ou3mmi مشرف منتديات الأخبار والمال والأعمال
الجنس : عدد الرسائل : 1088 العمر : 46 العمل/الترفيه : prof البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 06/01/2009 نقاط : 2429
| موضوع: تفاقم الاختلالات في المنظومة الاقتصادية العالمية زمن العولمة وتأثيراتها على المغرب الأربعاء مارس 25, 2009 5:15 am | |
| الحسين بوخرطة Monday, March 23, 2009 يعيش الاقتصاد العالمي اليوم أزمة لم يشهد لها مثيلا منذ 60 عاما. إن الوضع المشجع والملائم الذي افتخر به رواد الليبرالية منذ منتصف سنوات 2000 والذي ساد العالم منذ ذلك التاريخ ساء حاله. لقد خاب ظن المستثمرين، والمقاولات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، والشركات العابرة للقارات متعددة الجنسيات الذين اعتقدوا كون المستقبل سيكون مضيئا ومتقدما بشكل دائم. لقد اقتنعوا أن تبخيسهم لقيمة المخاطر كان خطأ وتعبير عن سوء تقديرهم لمسار العولمة. فنظرية السوق كمكان طبيعي قادر على تحقيق التوازن بشكل أوتوماتيكي بدون تدخل الدولة لم يمكن الاقتصاد العالمي من مقاومة مخاطر الأزمات. ومن خلال تتبعنا للتحليلات بشأن الأزمة المالية الآنية، استنتجنا كون هذه الأزمة ابتدأت بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية ثم تحولت إلى أزمة سيولة جراء تراجع حجم الودائع. إنه تراجع في مستوى الثقة في الاقتصاد وطنيا ودوليا والذي تمخض عليه انخفاض في حجم القروض بسبب انخفاض الطلب وتردد الأبناك جراء ضعف قدرتهم على المجازفة. وقد أدى تفشي التشكيك في نجاعة الاقتصاديات العالمية إلى الزيادة من حدة انخفاض طلب السيولة من أجل الاستثمار والاستهلاك.ونظرا لخطورة الوضع وتأثيراته على الدول من كل الجوانب، ارتأينا التركيز في هذا المقال على ثلاث جوانب. يتعلق الجانب الأول بالوضع العالمي الحالي للأزمة بشكل عام [1] والثاني بتأثير هذه الأزمة على المغرب كبلد سائر في طريق النمو وحريص على تأهيل اقتصاده ومجاله السياسي على السواء [2]، والثالث بالإجراءات التي تم اتخاذها لمواجهة الأزمة على الصعيد الدولي (التدخل العاجل والترتيبات الممكنة ومحدودية الضمانات لتجنب تكرار حدوثها [3].1ـ الوضع العالمي الحالي للأزمة المالية لقد اجتمعت جميع مقومات الأزمة عندما عرف ثمن السكن وبعض الأصول ارتفاعا كبيرا، وظهرت الأصولات المشوبة بالمجازفة وبيعت وكأنها عادية مما سبب في وقوع تأثير معاكس لمنحى منحنى أسعار السكن وتم اللجوء إلى القروض الرهنية المصحوبة بالمجازفة والمخاطر. وقد ساهمت كثافة قروض السكن التي تم منحها للأمريكيين بنسب متحركة وبدون ضمانات كافية من التعجيل بانهيار الهياكل المالية ومن تم انفجار الأزمة. لم يستطع عدد كبير من الأمريكيين من سداد ديونهم بسبب ارتفاع نسبة الفائدة. ومما زاد الأمر تعقيدا كون هذه الأصول، والتي أطلق عليها اسم "الأصول السامة"، تم بيعها من طرف الأبناك الأمريكية في العالم بأسره مما دفع بالمؤسسات المالية إلى القيام بالمضاربات في هذه الأصول. لقد خاب الأمل بالفعل في منظومة السوق الوحشية. فالطبقة المتوسطة المستفيدة عاشت مفارقة غريبة. فإضافة إلى أجورها المتدنية والغير القابلة للارتفاع، أدت الزيادة في نسب الفائدة إلى تدهور حالتها المادية وبالتالي إلى عدم قدرتها على استرجاع ديونها (حالة إفلاس). وبصيغة أخرى، لقد تضخم رأس المال وضعفت بالموازاة القدرة الشرائية وازداد فقر الطبقة الوسطى.على أي، فبالرغم من الأزمة الحالية، لا زال الاقتصاد العالمي بعيدا عن الكارثة المالية. فتدخل الدول المتقدمة لتلطيف أضرار الأزمة حال دون الإعلان عن النكبة الاقتصادية. فمباشرة مع اندلاع الأزمة في المنظومة المالية العالمية، أعلنت الاقتصاديات المتقدمة الأساسية مجموعة من التدابير المنسقة بصورة متزامنة لمواجهة الآفة. فإضافة إلى عمليات ضخ السيولة المالية في الاقتصاديات بشكل متزامن، وضعت السلطات العمومية برامج مدروسة لإعادة شراء الأصولات المشوبة بالمخاطر، وتعويم المؤسسات المالية المتضررة بالمال الضروري وتقديم الضمانات لكل القروض المشكوك في استرجاعها. وما زاد الأمر تعقيدا كون هذه المبادرات ليست بالأمر الهين ومضمونة. إنها إجراءات معقدة وتفعيلها غير خال من العيوب لأن الحكومات ليست متأكدة من وقعها وتأثيراتها على الأزمة. وهناك من اعتبر هذه المبادرات مجرد تحسس وتلمس لإيجاد الخليط المناسب من الإجراءات لمواجهة هاته الآفة.وعليه، فالإشارات الأولية المنبعثة من الأسواق المالية ترجح فرضية كون المبادرات السالفة الذكر في طريقها لتحقيق الأهداف المنشودة على المدى القصير. كما أن هذا الانفراج الإيجابي لا يسمح بإعلان الخلاص بصوت عال. فالبرغم من تقليص خطورة الأزمة على المستوى الاقتصاديات المتقدمة، تأثيراتها السلبية على الاقتصاديات النامية لم تتوقف عن الاستفحال. فهذه الدول الضعيفة التي تتطلع إلى التنمية أصبحت تعيش اليوم تراجعات أو توقفات مباغتة لأنشطتها الاقتصادية، وضغوطات على نسب الصرف وتهديدات الانزعاجات المالية بالرغم من عدم مسؤولياتها عن الأزمة. إضافة إلى كل هذا، فبالرغم من انهماك المسؤولين بالدول المتقدمة في البحث عن الإجراءات المناسبة وتفعيلها بشكل سليم، تفاقمت تأثيرات الأزمة على الاقتصاديات الحقيقية (Economies réelles) . إن إلغاء القروض على المؤسسات المالية أدى إلى رفع سعر القروض بالنسبة للأسر والمقاولات وإلى تعقيد صعوبات التمويل خصوصا في وجه الأنشطة التجارية الجارية. إن التخوفات من الزيادة في خطورة وطول التراجع الاقتصادي إلى درجة شبيهة بوضع سنوات 1930 خلقت قلقا كبيرا خصوصا في مجالات الشغل، والادخار، والقروض وبالتالي انهيار مصاريف الأسر جراء ضعف قدرتهم الشرائية، وانكماش الاستثمار بالنسبة للمقاولات والارتفاع السريع للبطالة.وأمام هذه المتغيرات التي يعرفها العالم زمن سيطرة الليبرالية المتوحشة، تفاقمت أزمة الثقة في المستقبل. فالنسبة لسنة 2009، عمد صندوق النقد الدولي إلى مراجعة توقعاته بإعلان تراجع إنتاج الاقتصاديات المتقدمة ب 0.25 بالمائة. إنه الانكماش الأول من نوعه الذي يعرفه العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأمام هذا الوضع، لا يمكن التكهن بتحقيق مستو ايجابي للنمو سنة 2010 إلا إذا تحققت فرضية استرداد قطاع البنوك لعافيته وكذا الاستمرار ببطء في إلغاء الديون على المؤسسات المالية. وفي حالة تحقيق هذه الفرضيات، سيكتنف الغموض وضع الدول النامية بسبب الضبابية التي تميز آفاق النمو الاقتصادي العالمي، وانهيار أسعار المنتوجات الأساسية وصلابة شروط الولوج إلى التمويل.وعلى هذا الأساس، يبقى هاجس استرجاع الثقة في المستقبل جد نسبي. ومن ضمن المؤشرات التي ترجح التفاؤل كون انخفاض المصاريف غير مرتبط تماما باستفحال المواقف التشاؤمية عند الفاعلين الاقتصاديين، بل فقط بمشاعر التردد التي تنتابهم جراء هذه المتغيرات المباغثة مما يدفعهم إلى تأجيل مصاريفهم في انتظار الرفع من مستوى التفاؤل بآفاق الاقتصاد العالمي. وعليه، فإعادة إقلاع الاستهلاك والاستثمار يبقى أمرا واردا كما تبقى فرضية استفحال الوضع واردة كذلك. إنها خاصية النظام الليبرالي الذي تنعدم فيه الوثوقية. فلا أحد يمكن له أن يحدد إلى أين نسير؟. إن انخفاض الإنتاج بإمكانه التأثير على الحسابات الختامية (Bilans) للمؤسسات المالية مما قد يحدث انكماشا جديدا أكثر حدة وإفلاسات بنكية جديدة ستخلق تشويشا أطول على النشاط الاقتصادي العالمي. إن عدم التوفر على الإجابة الثابتة على سؤال "أين نسير؟" أسقط العالم في مأزق صعوبة الإجابة على سؤال : "إلى متى ستنتهي الأزمة ولا كيف ستتطور؟". |
|
ou3mmi مشرف منتديات الأخبار والمال والأعمال
الجنس : عدد الرسائل : 1088 العمر : 46 العمل/الترفيه : prof البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 06/01/2009 نقاط : 2429
| موضوع: رد: تفاقم الاختلالات في المنظومة الاقتصادية العالمية زمن العولمة وتأثيراتها على المغرب الأربعاء مارس 25, 2009 5:25 am | |
| 2ـ تأثير الأزمة المالية على المغرببالطبع، إن المغرب كبلد يطمح لتحيق التنمية من خلال الاستفادة من إندماحه في المنظومة الاقتصادية العالمية لن يكون في منأى عن الأزمة. فمن خلال الإعلانات الرسمية المختلفة، تأكد أن مجموعة من القطاعات أصيبت بالتراجع أو مهددة بالتراجع. ويتعلق الأمر بالقطاعات المرتبطة بالاقتصاد الحقيقي المرهون بالتجارة الخارجية (الصادرات والواردات) والتي نذكر منها بالخصوص عائدات وتحويلات المهاجرين، مداخيل السياحة، وقطاع الألبسة والنسيج، وقطاع الاستثمارات الخارجية. وبالرغم من هذه التراجعات، فالوضع المغربي لم يتأثر كثيرا بهذه الأزمة لكونه لم يكن ضحية للأصول "المسمومة". كما أن وضعه الاقتصادي والاجتماعي بخاصياته الثقافية لن يقبل الاندماج الكلي فيما تصبو إليه الليبرالية المتوحشة. فاقتصادنا لن يتحول إلى كازينو كما هو شائع في العالم الغربي. فالمال بالمغرب لن ينتج المال بدون قطع المراحل الطبيعية لإنتاج فائض القيمة من خلال مسلسل إنتاج السلع والخدمات. إضافة إلى ذلك، لا زال دور الدولة بالمغرب محوريا في الاقتصاد وفي الأوراش الإصلاحية والتنموية الرامية إلى تأهيل التراب الوطني. فمنذ بداية التسعينات، عزمت الدولة المغربية على توطيد مقومات الديمقراطية الاقتصادية الاجتماعية. إنها استباق إلى تزكية الوسطية بين الإيديولوجيتين التاريخيتين الليبرالية المتوحشة والاشتراكية الشيوعية. وأعتقد، أن هذا الاختيار يتمتع بالشرعية الفكرية الإنسانية. فالإنسان، كمركز للكون، يستحق التمتع بعتبة عيش لا يمكن الهبوط عنها صونا لكرامته وطبيعته وعلاقته بالحياة والطبيعة. فإضافة إلى التغطية الصحية، والحق في التعليم البناء والسكن، يحتاج الإنسان إلى عتبة للدخل للاستمرار في العيش بكرامة وأن يشارك في تحصين الديمقراطية السياسية من خلال اختيار فكري لمن ينوب عنه. فالنضال من أجل تحقيق الديمقراطية الاجتماعية شكل محور العمل السياسي منذ الاستقلال.