طَلبَ بعضُ النَّاسِ إلَى الإِمَامِ الشَّافِعِي أنْ يَذكُرَ لَهُم دَلِيلاً عَلَى وُجُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَفَكَّرَ لَحظَة ، ثُمَّ قَالَ لَهُم : الدَّلِيلُ هوَ وَرَقة التُّوت . فتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ هَذهِ الإِجَابَة ، وتَسَاءلُوا : كيفَ تكونُ وَرَقةُ التُّوتِ دَلِيلاً عَلَى وُجُودِ الله ؟
فقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ : " وَرَقَةُ التُّوتِ طَعمُهَا وَاحِد ؛ لكِن إِذَا أَكَلَهَا دُودُ القَزِّ أَخرجَ حَرِيرًا، وإذَا أَكَلَهَا النَّحلُ أَخرجَ عَسَلاً ، وإذا أكَلَها الظَّبْيُ أخرجَ الِمسكَ ذَا الرَّائِحِة الطَّيِّبَةِ . فَمَن الذي وَحَّد الأَصلَ وعدَّد المخَارِجَ ؟
إنَّهُ اللهُ - سُبحَانهُ وتَعَالىَ - خَالقُ الكَونِ العَظِيم
الرَّجُلُ الْمُجَادِلُ
في يومٍ مِنَ الأَيَّام ، ذهَبَ أَحدُ المُجَادِلين إلَى الإِمَامِ الشَافِعِي ، وقَالَ لَهُ : كيفَ يكُون إِبليس مَخلُوقًا مِنَ النَّار ، وَيُعذِّبُهُ اللهُ بالنَّار ؟
فَفَكَّرَ الإِمَامُ الشَّافِعِي قَليلاً ، ثمَّ أحضَرَ قِطعةً مِنَ الطِّينِ الجَاف ، وقَذَفَ بِهَا الرَّجُل
فظَهَرَتْ عَلَى وجْهِهِ عَلامَاتُ الأَلَمِ والْغَضَبِ
فقَالَ لَهُ : هَل أَوْجَعَتْك ؟ قال : نَعَم ، أَوجَعَتْنِي
فقَالَ الشَّافِعِيُّ : كَيفَ تَكُونُ مَخلُوقًا مِنَ الَطّينِ وَيُوجعُكَ الطِّين؟
فَلَمْ يَرُد الرَّجُلُ وفَهِمَ مَا قَصَدَهُ الإِمَامُ الشَّافِعِي ، وأَدْركَ أَنَّ الشَّيْطَانَ كَذَلِك : خَلقَهُ اللهُ - تَعَالَى - مِنْ نَار ، وَسَوفَ يُعذِّبُهُ بالنَّار
الشَّكَّاك
جَاءَ أَحدُ الُمتَشَكِّكِين إلَى مَجْلِسِ الْفَقيِه ابنِ عَقيِل
فلَمَّا جَلسَ ، قَالَ لِلْفَقِيه : إِنِّي أَنْغَمِسُ في الماءِ مَرَّاتٍ كَثِيرَة ، ومَعَ ذَلِك أَشُكُّ : هَلْ تَطَهَّرْتُ أَم لاَ ، فَمَا رَأيُك في ذَلِك ؟ فقَالَ ابنُ عَقيِل : اذْهَب ، فَقد سَقَطَتْ عَنْكَ الصَّلاَة . فَتَعجَّبَ الرَّجُلُ وقَالَ لَه : وَكَيفَ ذَلِك ؟
فَقَاَل ابنُ عَقِيل : لأِنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَال : رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثَة
المْجُنونُ حتىَّ يفِيق ، والنَّائِمُ حتَّى يَستِيقِظ ، والصَّبِيُّ حتَّى يَبلُغ
وَمَنْ يَنغَمِسُ في المَاِء مِرَارًا - مِثلكَ - ويَشُكُّ هَل اغتَسَلَ أَمْ لاَ ، فَهُوَ بلاَ شَكٍّ مَجْنُون
الخَلِيفةُ الحَكِيم
كانَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ - رَضِىَ اللهُ عَنهُ - مَعْرُوفًا بالحِكْمَةِ والرِّفْقِ ، وَفِى يَومٍ مِنَ اْلأَيَّام ، دَخَلَ عَلِيِه أَحدُ أَبنَائِه . وقَالَ لَه : يَا أَبتِ ! لِمَاذَا تَتَسَاهَلُ في بَعضِ الأُمُور ؟فَواللهِ لَو أَنِّي مَكانَكَ مَا خَشِيتُ في الحَقِّ أَحَدًا . فقَالَ الخَلِيفةُ لابْنِهِ : لاَ تَعْجَلْ يَا بُنَىَّ ؛ فَإنَّ اللهَ ذَمَّ الخَمْرَ في القُرآنِ مَرَّتَين ، وَحَرَّمها في المرَّةِ الثَّالِثَة
وَأَنا أَخَافُ أَنْ أَحْمِلَ النَّاسَ عَلىَ الحَقِّ جُملَةً فَيدْفَعُوه ( أَيْ أَخَافُ أَنْ أُجْبِرَهُم عَلِيهِ مَرَّةً واحِدَةً فَيَرْفُضُوه ) فَتَكُون فِتْنَةٌ
فَانصَرفَ الابِنُ رَاضِيًا بَعْدَ أَن اطمَأَنَّ لِحُسنِ سِيَاسَةِ أَبِيه ، وعَلِم أَنَّ رِفقَ أَبِيهِ لَيسَ عَن ضَعفٍ ، ولَكنَّه نَتِيجَةُ حُسْن فَهْمِهِ لِدِينِه
الكَنْز
اشتَرَى رجلٌ بيتًا ليسكنَ فِيه، وبَدأ يحفرُ فِيهِ لعَمَلِ بَعضِ الإصْلاحَاتِ والتَجْدِيدَات ، فعَثَرَ علَى صُنْدُوقٍ مَلِيءٍ بالذَّهَبِ والأمْوَال . فَأخَذَ الرَّجُلُ الصُّندُوقَ ،وذَهَبَ بِهِ إلىَ الرَّجُلِ الَّذِي بَاعَ لَهُ البَيْتَ، وقَالَ لَه : يَا أخِي ! خُذْ هَذا الصُّنْدُوقَ ، فَقَدْ وَجدتُهُ في البَيتِ الَّذِي اشتَرَيتُهُ مِنْكَ، فَهُوَ مِنْ حَقِّكَ ؛لأنِّي اشتَرَيْتُ مِنكَ البَيْتَ وَلمْ أشتَرِ الذَّهَبَ فَقَالَ بَائِعُ البَيتِ : لاَ يَا أَخِي . إنمَّا بِعتُ لَكَ البَيتَ بِكُلِّ مَا فِيه . وَظَلَّ كُلٌّ مِنهُمَا يَرفُضُ أنْ يَأخُذَ الكَنْزَ ، فَاتَّفَقَا عَلَى أنْ يَذْهَبَا إِلَى القَاضِي . تَعَجَّبَ القَاضِي مِنَ الرَّجُلَيْنِ ،وقَالَ لَهُمَا: هَلْ عِنْدَكُمَا أَولاَدٌ ؟
فَقَالَ أحَدُهُمَا : عِنْدِي بِنْتٌ
وَقَالَ الآخَر : عِنْدِي وَلَدٌ
فَقَالَ القَاضِي : زَوِّجَا الوَلَدَ البِنتَ ، وأنفِقَا عَلَيهِمَا مِنَ الكَنْزِ ، فَوَافقَ الرَّجُلانِ عَلَى هَذا الحُكْمِ الذَّكِي
الشَّجَرَةُ الْبَعِيدَةُ
ذَهَبَ رَجُلٌ إلَى بَيْتِ صَدِيقٍ لَهُ فَلَم يَجِدْهُ ، فَأخَذَ يَبْحَثُ عَنْهُ ، حَتَّى وَجَدَهُ جَالِسًا تَحتَ شَجَرةٍ خَارِجَ البَلدَة ، فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ نَوَيْتُ السَّفَرَ ؛ فَخُذْ هَذَا المالَ أمَانَةً عِندَكَ حَتىَّ أرْجِعَ
وَبَعدَ فَترةٍ عَادَ الرَّجُلُ مِن سَفَرِه ، فَذَهَبَ إلَى صَاحِبِهِ ، وَطَلَبَ مِنْهُ المَالَ، فَأنْكَرَهُ
فَشَكَاهُ الرَّجُلُ إلَى القَاضِي . فَأحْضَرَ القَاضِي الصَّدِيقَ وَسَألَهُ ؛فأنْكَرَ وادَّعَى أنَّه لا يَعْرِفُ هَذه الشَّجَرَةَ . فَفَكَّرَ القَاضِي ، ثمَّ قَالَ لِلشَّاكِي
