المرحاض: فضاء المدنس ورهبة المقدس

* ذ. إدريس الكرش *

المرحاض في قاموس العرب هو المغتسل، اسم مكان للاغتسال والطهارة، ويدعى بيت النظافة، وبيت الخلاء، وتعني اللفظة أيضا خشبة يضرب بها الثوب عند التصبين. أما في لغتنا العامية وما يحمله الموروث الشعبي، فقد تعددت الأسماء بتعدد المناطق ببلادنا: الميضة – بيت الما- الكابينة – الطواليط - ويحلو لإخواننا المشارقة تسميته بـ: دورة المياه- الحمام- وقد اشتق المغاربيون "كابينا" من معنى بيت النظافة باللغة الفرنسية، أما الإنجليز فيكتبون على أبوابها: المياه المغلقة. وقد عرف المرحاض منذ القدم إذ أن هناك حفريات أركيولوجية تؤكد تواجده بالعصر الفرعوني، لكنه لم يظهر بشكل جلي على مستوى العمران إلا بداية القرن العشرين عند اليابانيين باعتبارهم من الشعوب التي اهتمت بالنظافة من خلال فكرة الصرف الصحي، في تجمعاتهم الحضرية، وانتقلت الفكرة وتطورت إلى مجموعة من الشعوب التي أبدعت في هيكلتها. ولازالت بعض الدول العربية تتبنى طريقة تقليدية في الصرف الصحي، وتعتمد أنماط الحفر الكبيرة، التي تنكس بواسطة شاحنات، وهي طريقة لها إيجابياتها على المستوى البيئي والإيكولوجي، حيث عدم تصريف الملوثات لمياه البحار والأنهار، وهو نمط إنجليزي قديم، لازالت الأسر المغربية تتبناه في البوادي. اهتم الاسلام بالمرحاض اهتماما شديدا نظرا لارتباطه بالمقدس، المتجلي في الاستنجاء كأول خطوة في الطهارة والوضوء، وخص الرسول(ص) الفضاء بأحاديث، كما سنت آداب لكيفية استعماله.

المدنس: المرحاض فضاء لتصريف البراز والبول وغالبا ما يكون مقرونا برشاش الحمام، مما يضفي عليه هالة بيت النظافة، وإزالة الأوساخ، وينقسم إلى قسمين: تقليدي وهو الذي يعتمد فيه جلوس القرفصاء، إذ أثبتت الدراسات صحية الجلسة حيث سلاسة عملية خروج الغائط دون الضغط على المعي الغليظ. أما النوع العصري هو شبيه بالكرسي مريح بالنسبة للعجزة والشيوخ وينصح بإضافة كرسي أمامي لوضع الأقدام لتحقيق جلسة جثوم مريحة كم هو الشأن لدى النمط الأول. ارتبط المرحاض كفضاء مدنس نجس، بمقرات للجن، والأرواح الشريرة.

المقدس: المسلمون يمتنعون عن الكلام داخله، لأسباب متعددة منها: أن المسلم البالغ محاط بملكين يلازمانه أينما حل وارتحل يسجلان حسناته وسيئاته، فيمتنعان عن دخول المرحاض مع المرافق لنجاسته، لكن الإنسان بمجرد تكلمه داخل الكنيف، يجبرهما على الدخول، لإتمام واجبهما، لذا يلتزم المسلم الصمت خوفا من ولوج المقدس لفضاء المدنس، كما أن المسلم يحرص على عدم إدخال أي شيء مكتوب باللغة العربية للمرحاض، سواء كان ورقيا أو منقوشا على الفضة والذهب، كالسلاسل المدون عليها اسم الله، ولسنا علماء متخصصين في الدين حتى نسهب في الموضوع ونأتي بما يبرر ذلك من أحاديث، لكننا نعتمد على ما تشبعنا به من قيم إسلامية في أوساطنا التربوية من مسيد وأسر... كما أن هذا الموضوع خضنا فيه لإشباع نهم طلبة باحثين، طلبوا منا ذلك.

* بيت الراحة: هناك من يعتبره بيتا للراحة والخلوة، يتجرد فيه الإنسان من ملابسه حيث يخاطب حقيقته المزيفة بالملابس، ويحس فيه المتجبر بمرحلة الحضيض التي يتساوى فيها مع كافة الناس، ويعد المرحاض أهم درس يتلقاه المتعالون في الأرض، حين ينزلون من بروجهم العاجية ويخرجون براز الدنيا، وهي مرحلة الحضيض لدى الإنسان، ويحس المرء بالراحة لتخلصه من ثقل الغائط المؤرق حيث تفرغ الأمعاء.

* المرحاض والمبدعون: للمبدعين طقوس لاتوجد لدى عامة الناس، إذ يعتبر مكانا مناسبا لإثارة الزوبعة الفكرية التي تتولد عنها أروع القصائد والأفكار، ونواة لمؤلفات أربكت تاريخ الإبداع على مدى عصور، ولازال السؤال مطروحا حول الظاهرة، بمعنى: ما علاقة الإبداع بالمرحاض؟ ولعل طرحنا هذا يعتمد على طروحات مجربة واعترافات لأشهر الكتاب والمبدعين والعباقرة.

*باحث في التراث الشعبي

» كاميرا خفية ثعبان في المرحاض
» فضاء الرياضيات
» جرائم مثيرة خيمت على فضاء طنجة
» تجميعة فضاء التربية والتكوين للإمتحانات المهنية
» تخطيط المرحلة 4 مرجعي فضاء الرياضيات وMes appretissages

المرحاض: فضاء المدنس ورهبة المقدس

المرحاض: فضاء المدنس ورهبة المقدس

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة