رغم المستوى الهزيل لحصيلة تلامذتنا في اللغة الفرنسية، وهو ما كشفت عنه الأبحاث والدراسات التي تناولت نتائج «إصلاح التعليم» في مجال تدريس اللغات بالخصوص، مازالت جهات حكومية كثيرة ببلادنا تصرّ على التواصل مع المواطنين باللغة الفرنسية وبها وحدها فقط؛ وهو ما يعطي مبررا لكثير من المؤسسات الخاصة في حذو حذوها عملا بالبيت الشعري القائل:«إذا رأيت ربّ البيت للطبل ضاربا/ فلا تلومَنّ أهل البيت عند الرقص».
المصيبة أن الأمر لا يتوقف عند مجال التواصل المكتوب وإنما يتعداه ليشمل كثيرا من المجالات التي يفترض فيها أن تظل بمنأى عن كل «تداخل» لغوي، وعلى رأسها الإعلام المسموع المرئي، بحيث صارت الفرنسية هي لغة التواصل الرئيسية (في معظم الإذاعات الخاصة، مثلا) مما يرسّخ لدى الناس خلطا كبيرا بشأن هويتهم اللغوية، خاصة في ظل وجود جهات تسوّق هذا الوضع الغريب باعتباره علامة من علامات التقدم والتطوّر (وهو أمر مغلوط طبعا، بحكم التراجع الذي تعرفه هذه اللغة – وفرنسا معها- على الصعيد العالمي أمام صعود أمم أخرى ولغات أخرى على رأسها الإنجليزية والإسبانية).
لذلك ينبغي لنا أن نتحلّى بما يكفي من الشجاعة ونعترف بأن هذا الإصرار على نشر اللغة الفرنسية بالقوة لن يؤدي أبدا إلى «عصرنة» المجتمع و«تحديثه» وربطه بالعصر وإنما سيؤدي عكس ذلك إلى تخريب الهوية الوطنية وفصل بلادنا عن العالم والعودة بمجتمعنا عشرات السنوات إلى الوراء؛ وعلامات ذلك باتت ظاهرة من الآن، في هؤلاء الناس الذين نشاهدهم أو نسمعهم يتحدثون أمام كاميرا التلفزيون أو على أمواج الإذاعة، غير قادرين على تشكيل جملة واحدة مفهومة سواء بالعامية المغربية أو الفرنسية أو بأية لغة أخرى، تماما مثل الغراب الذي حاول تقليد مشية طير آخر ففقد
مشيته إلى الأبد.