عبد المجيد بنمسعود، مفتش تربوي ممتاز وباحث في علم النفس التربوي: لابد من مجهود لإنقاذ الأمل في مستقبل الأمة
التجديد
التجديد : 02 - 06 - 2012
1- باعتباركم فاعلا تربويا ، كيف تقيمون وضعية الأطفال المغاربة؟ وما هو حجم التهديدات التي تواجه أمل المغرب في المستقبل؟
الأطفال وديعة غالية في يد المجتمع استودعه الله إياها، وهو إن رعاها حق رعايتها وأبلغها مأمنها، وما هي مؤهلة له من كمالات وفق قانون الفطرة التي فطر الله الناس عليها، يكون قد جسد ذروة البطولة، وضمن سرالقوة والاستمرارية، ووطد دعائم الحضارة الإنسانية الراشدة، والمفعمة بالإبداع والواعدة بالخصب والعطاء، وقدم المثل الأعلى للأبوة الحانية التي ترعى جوهر الطفولة كما ترعى كل الجواهر النفيسة والدرر الغالية، وتصونها من كل ابتذال، أما إذا وقع التفريط والإهمال في تلك الوديعة، فإن ذلك يكون إيذانا بوقوع كارثة إنسانية محققة، تجعل المسؤولين عنها جديرين بأن يوصموا بالعار ويدمغوا بالخيانة لله والوطن والناس أجمعين، وبأن يبوءوا باللعنة لأنهم أهدروا خميرة النجابة وهدموا بنيان الله.
وضعية الأطفال المغاربة للأسف الشديد في غاية السوء ، لأنها تفتقد لأغلب المقومات التي تؤهل هؤلاء الأطفال لأن يكونوا عناصر للخير والنماء، وروافد للقوة والبناء، وأعني بتلك المقومات، ما يتعلق بشقها المادي وشقها المعنوي، اللذين لا بد أن يتضافرا لإنجاب طفولة تتألق في سماء الوجود الإنساني، علما وأخلاقا وابتكارا وإبداعا.
إن طفولة من هذا العيار لا يمكن أن تنبت في تربة قاحلة تشكو من الفقر المدقع على مستوى تلبية الحاجات الحيوية للأطفال، من غذاء وكساء وإيواء ودواء، مثلما تشكو من الفقر على مستوى الإشباع النفسي والتربوي والثقافي، إنه فقر مركب وعميق، يشكل انعكاسا لبناء اجتماعي غاية في اللاعدل واللاستواء، وفي غاية الغربة عن نفسه، بسبب افتقاده أو تضييعه للإطار الفلسفي والتشريعي الناظم الذي يحدد خارطة الطريق وقانون السير على حد سواء، فينتج عن هذا التضييع الآثم، أن تصبح الهوية الضامنة للتوازن والاستواء، في مهب الريح .
2- في نظركم، من يتحمل المسؤولية في التنشئة الاجتماعية السليمة للطفل؟ وما حدود مسؤولية كل طرف؟
المسؤولية في هذا الأمر الجسيم ملقاة على المجتمع بجميع أنظمته ومؤسساته وأجهزته، جهازا سياسيا و نظاما تعليميا ونظاما إعلاميا وسياسة ثقافية، غير أن رأس الحربة في وظيفة التنشئة إنما تمثله مؤسسة الأسرة بما تملكه من مقومات وأسرار، فهي إن أحسنت جاء النسل على قدر من القوة والحسن، ولكن شريطة أن لا تتعرض جهود الأسرة للمشاكسة والنقض والإلغاء من الأطراف الأخرى، وهنا لابد أن نأخذ بعين الاعتبار اتساع مفهوم الأبوين الوارد في حديث الفطرة، ليشمل كل ما توظفه الدولة والمجتمع في سياق عملية الضبط والتنشئة والتثقيف، الأمر الذي يجعل عملية التهويد أو التمجيس أو التنصير منسوبة لكل تلك الأطراف على تفاوت في الدرجة. ولا يمنع هذا الاعتبار اعتقادنا بصدارة مفهوم الأبوين بمفهومه الضيق، على مستوى المسؤولية العظمى لتنشئة الأجيال، التي يترتب عنها إما جمع يلتئم به شمل المجتمع، وإما جذع يؤدي إلى التمزق والضياع. فالخطر كل الخطر، أن تنجح جهود أعداء الأسرة في الإجهاز النهائي على حصنها.
3- يكشف الواقع المعاش عن وجود حالات إدمان للأطفال على بعض المحظورات رغم صغر سنهم. برأيك، ما تأثير ذلك على شخصية وسلوك الطفل؟
إن الأمر لا يتعلق هنا برأي، بقدر ما يتعلق بواقع مرير، ومشهد مأساوي خطير يتجرع الأطفال الأبرياء تبعاته ووقعه العنيف، تمزقا مريعا واضطرابا فظيعا، فما ظنكم بكيان طفولي تجتمع عليه معاول التخريب من كل لون: مخدرات تنهش الأجسام، ومواد إعلامية سامة تجهض الأرواح، وبرامج تعليمية تغتال العقول؟ ما ظنكم بواقع أمني مهزوز يخلي بين الأطفال، وبين عصابات الإجرام .
إنه لا يجوز لنا أن نتحدث هنا عن شيء اسمه الشخصية، ولكن عن جسم منخور، وكيان مقهور، يعيش الظلم في أعتى مظاهره، والبؤس في أشنع صوره. إنه لا بد من وقفة جادة يقفها المجتمع بجميع هياكله ومؤسساته وأجهزته ومنظماته، لإنقاذ الطفولة، ومعها إنقاذ ماء الوجه، وإنقاذ الأمل في إنقاذ مستقبل الأمة من الضياع والإهدار.و صدق الله القائل في محكم كتابه «أو كلما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم»