في أسبوع واحد تقريبا، انفجرت قضيتان تتعلقان بالتربية والتعليم ببلادنا: أولاهما إغلاق «المدرسة العراقية» في الرباط (على خلفية صراع بين أحد الآباء وإدارة المدرسة، وقفت فيه الحكومة إلى جانب الأب ضد الإدارة وشوشت على المسار الدراسي لمئات التلاميذ)، والثانية رفع مدارس «البعثة الفرنسية» لأسعار التمدرس فيها بنسبة أربعين في المائة.
وبصرف النظر عن التباعد الموجود بين القضيتين، فإنهما جاءتا لتذكيرنا بالتشرذم الذي صار يعاني منه النظام التعليمي ببلادنا والصمت المريب لمناضلي الأمس عن مبادىء تبنوها ودافعوا عنها باستماتة في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، بشأن المنظومة التربوية المغربية، وخاصة منها «تعميم التعليم ووحدته وديمقراطيته».
لقد فقد المواطنون الثقة في نظامهم التعليمي بالمرة، وصار الميسورون منهم يدفعون مبالغ مرتفعة جدا، تفوق طاقاتهم في كثير من الأحيان، لإرسال أبنائهم إلى الخارج أو تسجيلهم في مدارس تابعة لبعثات أجنبية، أمريكية وفرنسية وإسبانية وإيطالية...، بدل تركهم عرضة للضياع في مدرسة عمومية حكم عليها بالإعدام انطلاقا من السنة التي تولى فيها وزارة التربية والتعليم طبيب من حزب الاستقلال اسمه عز الدين العراقي.
لقد وضع هذا الوزير –وباستهتار غير مسبوق- حدا للدور التربوي والاجتماعي الكبير الذي كانت المدرسة المغربية تلعبه في توفير أطر المستقبل كما في الترقي الاجتماعي وكسر الحواجز بين الفئات الغنية والفئات الفقيرة، وعاد بنا إلى نقطة الصفر: إلى عهد التمييز بين أولاد الأعيان الذين يحق لهم وحدهم الالتحاق بالتعليم قصد الحلول محل آبائهم في المستقبل، وأبناء الفئات الضعيفة الذين يولدون من أجل أن يرثوا فقر آبائهم كقدر محتوم لا مفر منه.
والنتيجة هي هذه التي نراها اليوم أمامنا: دمار شامل لنظامنا التربوي القديم، وعجز النخبة المحلية عن بناء نظام بديل، وحيرة الآباء بخصوص مستقبل أبنائهم.. بخصوص المستقبل.