وبخصوص مواجهة آثار الأزمة الحالية، على الدولة المغربية أن تتحرى الحذر للحفاظ على مستوى الثقة في مسار بلادنا السياسي والاقتصادي. عليها أن تجعل من هدف إنجاح الانتقال الديمقراطي آلية لدعم ثقة المستثمرين في إمكانيات البلاد. كما يستدعي الأمر التعجيل بالإجراءات لتنمية أسواق المقاولات المغربية بمختلف أحجامها واستقرار اليد العاملة وتشجيع البحث العلمي والتكوين بداخلها، وتسهيل الولوج إلى الخدمات التمويلية بنسب فائدة مناسبة ومضمونة. كما وجب تقوية آلية الضمان لتمكين الطاقات البشرية المغربية من الاستفادة من القروض البنكية وبالتالي تفجير طاقاتهم الفكرية والعلمية والاستفادة من تجاربها.إن تركيز الدولة على مواجهة آثار الأزمة المالية، لا يجب أن يؤدي إلى تأجيل إتمام إنجاز المشاريع والأوراش المفتوحة أو المبرمجة لتقوية مناعة البلاد من الأزمات في المستقبل. فإضافة إلى إصلاح العدل، وجب التركيز على المحاور التالية:
- استنباط الدروس من هفوات الإصلاحات المتتالية لقانون الصفقات العمومية بإضافة إجراءات ومقتضيات جديدة تقوي من حدة الشفافية بين الفاعلين وضمان الجودة في إنجاز المشاريع.
- التركيز على تسهيل آليات تمويل السكن بنسب مشجعة. إنه إجراء ضروري لدعم الإرادة الملكية لخلق طبقة وسطى. فالسكن يعد من الشروط المدعمة للثقة في المستقبل (قبر الحياة) إضافة إلى مساهمته في تنشيط قطاع البناء.
- الاعتماد على تعدد الاختصاصات لتأهيل المدن المغربية.
- العمل على ضبط آليات استخلاص الضرائب بشكل يقرب الضريبة المستخلصة بآلية التصريح الإرادي من المبالغ الواجب استخلاصها من الدخل الحقيقي (كما هو الشأن بالنسبة للموظفين).
- تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك، وجب التفكير في بلورة مخطط وطني للنهوض بالطبقة الوسطى لتلعب أدوارها الحيوية في خلق الاندماج التام في البنية الاجتماعية بتقوية الصلات بين الطبقة الثرية )أقلية) والطبقة الفقيرة (أغلبية). إن تقوية الصلات بين هذه الطبقات الثلاث سيمكن لا محالة من خلق الثروة من خلال تنمية الطلب الداخلي وتنمية الموارد البشرية وبالتالي إضعاف إمكانيات تعرض البلاد للإنفجارات الاجتماعية مستقبلا.
- تحويل فرصة الانتخابات الجماعية المقبلة إلى مناسبة لإنتاج النخب القادرة على الإسهام في رفع تحديات انفتاح البلاد على العولمة من خلال الالتفاف وتجميع القوى لمواجهة الاحتمالات السلبية. إنها مناسبة كذلك لحشد الجماهير للتوجه إلى صناديق الاقتراع.من خلال تحسيسهم الفعلي بالرهانات الحقيقية وبدورهم الحيوي في خلق التغيير ودعم الإصلاح. كما تشكل هذه المناسبة فرصة لتمكين المغاربة من خلق التمايز والاختلاف بين التوجهات السياسية والسياسيين ومن إقرار تحالفات سياسية قبلية باختيارات سياسية واضحة تعبر عن نضج المشهد السياسي المغربي.
