقد مطلقا أن مسؤولية المدرس في إفشال البرنامج الاستعجالي وكباقي المشاريع الإصلاحية مرتبطة بهذا الإضراب بل بظاهرة نفسية أصبح سجينا لها إنها فقدان الثقة في الحكومة وفي مشاريعها وبرامجها وخطابها وفي كل ما يأتي من طرفها…
أزمة الثقة هذه لن تنفع معها استيراد أفضل البرامج والمناهج في العالم لأن الإرادة في التغيير تحركها الثقة في من يصلح وفي خطابه …وإن كان موقف المدرس يجد تبريره في الاختلالات الهيكلية العميقة التي تعتور المنظومة التربوية مثل:الأقسام المشتركة ،الاكتظاظ،انعدام الوسائل التعليمية ،هشاشة البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية وافتقادها شروط مزاولة المهنة ،غياب التواصل مع الرؤساء،الإحباط العميق الناتج عن فقدان الأمل في الحركة الانتقالية ،وفي الترقي المهني ،ضعف الأجور…إضافة إلى عنصر هام جدا يتمثل في الإحساس بالتهميش وعدم الإشراك في رسم السياسة التربوية وجعل الاختيارات والأولويات شعبية وديمقراطية .
إن معاينة تطبيق بيداغوجيا الإدماج مثلا كأحد أهم المشاريع التي جاء بها البرنامج الإستعجالي توضح عمق الهوة بين الخطاب والتطبيق …هذه البيداغوجيا التي لا نستطيع إنكار قيمتها العلمية والفكرية وجهود المنظرين لها في إعطاء رؤية منهجية لتطبيق المقاربة بالكفايات اصطدمت بالإشكالات الهيكلية الأنفة لتزيد الوضع تعقيدا …ولعل أفضل مصطلح يعبر عما يقع في الفصول الدراسية حاليا هو الفوضى …
لا أدري صراحة هل الخرجات الإعلامية للسي اخشيشن هي ميزة وصراحة أم وقاحة ؟ فقبل شهور صرح الوزير أن بعض رجال التعليم وجدوا أنفسهم صدفة في هذه المهنة .إن كان الأمر صحيحا فهل من حقنا معرفة من يكون هؤلاء ؟ ومن أوصلهم ؟وكيف وصلوا؟ أليس ذلك بسبب السياسات المزاجية والفوضوية للوزارة؟ ما فهمته من كلام الوزير شخصيا هو وجود رجال تعليم غير أكفاء وغير مؤهلين لهذه المهنة و غير راضين عن مهنتهم …
الحقيقة التي نسيها الوزير أو تناساها بالتأكيد هي أن هذه الصدفة لم تقد بعض المدرسين فقط إلى هذه المهنة بل قادت أيضا آخرين إلى مهنهم :مفتشين ومديرين ورؤساء مصالح …ولم لا …وزراء.
الصدفة هي التي جعلت تعليمنا فأر تجارب وحكمت عليه بالبقاء في دوامة الفشل ويظل جبل الإصلاح الذي يخيل إلينا أنه يتمخض دائما لا يلد كل مرة إلا فئرانا مشوهة معاقة …
على السيد الوزير أن يكون دقيقا في تصريحاته وأن لا يمتهن توزيع الاتهامات يمنة ويسرة كإستراتيجية للتهرب من المسؤولية ووضع النقاط على الحروف..
بقلم الأستاذ رشيد اوخطو
عن الشرق التربوي