صــمـــت الــــوداع

نظرت
إلى عيونه علني أجد لمحات البقاء معلقة في شرفات مصيري ، لكني وبكل صدق لم
أجد وقتها سوى أرض جدباء وقفر يعانق ثواء الرحيل ، لا أعلم لكني أحسست أن
كل شيء فيه بات يدعو للرحيل ، صمته ونظراته وملابسه وأنفاسه وخفقات قلبه ،
حتى ابتسامته العطوفة كانت تحمل معنى الرحيل ، أما نظراتي وحدقاتي كانت في
حزنها وصمتها تتوسل ،رغم كل شيء كنت أرفض رحيله ، لم يكن لدي سوى حلم نقشته
داخل عينيه ،كلما حملقت فيهم وجدته يرفرف ويغني مع الطيور والغيوم ، أما
الآن فمات الحلم في هدب عينيه ، قتله ذاك الرحيل .. لا زلت أتذكر أننا كنا
نقف في بوابة الجرح ،الوقت كان ليلاً وأشعة القمر الفضية تخترق صمتي وحرقتي
، دقت الساعة لتعلن أنها الثانية عشر من منتصف الليل ، وأنتصف معها عذابي
كالسيف يجتز قمم سعادتي وسلوتي ، أما النجوم فهي الأخرى كانت ساجدة في
محراب عيوني تناجي قلبي واحاسيسي المحترقة ، نعم أنتصف الليل كما ينتصف
الحد الفاصل بيني هلاكي ورحيله ،لم تكن رغباتي طائلة على عنق زجاجة الصبر
،لتكسر ذلك الانتظار في بوابة الرحيل ، كنت فقط أنتظر لحظات العناق ، أن
تجذب نحو صدرك آخر حلم أقرضته الحياة إليك ، ثم تنتهي مدة دفع قروض سعادتي
كلها ولم تكفي ليبقى معي ،، وتساقط المطر من عيوني كما تتساقط صخور
الجبال إلى الوديان ،لتهدم قاع حلمي ، وهكذا ظل الوداع صامت ، دون حشرجة
الأصوات ونواح الأماكن ، لكنما العيون فقط من كانت تدعوه في ومضات التأمل ،
اثنيت حلم آخر وشوقي يتأرجح بين الأمس واليوم ، رغم فقداني بصيص الأمل
ويقيني أنه سوف يرحل ، ظلت عيوني تنظر وتفند رحيله وتتصور أنه سوف يدير
وجهه ليعود ، لكنه رحل ولم يعد .
منقول للامانة
تحياتي لكم
شمس المنتدى