كيف تساهم الحياة المدرسية في التجديد التربوي وبناء مدرسة الغد؟؟
إن الإشكالية الشائكة والمتشابكة التي لم تجد طريقها إلى الحل في التعليم المغربي هي أن الإصلاحات التي باشرتها وزارة التربية الوطنية لم ترق إلى المستوى المنشود، ولم تستجب لتطلعات الفاعلين التربويين ولانتظارات المجتمع، مما جعل التركيز ينصب في الآونة الأخيرة على وجوب تحقيق التغيير الملموس في قلب المؤسسة التعليمية وعلى إلزامية تنشيط الحياة المدرسية وتحريك أدوارها ،انطلاقا من كونها تشكل روح المدرسة فضاء وزمنا. ومن تم ينبغي أن تكون هده الحياة مفعمة بالأنشطة التربوية والثقافية والفنية والرياضية، حتى يتمكن المجتمع المدرسي من مواكبة تغيرات الحياة العامة ومستجدات العصر من أجل تحقيق الاندماج الاجتماعي للتلميذ المتعلم. ومن هنا نجد أنفسنا أمام بعض التساؤلات المشروعة..
- ما مفهوم الحياة المدرسية ؟- ما هي أهم الميكانيزمات التي تساهم في تفعيل الحياة المدرسية؟
- هل يمكننا تجاوز هذا الظلام الدامس الذي يخيم على معظم مؤسساتنا التعليمية ؟
تحديد المفهوم:
المدرسة مؤسسة اجتماعية وتربوية، تقوم بتربية النشء وإكسابهم مهارات وكفايات متعددة وتنمية مواهبهم وملكاتهم، لتسهيل اندماجهم في مجتمعهم وتكييفهم معه، ومن تم فهي مدعوة قبل غيرها لأن تكون منفتحة باستمرار على محيطها باعتماد نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في صلب اهتمامها . الأمر الذي يستدعي دعم تفاعلها مع المجالات المجتمعية والثقافية والاقتصادية،لتكون بحق ديناميكية تساهم في تجديد معالم مجتمع الغد. «لان كل خيار مجتمعي وحضاري يستدعي تصورا معينا للإنسان ونمطا محددا للعلاقات البشرية، وممارسة متميزة للتربية وإعادة تشكيل سلوكات الناس. فمختلف المؤسسات التعليمية والتريوية هي التي تقوم بتا طير الفرد وتهيئته لاحتلال موقع اجتماعي محدد داخل التقسيم الاجتماعي العام، على اعتبار هذه المؤسسات هي الأطر التي يتحرك فيها الإنسان بهدف الوصول إلى تلمس وفهم الأشياء الواقعية.»
ولم يكن اعتباطا قول احد الحكماء الصينيين في القرن الثالث قبل الميلاد: إذا وضعتم مشاريع سنوية فازرعوا القمح. وإذا كانت مشاريعكم لعقد من الزمن فاغرسوا الأشجار. أما إذا كانت مشاريعكم للحياة بكاملها فما عليكم إلا أن تثقفوا وتعلموا وتنشئوا الإنسان.
وبالرجوع إلى الميثاق الوطني نجده قد حدد للمدرسة المغربية مهاما وأدوارا طلائعية للانخراط في حركية الإصلاحات، أولها ضمان تعليم جيد وملائم ومتعدد الأساليب، في مدرسة مفعمة بحياة متغيرة باعتماد نهج تربوي نشيط أساسه التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار، والمشاركة في الاجتهاد الجماعي ومنفتحة على فضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي . فما قيمة المؤسسة التعليمية إن لم ترفع من شان المتعلم وتدفع به إلى التعبير عن حريته في الإبداع والمبادرة؟
فالحياة المدرسية صورة مصغرة للحياة الاجتماعية في فضاءات وأزمنة مخصصة، قصد التنشئة الشاملة لشخصية المتعلم بواسطة أنشطة تفاعلية مختلفة تشرف عليها الأطر الإدارية والتربوية للمؤسسة.
وبصورة أكثر بساطة، إنها الحياة التي يعيشها ويمارسها المتعلمون في جميع الأوقات والأماكن المدرسية: أوقات التحصيل الدراسي، أوقات الاستراحة، أوقات الوجبات الغذائية... والأماكن: الفصول الدراسية، الساحات، الملاعب... ومن خلال جميع الأنشطة المبرمجة الدراسية منها والاجتماعية والرياضية والثقافية والفنية... وكل هذا يستوجب ضمان المشاركة الفعلية والفعالة لكافة الفرقاء المعنيين بغية تحقيق تربية أساسها تعدد الأبعاد والأساليب والمقاربات والمتدخلين، ضمن رؤية شمولية وتوافقية وموحدة بين جميع الفاعلين في المنظومة التربوية.
كيف يتم تفعيل الحياة المدرسية؟
لم تعد المدرسة في الأنساق التعليمية المعاصرة مجالا لتلقين المضامين المثقلة بالايدولوجيا، بل تحولت المؤسسة التعليمية إلى فضاء متميز يتم فيه تفجير الطاقات واستثمار القدرات العقلية، وتحفيز المتعلم من خلال خلق مناسبات تجعله يفكر لوحده بدل تكييفه وترويضه داخل انساق لاتنتظر منه إلا التلقي والتكرار.
وانطلاقا من عملية التشخيص الدقيق لمؤشرات فعالية المؤسسة يتم تسطير البرامج التربوية التي تؤدي إلى انجاز الأنشطة وفق مخططات عمل محددة لبلوغ نتائج منتظرة، وذلك في إطار مشاريع متكاملة ومنسجمة نتجنب فيها الروتينية والموسمية والارتجال.وهناك أنواع كثيرة ومختلفة للأنشطة والمشاريع الممكن انجازها داخل المؤسسة التعليمية والتي ترتكز عليها الحياة المدرسية،مثل مشروع المؤسسة أو مختلف المشاريع التربوية التي قد تنجز في إطار مشروع المؤسسة مثل مشروع القسم أو مشروع النادي التربوي،أو المشروع الرياضي للمؤسسة. إن مثل هذه المشاريع يمكنها أن تضمن الانسجام والتكامل بين مختلف الشركاء، ويتولى المجلس التربوي للمؤسسة ادوار التنسيق والتتبع وممارسة النقد البناء لمختلف الأنشطة التربوية المقترحة في إطار هذه المشاريع، كما يهتم بدراسة مشاريع الأندية، والأقسام ، والمتعلمين، وإدراج الكل ضمن مشروع التنشيط التربوي للمؤسسة.، مع ايلاء الأهمية للاحتفال بالأيام العالمية والوطنية بإشراك مختلف الفاعلين والشركاء في الحياة المدرسية.
منقول .
بالتوفيق للجميع.