أحد المعابد القديمة شيد في ورزازات على الطبيعة كجزء من ديكور فيلم أميركي
طائرة استعملت في فيلم حول مغامرات رحلات السفاري في أفريقيا
منزل شيد خصيصا في ورزازات لفيلم تاريخي يتناول الحياة في الجزيرة العربية قبل قرون
أصبحت ورزازات التي توجد في العمق
المغربي جنوب البلاد، عاصمة السينما المغربية، المناظر الطبيعية هنا
تتناسب مع مختلف المشاهد والحقب التاريخية مما جعلها تتحول إلى نعمة
حقيقية على منتجي الأفلام السينمائية الذين لم يعودوا مضطرين تبديد الوقت
في البحث عن أماكن من شأنها أن تنقل أفكار سيناريوهاتهم إلى الواقع. سواء
تعلق الأمر بأفلام تاريخية أو أفلام الحركة أو غيرها، فإن ورزازات التي
تبعد سبع ساعات من الولايات المتحدة الأميركية وثلاث ساعات من أوروبا
تمنحهم ثروات طبيعية استثنائية.التصوير السينمائي الأجنبي في ورزازات ليس جديدا، إذ منذ الحرب العالمية
الأولى اختار مجموعة من المخرجين اللامعين مثل «ألفريد هيتشكوك» و«دافيد
ليان» حملوا معداتهم إلى هذه المدينة الصغيرة التي قال عنها أحد المخرجين
إنها «أكبر استوديو طبيعي في العالم». تقع ورزازات على بعد حوالي 200
كيلومترا من مدينة مراكش ويربو عدد سكانها على 50 ألف نسمة معظمهم من
الأمازيغ، ورغم أنها مدينة صغيرة فإنها تجتذب بطبيعتها ومناظرها المميزة
السياح من كل بقاع العالم فقد زار إقليم ورزازات حتى صيف هذا العام أكثر
من 159 ألف سائح ويأتي في مقدمتهم الفرنسيون. والتاريخ يشهد لها بأنها
كانت محطة بارزة لتصوير الأفلام الأجنبية، حيث استقطبت قبل نحو قرن من
الزمان تصوير أول فيلم سينمائي في المغرب وكان بعنوان «راعي الماعز
المغربي» الذي أنتجه مؤسس الفن السينمائي، الفرنسي لويس لوميير، وكان من
بين أول التجارب السينمائية في العالم، وتوالت بعد ذلك الأفلام الدولية
التي اختار منتجوها أرض المغرب مكانا للتصوير، لتستقطب المدينة الصغيرة
نخبة من ألمع النجوم والمخرجين العالميين.
«ورزازات» كلمة أمازيغية تعني «دون ضجيج» وترمز إلى طبيعة هذه المدينة
التي تتميز بالهدوء والأمن وبساطة سكانها الذين اشتهروا بالكرم وحسن
الضيافة، ومما لا شك فيه أن هذا الأمر ساهم أيضا في جعلها وجهة للصناعة
السينمائية أو «هوليوود أفريقيا» كما أصبحت تعرف. أما الأسباب الأخرى
فتكمن أساسا في الخصائص الطبيعية لهذه المنطقة حيث تتوفر على مساحات شاسعة
من الصحراء والسهول والمغارات والأودية والبحيرات والنخيل والواحات
والقصبات والقصور، بالإضافة إلى مناظر يمكن أن تخلق ديكورا شبيها بطبيعة
بعض الدول مثل السعودية ومصر والأردن والهند وحتى الهيملايا بجبالها
المكسوة بالثلوج، إضافة إلى هذا أيضا الإمكانات والبنيات التحتية الضرورية
لتصوير الأفلام.تتميز ورزازات بطقسها الجميل المشمس وبعنصر الإنارة الطبيعية التي يبحث
عنها كل مخرج، كما أنها تتميز بجغرافيا شبيهة بتلك التي تميز أوروبا
والولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى التنوع العرقي، إذ إن سكانها مزيج
من الأمازيغ والعرب والأفارقة واليهود، لذا لا يضطر المخرجون لاستقدام
الكومبارس من بلدانهم.وتجدر الإشارة إلى أنه تم إنشاء معهد متخصص في المهن السينمائية في
ورزازات في فبراير (شباط) عام 2004 وهو الوحيد من نوعه في المغرب في إطار
تعاون بين «مؤسسة محمد الخامس للتضامن» وهي مؤسسة شبه حكومية ومؤسسة
«التكوين المهني وإنعاش العمل» وكانت خطوة تهدف إلى تلبية الطلب المتزايد
على الموارد البشرية من طرف المحترفين في مجال الصناعة السينمائية.تستمر الدراسة بالمعهد لسنتين، ويستقبل حاليا طلبة مغاربة في حين تقرر أن