اذْهَبِ الآنَ إلَى تِلكَ الشَّجَرَةِ ، لَعَلَّكَ قَدْ دَفَنْتَ المَالَ تَحتَهَا، وَسَوْفَ يَجْلِسُ صَدِيقُكَ بِجِوَارِي حَتىَّ تَرْجِعَ
وَبَدَأ القَاضِي يَنْظُرُ فِي قَضَايَا أخْرَى ، وفَجْأَة نَظَرَ إلَى الخَصْمِ الجَالِسِ بِجَانِبِهِ وَسَألَهُ تُرَى هَل وَصَلَ صَاحِبُكَ إلَى الشَّجَرَةِ ؟ فَقَالَ الخَصْمُ : لا ؛ فَالمَكَانُ بَعِيدٌ . فَقَالَ القَاضِي : إذَنْ. فَأنْتَ تَعْرِفُ مَكَانَ الشَّجَرَةِ ، وَقَد أخَذْتَ المَالَ مِنهُ . فَاعتَرَفَ الرَّجُل ، فَأمَرَهُ القَاضِي أنْ يَرُدَّ المالَ لِصَاحِبِه ، وَعَاقَبَهُ عَلَى خِيَانَتِهِ
الحِيلةُ الذَّكِيَّةُ
تَرَكَ شَابٌّ مَالَهُ وَدِيعَةً وَأمَانَةً عِنْدَ رَجُلٍ ،فَلَمَّا احتَاجَ الشَّابُّ إلَى مَالِه، ذَهَبَ لِلرَّجُلِ وَطَلَبَهُ مِنهُ ، فَرَفَضَ الرَّجُل ، وَأنكَرَ أنَّهُ أخَذَ مِنْهُ شَيْئًا
فَشَكَا الشَّابُّ إلَى القَاضِي إيَاس ،فَطَلَبَ مِنهُ القَاضِي أَلاَّ يُخبِرَ أحَدًا بِالأَمْرِ
وَفِى اليَوْمِ التَالِي ، أرْسَلَ القَاضِي إلَى الرَّجُلِ ، فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ لَهُ : لَقَد عَرفْتُ أنَّكَ رَجُلٌ أَمِينٌ . وَعِندِي مَالُ أيتَامٍ أُريدُ أَن أعْطِيَهُ لَكَ كَوَدِيعَةٍ وَأمَانَةٍ ،فَأَمِّنْ بَيتَكَ ، وأَحْضِرْ مَعَكَ مَنْ تَثِقُ فِيهِ ؛ لِيَحْمِلَ مَعَكَ هَذِه الأمْوَالَ . وَبَعدَ أنْ خَرَجَ الرَّجُلُ وَهُوَ سَعِيدٌ ، أَرْسَلَ القَاضِي إلَى الشَّابِّ ، فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ لَهُ : اذهَبِ الآنَ إلَى الرَّجُلِ ، واطْلُبْ مِنهُ أَمْوالَكَ ، فَإنْ رَفَضَ قُلْ لَهُ : سَأشْكُوكَ إلَى القَاضِي إيَاس
فَذَهَبَ الشَّابُّ مُسرِعًا إلَى الرَّجُلِ ، وَطَلَبَ المَالَ ، فَرَفَضَ ، فَقَالَ لَهُ الشَّابُّ : سَأشْكُوكَ إلَى القَاضِي إيَاس
فَقَامَ الرَّجُل ، وَأحضَرَ الأمْوَالَ وَأعْطَاهَا لَهُ .وَهَكَذَا نَجَحَت حِيلةُ القَاضِي واستَردَّ الشَّابُّ أَموَالَهُ
الحُكْمُ السَّرِيعُ
كَانَ القَاضِي إيَاسُ بنُ مُعَاويَةَ مَشهُورًا بِالذَّكَاءِ وَالفِطنَةِ ، وَكَانَ بَعضُ النَّاسِ يَحسِدُونَهُ عَلَى مَكَانَتِهِ ، وَعُلُوِّ قَدْرِِهِ ، فَحَاولُوا أنْ يُشكِّكُوا فِي قُدرَاتِهِ
فَقَالُوا : إنَّ فِيهِ عَيبًا كَبِيرًا لا يَنْبَغِي أنْ يَتَّصِفَ بِهِ القَاضِي ، وَهَذَا العَيْبُ هُوَ تَسَرُّعُهُ فِي الحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ
فَلَمَّا عَلِمَ إيَاسُ بِمَا يَقُولُ هَؤلاَء النَّاس ،استَدعَاهُم ،وَأجلَسَهُم فِي مَجلِسِهِ ، وَرَحَّبَ بِهِم .