3ـ الإجراءات المتخذة ومحدودية الضمانات للحيلولة دون تكرار حدوث الأزمة في سياق الأزمة وما صاحبها من فرضيات وإجراءات ومبادرات لمواجهتها، انعقد اجتماع المجموعة 20 للدول الأكثر تقدما شهر نونبر 2008 بواشنطن لدراسة الوضع. وكان الرهان بالنسبة للمسيرين السياسيين بصفة عامة ولصندوق النقد الدولي بصفة خاصة بسيطا وتمحور حول نقطتين أساسيتين تعلقت الأولى بتحديد طبيعة الإجراءات الضرورية وتطبيقها للحد من الأضرار والخسائر التي تعرفها اقتصاديات الدول المتقدمة والنامية وذات الدخل المحدود، والثانية بالتفكير الجدي في ابتكار أحسن السبل والوسائل لتجنب تكرار حدوث وإنتاج الأزمة من جديد.
- التدخل العاجل: إن الإجراءات الواجب اتخاذها في العاجل تتجلى في ضرورة تدخل الحكومات والدول لمجابهة الأزمة من واجهتين. وجب تفعيل وإنضاج السياسات المضادة للأزمة والتي تم تبنيها مؤخرا وفي نفس الوقت اتخاذ الإجراءات الخاصة بالطاقة لدعم الطلب وللحد من انهيار الإنتاج واسترجاع الثقة ومن تم إعادة رفع مستوى المصاريف الخاصة. فبخصوص الوجهة الأولى، لقد سبقت الإشارة أعلاه للسياسات العامة التي تم اعتمادها في هذا الشأن (ضخ السيولة المالية، شراء الأصول خصوصا "السامة" منها، إعادة الرأسملة، تقديم الضمانات،...). لكن يبقى عند هذا المستوى هاجس نجاعة التطبيق مطروحا لكونه أمرا شديد التعقيد والصعوبة. كما أن تغيير التوجهات والغموض الذي يكتنف السياسات المستقبلية يزيد من تعقيد الوضعية في بعض الأحيان عوض تحسينها. وكلما استمر الغموض في البرامج وفي قواعد اللعبة، كلما قل حماس المستثمرين واشتدت حدة التخوفات من تفاقم الأزمة وبالتالي إعاقة المجهودات الرامية لتقويم النظام المالي. بالنسبة للوجهة الثانية، ركزت التوصيات على السياسات المتعلقة بالميزانيات. وإذا كانت بعض الدول، خصوصا الأوروبية، تتوفر على هامش بخصوص المرونة النقدية، فإن دول أخرى، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، قامت بخفض نسب الفائدة إلى مستويات جد منخفضة وتمكنت بذلك من رفع النسب الحقيقية من خلال خفض التضخم المالي. واعتبارا لما سبق، يتضح، أن الاقتصاديات العالمية تحتاج إلى تنشيط الميزانيات بشكل يضمن الرفع من النمو العالمي وبالتالي من خفض تفاقم الانحسار الاقتصادي. هذا، لكون هذا الإجراء سيمكن الدول من الاستفادة من توسيع وعاء ميزانياتها ومن توسيع وعاء ميزانيات شركائها. إلا أن هذا الإجراء يطرح صعوبة كبيرة في حالة استمرار الأزمة والذي يفرض الرفع من مستوى تنشيط الميزانيات كلما اشتدت نسبة انخفاض الإنتاج.
