العقاب والعنف وما بينهما
د. محمد زيّاد
كثيراً ما يخلط جمهور المعلّمين ما بين العقاب والعنف في مواجهة سلوكيات
تلاميذهم غير السويّة. فالعقاب أسلوب ردع يهدف إلى خفض السلوك غير المرغوب
به، ويعرف إجرائياً حسب المدرسة السلوكية،
أي أنّه يحكم عليه بناء على نتائجه. فإذا أراد المعلّم خفض السلوك المزعج
في الفصل وقام بالصراخ في وجه التلاميذ أو وجّه لهم اللوم او التوبيخ على
السلوك الذي قاموا به، وهدأ التلاميذ لدقائق معدودة، ثم قاموا بعد ذلك
بتكرار السلوك المزعج ذاته، فإن الصّراخ أو التوبيخ الذي قام به المعلّم لا
يعتبر عقاباً، لأنه لم يؤدي الى النتيجة المرجوة. وهذا يقال تقريباً- وفق
النظرية السلوكية- على كل شيء يقوم به المرء لردع الآخر عن القيام بسلوك
غير مرغوب به. ومن بين العقوبات، يمكن أن يكون الحرمان، أو التوبيخ، أو
العقاب بحذف امتيازات، أو انقاص علامات، أو حتى عزل التلميذ عن المكان، أو
فصله من المدرسة لمدة معيّنة وغير ذلك من العقوبات المسموح بها. وعلى جميع
الأحوال، يهدف العقاب على كافة أشكاله الى خفض السلوك غير المقبول
اجتماعياً، أو الحد منه بشكل ملحوظ قياساً للسابق. فإذا حقق العقاب النتائج
المبتغاة، فنقول عندها بأن العقاب نجح وحقق اهدافه. إذاً، فالعقاب بحد
ذاته، ليس بالأمر السيء، وهو سلوك تربوي مقبول طالما لم يتجاوز المستوى
الذي يتحول فيه الى عنف.
لكن المشكلة عندما يتحول العقاب المدروس الى
عنف. فالعقاب يتحول الى عنف، أي أداة غير تربوية، عندما يقوم المعلّم أو
البالغ بإهانة التلميذ أو التنكيل به سواء كان جسدياً، أو نفسياً، أو بأي
طريقة أخرى قد تمس في كرامته كالتنكيل الجنسي. وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية
التمييز ما بين العقاب التربوي، كأداة رادعة، والعنف كطريقة للحد من
السلوك. ففي العقاب يتعلّم الطفل سلوكيات جديدة من خلال دفع ثمن يتناسب مع
حجم السلوك الذي قام به، ويفضل أن يكون العقاب من نوع السلوك الذي يقوم به
التلميذ، أي أنّه إذا أساء التصرف أثناء تواجده في المختبر أو مكتبة
المدرسة، فإنه يمنع من التمتع بالأدوات والخدمات المقدّمة في المختبر أو
المكتبة لعدد من المرات القادمة. أو إذا قام الطفل بالكتابة على الحائط في
المدرسة أو مرافقها، فإنّه يغرّم بمسح كل الحائط وتنظيفه، أو تنظيف كل
المقاعد أذا أساء استخدام المقعد، ويمكن أن يدفع الطفل ثمن الزجاج الذي
حطّمه، بالتنسيق مع أهله من مصروفه الخاص، أو من ثمن لعبة كان الأهل على
وشك شرائها له. لكن العنف في المقابل، وإن كانت نتائجه أحياناً سريعة، مثل
الاعتداء على التلميذ بالضرب أو توبيخه وإهانته أمام طلبة المدرسة، إلاّ أن
هذا العمل سيؤدّي إلى تبعيّات خطيرة على شخصية المتعلّم، كتقييم ذاتي
ضعيف، وشعور الطفل بعدم القيمة أمام الآخرين، ولن يثنيه هذا في المستقبل عن
اقتراف سلوكيات قد تكون لها أبعاد أخطر عليه وعلى المجتمع، لأنه لم يقدم
للطفل البديل التربوي، إنّما ساعد المعلّم على ضبطه وحل مشكلته مؤقتاً،
لكنه دون أدنى شك سيترك بصماته السيئة على الطفل للمستقبل. وفي النهاية يجب
الحرص على توفير البدائل السلوكية المرغوبة وتشجيع الأطفال عليها قبل
الإقدام على المعاقبة على كل سلوك دون توفير بدائل تربوية تمكّن التلاميذ
من التعبير عن ذاتهم.
تعلّم وتعليم: قضايا تربوية معاصرة