يفتح مستقبلا في وجه الطلبة الأفارقة أيضا، ويضم ستة تخصصات متنوعة هي
«المؤثرات الخاصة»، «المواقع والآلات»، «تدبير الإنتاج»، «الديكور
والإكسسوارات»، «الحلاقة والماكياج»، «الهندام واللباس». تم إنجاز عدد من
الأفلام في ورزازات وضواحيها بمعدل فيلمين مطولين إلى ثلاثة سنويا إضافة
إلى عدد من المسلسلات التلفزيونية والوصلات الإعلانية والأغاني المصورة
(فيديو كليب).استضافت ورزازات عام 1922 فريق تصوير فرنسي بقيادة المخرج لويتز مورا،
الذي صور شريط «الدم» تلاه فريق ثان بقيادة المخرج فرانز توسان الذي صور
«إن شاء الله». وفي عام 1927، شهدت ورزازات تصوير الشريط الألماني «عندما
تعود السنونو إلى أعشاشها» لجيمس بوير. ولم تتأخر السينما الأميركية في
اكتشاف مزايا ورزازات لتستضيف المدينة عام 1930 تصوير «قلوب محترقة»
لجوزيف فون ستيرنبيرغ، وهو من بطولة مارلين ديتريش وغاري كوبر.والتحقت السينما البريطانية بالركب عام 1938 بتصوير «قافلة الصحراء»
لثورتون فريلاند. وإذا كانت تلك الأفلام أقرب ما تكون إلى حالات
استثنائية، فإن درجة إقبال السينمائيين العالميين على ورزازات ارتفعت
وتنوعت بعد الحرب العالمية الثانية، لتتأسس قاعدة جديدة، وتم تصوير أفلام
فرنسية وأميركية وإسبانية وإيطالية وهولندية وسويدية وبلجيكية، بل وحتى
أفلام من كوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وكوبا والبرازيل.وتم إنجاز العديد من الأفلام التي نالت صيتا عالميا والعديد من الجوائز
العالمية في ورزازات وضواحيها، منها فيلم «لورنس العرب»، و«الرجل الذي
أراد أن يصبح ملكا»، و«أوديب الملك» و«لؤلؤة النيل» و«الحريم» و«شاي
الصحراء» و«كوندون» و«المومياء» و«المحارب» و«استريكس وأوبليكس: مهمة
كليوبترا» و«ألكسندر الأكبر» و«مملكة الفردوس» و«أعظم رحلات ابن بطوطة»
وغيرها كثير..هذا الإقبال الكبير لا يعود الفضل فيه إلى طبيعة المدينة الخلابة فقط، بل
هناك عوامل أخرى حسب معطيات المركز الإقليمي للاستثمار في منطقة سوس،
فبالإضافة إلى وفرة اليد العاملة والحرفيين والتقنيين المتخصصين وبكلفة
مناسبة، فإن تكلفة الإنتاج منخفضة بنسبة 30 إلى 50 بالمائة مقارنة مع
الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والرسوم المالية الخاصة بالتصوير في
المواقع والمآثر العمرانية رمزية، إلى جانب التسهيلات الجمركية في استيراد
وتصدير معدات التصوير والإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على جميع الخدمات
والسلع المقتناة في المغرب وكذا التسهيلات الإدارية وحضور السلطات
الإقليمية والمحلية وتقديم المساعدة في ظل ظروف ممتازة من طرف جميع
الهيئات الرسمية للدولة وهي القوات الملكية المسلحة، والقوات الجوية،
الدرك الملكي والأمن الوطني، إضافة إلى البنية التحتية وتوفر الخدمات
اللوجستيكية.وتشكل السينما حاليا النشاط الاقتصادي الرئيسي في المنطقة أكثر من السياحة
والفلاحة والصناعة التقليدية. وأهمية التصوير السينمائي تؤثر على العديد
من الأنشطة المرتبطة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بهذا القطاع الذي يخلق
وظائف مباشرة وغير مباشرة، ويتجاوز العدد الإجمالي لفرص العمل المؤقتة
التي تخلقها الصناعة السينمائية (من مشخصين وتقنيين وصناع تقليديين)حوالي
95 ألف وظيفة عمل، كما ينعكس كذلك على وحدات الفنادق بالإضافة إلى الحركية
التي يخلقها بالنسبة لشركات النقل إلى جانب الرفع من نسبة الاستثمارات في
المنطقة بصفة عامة سواء تعلق الأمر بالقطاعات المرتبطة بالنشاط السينمائي
