كثر الحديث مؤخرا عن الإطار الذي تطالب به الجمعيات المهنية للإدارة التربوية ( الجمعية الوطنية لمديرات ومديري الثانويات العمومية بالمغرب ، الجمعية الوطنية لمديرات ومديري التعليم الابتدائي ، وجمعية الحراس العامين والنظار ومديري الدروس ورؤساء الأشغال ) رابطة إياه في شعاراتها بالكرامة وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية ، وقد تمخض عن ذلك نقاش مستفيض بين المهتمين، انقسمت الآراء بين المؤيدين والمعارضين .
الرأي الأول : يعتبر أن خلق الإطار لفئة الإدارة التربوية نقلة نوعية ، من منهج التسيير إلى منهج التدبير ومن منطق تنفيذ التعليمات إلى منطق الابتكار والخلق والإبداع ، دون الركون في المكاتب الإدارية وانتظار ما سيأتي ، أو لا يأتي من مراسلات ومذكرات ..والاكتفاء بالإجابة عن طلبات الإدارة المركزية أو الجهوية أو الإقليمية .
ويضيف أصحاب هذا الرأي أن الإدارة التربوية بالمؤسسات التعليمية ببلادنا بدون هوية قانونية لأن المشرع المغربي استثناها من التقعيد القانوني في النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية الصادر في شكل مرسوم سنة 2002 ، حيث احتفظ لممتهنيها بوضعيتهم الإدارية كأساتذة ، أما المهام التي تقوم بها هذه الفئة داخل المؤسسة التعليميةلا تعدو ان تكون إلا تكليفا ، مما انعكس ذلك سلبا على أدائهم وعلى العلاقات الوظيفية بين الفاعلين والمجتمع المدرسي .
الرأي الثاني : يعارض مسالة الإطار ويعتبر المنادين بها لا يعرفون واقع المدرسة المغربية ، وأنه لا يمكن تسيير المؤسسات التعليمية إلا بما هو متوفر، لأن الإدارة التربوية المدرسية بوضعها الحالي تراكمت لديها تجارب جيدة ، وأي تغيير سيولد مجموعة من الصراعات بين أطراف العملية التعليمية ، وسيكون هناك نوع من التنازع على السلطة ، وسيخلق ارتباكا وقطيعة بين مختلف مكونات المجتمع المدرسي ، زيادة على ذلك حتى وإن منح الإطار، فلن يغير من وضعية تسيير المؤسسات ، لأن ذلك مرتبط بالعقليات والذهنيات والقدرات والسلوكيات لدى نساء ورجال الإدارة التربوية .
لعل أصحاب الرأي الأخير ينطلقون من تصور غامض حول مفهوم الإدارة التربوية كما حدد في الأدبيات التربوية العالمية التي أسالت المداد الكثير في التنظير لها، وأبرزت دورها الفعال في إنجاح جميع الإصلاحات التي أجرأتها على مستوى واقع مؤسساتها التعليمية . الشيء الذي لم تستطع أن تحدو حدوه منظومتنا التربوية ، ولم تنفلت من مفهومها ورؤيتها التقليديين لمهام المدير ومساعديه (النظار- مديرو الدروس – الحراس العامون – رؤساء الأشغال ...) ، مغيبة بذلك الفاعلين الميدانيين وعدم إشراكهم والأخذ بآرائهم في مجموعة من القرارات الكبرى ، على الرغم من الدور المحوري والإجرائي الذي يقومون به .
هذا الأمر جعل الإصلاحات خارج أسوار المؤسسات التعليمية ومركونة في المكاتب الإدارية .لأن الإكراهات الذاتية والموضوعية حدت من فاعلية الإدارة التربوية ووجدت نفسها تدور في كنف المشاكل اليومية ، غارقة في إنجاز التقارير والإجابة عن المراسلات والإحصاءات وفض النزاعات ، أما الحياة المدرسية بأبعادها التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية تكاد تكون مغيبة ،والسؤال التربوي الذي من المفروض الإجابة عليه يبقى معلقا إلى حين .
فمطلب الإطار لدى الجمعيات المهنية لم يأت عرضا أو من فراغ وإنما انبثق من معاناة حقيقية على أرض الواقع ، وليس الهدف منه تحسين الوضعية المادية لنساء ورجال الإدارة التربوية – وإن كان ذلك حقا مشروعا – ولكن الهدف الأسمى هو تحصين المؤسسة التعليمية و تحديد المسؤوليات وتقنين أساليب العمل داخلها . مما دفع الوزارة إلى تشكيل لجنة موضوعاتية ضمت فريقا من الوزارة وآخر من الجمعيتين للنظر في الاقتراحات المقدمة ، وقد أكدت الجمعيات على ضرورة خلق هوية قانونية لفئة الإدارة التربوية ، مطالبة بتحديثها باعتبارها مهنة وليست مهمة . وتكوين أساس ومستمر لها مع تحديد المسؤوليات التي تضطلع بها ، وتمكينها من صلاحيات تؤهلها لاتخاذ القرار المناسب في إطار التشريعات المعمول بها.مستنتجة من التجارب الدولية أدوارها ، كأطر إدارية تمارس مهنة محددة بقانون تنظيمي مدقق ، واضح و قابل للتقويم والمحاسبة .
ذ بوشعيب حافظي
رئيس فرع مراكش للجمعية الوطنية لمديرات ومديري الثانويات العمومية بالمغرب