- الترتيب والإعداد لما بعد الأزمة : في حالة انتهاء الأزمة، ستجد الحكومات نفسها مضطرة لمواجهة مشكلتين عويصتين. تتجلى الأولى في كون المجهودات التي قامت بها الدول لتنشيط الطلب على الأمد القصير سيكلفها عجزا كبيرا في الميزانية وبالتالي الزيادة من ثقل المديونية. كما أن عمليات شراء الأصول والتدخلات لمساعدة المؤسسات المتضررة سيرفع لا محالة من قيمة المديونية الخامة. أما الثانية، فتتجلى في كون المتغيرات الكبيرة التي يعرفها المشهد المالي أدت إلى استفحال التركيز وتقوية تواجد ومكانة الدولة فيه. وباستحضار هاتين المشكلتين، نستنتج أن مواجهة الأزمة يفرض إقلاعا للميزانيات، وتليينا لتوجهات السياسات المتعلقة بالميزانيات، وجوابا على عدد من التساؤلات بشأن تدبير التواجد القوي للدول في اقتصادياتها وما قد يسببه هذا التواجد من إحراج لالتزاماتها باحترام مبدأ التنافسية والانفتاح الضامن لحرية مرور وانتقال السلع والخدمات ورأس المال على المستوى العالمي.
وختاما نقول أن النظام العالمي الجديد بمجاليه السياسي والاقتصادي أبرز حقيقة لا أحد يمكن له أن يستمر في تجاهلها. لقد أبرزت الأزمة محدودية الإطارات الخاصة بالتحكم والمراقبة على المستويين الوطني والدولي. كما يفرض الوضع التفكير العاجل لبلورة قواعد جديدة ومؤسساتية قادرة على تخفيف حدة المخاطر بدون إحداث حالات البطء غير النافعة ولا التضييق على القدرات الإبداعية والإبتكارية. وفي هذا الصدد حددت القمم التي نظمتها مجموعة 20 للدول أكثر تقدما محورين أساسيين للإصلاح. يتعلق الأول بضرورة تحسين جودة المعلومات لقياس المخاطر النظامية (إعادة النظر في قواعد المنافسة، وقواعد البوح بالأسرار، وقواعد التصريحات، وتجميع المعلومات من مجموع المؤسسات المرتبطة بالاقتصاد العالمي). أما الثاني، فيتعلق بإعادة تجديد وتحسين القواعد الوطنية والدولية المطبقة على المؤسسات وعلى المستوى الماكروإقتصادي. وتهدف هذه الإجراءات خلق قواعد احترازية للحيلولة دون تجميع شروط انفجار الأزمة من جديد وكذا تقوية البنية المالية في العالم.بتحديد الإطارات المناسبة لمساعدة المؤسسات التي تشكو من الصعوبات. كما أبرزت الأزمة ضرورة تحديد أدوار صندوق النقد الدولي لتمكينه من مراقبة المخاطر على المستوى العالمي بالتنسيق مع الأبناك المركزية الوطنية ومع المنظمات العالمية الأخرى. واتضح كذلك ان التغلب على الأزمة لا يمكن أن يتم إلا من خلال خلق منظومة دولية تسهر على ضمان السيولة لدعم المؤسسات المتضررة على المستوى الدولي. كما اتضحت خطورة المضاربات في البورصات وما يصاحبها من إنتاج المال للمال بدون عمل ومن هوة بين الواقع والاقتصاد الحقيقي. فرأس المال لا يمكن أن يستمر في التحرك بدون قواعد وبدون حدود لأن ذلك أدى إلى تطور إنتاجيته بشكل تفوق حاجيات الإنسانية (surconsommation) . لقد فرض الوضع ضرورة ابتكار قواعد جديدة للعب واحترامها بشكل تمكن من تقنين السوق وتسخر رأس المال لتخصيب الإنتاج. إن الاستقرار الاقتصادي مرتبط أشد الارتباط بخلق التوازن بين تضخم رأس المال وتقوية القدرة الشرائية للمستهلكين. كما فرضت الوضعية ضرورة التفكير في إعادة الاعتبار لدور الدولة في الاقتصاد. فإبان الأزمة، عبرت كل الدول على حرصها على الحد من هجرة رأس المال والشركات والمقاولات إلى بلدان أخرى (Délocalisation) . ولهذا الغرض بادرت الدول المتقدمة إلى تقديم التحفيزات الضرورية للمقاولات والشركات المتضررة شريطة الاحتفاظ بأنشطتها فوق ترابها. |
|