أو غيرها وذلك نتيجة للصورة التي يسوقها هذا القطاع الحساس حول المنطقة.يقول عماد قادي مرشد سياحي باستوديوهات «أطلس كوربوريشن» إن ما جعل من
ورزازات دون غيرها من المدن المغربية وحتى الأفريقية قبلة للمخرجين
العالميين هو مستوى الإنارة ويضيف «قدم فريق إنتاج إيطالي إلى ورزازات
واكتشف أن مستوى الإنارة مناسب للتصوير، وبعد فيلم لورنس العرب الذي تم
تصويره عام 1962 لوحظت جودة الإنارة الطبيعية للمدينة وأن لون الجبال
مناسب جدا للتصوير وبالخصوص الأفلام التاريخية».وتتوفر مدينة ورزازات على استديوهين للتصوير ومتحف للسينما بقصبة تاوريرت
الأثرية (قصر قديم)، ويقول قادي إن استديو أطلس كوربوريشن هو الأفضل على
مستوى أفريقيا من حيث المدخول والاستقطاب وجاءت فكرة إنشائه عام 1984
عندما تقرر تصوير فيلم «لؤلؤة النيل» لمخرجه لويس تيك، ويضم الاستوديو
فندقا من فئة ثلاث نجوم ومجموعة من الأوراش، ثم هناك استديوهات «كلا»
المنشأة غرب مدينة ورزازات على مساحة 160 هكتارا. يضيف قادي أن أبرز
المخرجين الذين دأبوا على العمل في ورزازات بميزانيات ضخمة هم ريدلي سكوت
ومارتن سكورسيزي، الأول كلف تصوير فيلمه «كلادياتور» ما بين تسعة إلى عشرة
مليون دولار بما في ذلك تكاليف إنشاء مواقع التصوير وأجور الكومبارس وامتد
التصوير لستة أشهر، أما مدينة القدس في فيلم مملكة الفردوس لنفس المخرج
فقد شارك في إنشائها 300 حرفي ضمنهم مائة إيطالي وتطلب الأمر عشرة أشهر من
العمل وساهم في التمثيل 1000 من الكومبارس.وهناك عدة أفلام عربية صورت في ورزازات وآخر فيلم عربي تم تصويره بالمدينة
هو «مشاعل من النور» للمخرج السوري عبد الباري أبو الخير. والمثير في
الأمر أن الأجانب كانوا سباقين إلى تصوير أول فيلم يتناول جزءاً من حياة
أشهر رحالة عربي، فقد قام مخرج كندي بتصوير فيلم يحمل اسم «أعظم رحلات ابن
بطوطة»، وتم لهذا الغرض إنشاء موقع تصوير يضم الكعبة المشرفة. ويوضح قادي
أن مدخول الاستديو من تصوير الأفلام قد يصل إلى 25 ألف دولار يوميا طوال
مدة التصوير، كما أن مردود زيارات الاستوديوهات قد يصل في فترات الرواج
إلى 20 ألف درهم (حوالي ألفين دولار) وكحد أدنى 4 آلاف درهم (حوالي 400
دولار) يوميا، غير أن التصوير والسياحة تأثرا كثيرا بالأزمة العالمية
وانخفض نسبيا عدد الأفلام المصورة في الآونة الأخيرة.ويقول مصدر آخر إنه غالبا ما يقع تلاعب من طرف بعض شركات الإنتاج المغربية
التي تلعب دور الوسيط بين شركات الأفلام والاستوديوهات، وعندما يتم عرض
الميزانية المخصصة للفيلم يعمد الوسطاء إلى عرض ميزانية أقل على أصحاب
الاستوديوهات ليحصلوا على الباقي. ويضيف المصدر أن هذا الأمر يكون على
حساب الكومبارس والحرفيين والعاملين الذين يتم تقليص أجورهم لفائدة هؤلاء
الوسطاء.بالإضافة إلى ذلك ليس هناك قانون ينظم عمل الكومبارس ويتقاضون تعويضات غير
تلك المتفق عليها في العقد، يقول مصدر مطلع إن التعويض المحدد في العقد
غالبا ما يتراوح ما بين 500 إلى 700 درهم (حوالي 50 إلى 70 دولارا) بينما
يتقاضون 200 درهم كحد أقصى ويضيف «قد يمتد العمل إلى 12 ساعة في اليوم
الواحد دون أن يتغير التعويض».من المفارقات العجيبة التي تعيشها هذه المدينة، هي أنه مع كل هذا المجد
السينمائي الذي تعرفه وعلى الرغم أنها احتضنت ألمع النجوم والمخرجين
العالمين، فإنها لا تتوفر على قاعة سينمائية واحدة بعد إغلاق قاعتي «سينما
الصحراء» و«سينما أطلس» لأسباب غير محددة، وإن كان البعض يرجح أن يكون ذلك
بسبب ضعف الإقبال عليهما. أي أن أبناء المدينة لا يحظون بفرصة مشاهدة
الأفلام التي يشاركون فيها وتصور في أرضهم على الشاشة الكبيرة.