وَفِي وَسَطِ المَجْلِس ، فَاجَأ إيَاسُ الجَمِيع ، وَمَدَّ إحدَى يَدَيه ، وَسَأَلَهُم : كَمْ عَددُ هَذهِ الأصَابِع ؟ فَقَالُوا عَلَى الفَورِ : خمَسَةٌ . فَقَالَ : لِمَ تَسرَّعتُم فِي الإِجَابَة ؟! وَلِمَ لَمْ تَقُولُوا وَاحِد . اثنَان. ثَلاَثَة … وبِذَلِك تَكُونُونَ قَد أبْطَأتُم فِي حُكمِكُم وَتَريَّثْتُم ؟
فَقَالُوا : ولِمَ نُبْطِئ فِي عَدِّ شَئٍٍ عَرَفنَاه
فَقَال : وهَكَذَا أنَا ؛ لاَ أؤخِّرُ شَيئًا قَد تَبيَّنَ لِي فِيهِ الحُكم
الكَاذِبُ الفَصِيحُ
جَاءَ رَجُلٌ إلَى أحَدِ القُضَاةِ ، وقَالَ لَهُ : تَرَكْتُ مَالِي عِندَ أحَدِ أصْحَابِي ، فَلَمَّا طَلَبْتُهُ مِنْهُ قَالَ لِي : لَيسَ لَكَ عِندِي شَيءٌ
فَأمَرَ القَاضِي بِإحضَارِ المُتَّهَم ، فَلَمَّا حَضَرَ ظَلَّ الشَّاكِي يَقُولُ لِلقَاضِي : أُقسِمُ بِاللهِ أنَّ مَالِي عِندَهُ وَدِيعَة
فَتَعَجَّبَ القَاضِي مِنَ الرَّجُل ؛ لأنَّهُ أَقسَمَ بِاللهِ دُونَ أنْ يُطلَبَ مِنهُ، وَأحسَّ بِكَذِبِ هَذَا الرَّجُل فِي ادَّعَائِه
فَفَكَّرَ القَاضِي قَلِيلاً ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : بَل قُلْ : أُقسِمُ بِاللهِ أنَّ نُقُوديَ عِندَ هَذَا الرَّجُلِ وَدِيعَة
فَارتَبَكَ الرَّجُل ، وَتَردَّد ،وهَكَذَا فَهِمَ القَاضِي الذَّكِي حِيلةَ الرَّجُل ،لأَنَّهُ قَال : مَالِي عِندَهُ وَدِيعَة. وَهَذَا الكَلامُ يَحتَمِلُ مَعنَيَين
المعْنَى الأولُ هُوَ : لَيسَ لِي عِندَهُ مَال
والمعْنَى الثَّانِي هُوَ : مَالِي قَد أخَذَهُ هَذَا الرَّجُلُ وَدِيعَة . فَعَاقَبَهُ القَاضِي عَلَى كَذِبِهِ وَافْتِرَائِه