مــاذا نريــد؟

سمير شوقي

لم يعد خافياً على أحد أن الأزمة العالمية دقت أبواب المغرب، سواء تعلق الأمر بتضرر شركائنا الاقتصاديين ومواطنيهم أو عندما يتعلق الأمر بالمستثمرين الأجانب.
وإذا أخذنا الشق الأخير، فإن كل التوقعات تتحدث عن سنة جافة من حيث الاستثمارات الأجنبية، ومن بينها طبعاً الاستثمارات العربية. هاته الأخيرة، التي طالما همشها المغرب، عادت بقوة لتطرق بابنا في الخمس سنوات الأخيرة بعد انفتاح أعلى سلطات البلد عليها وتشجيعها إياها. لكن المقاربة التي تم اعتمادها لم تكن فعالة ولا ناجعة، ومحدوديتها ظهرت اليوم بجلاء. فأقوى مستثمرين عربيين بالمغرب، وهما «سما دبي» و»إعمار»، كانا قد وعدا باستثمار حوالي عشرين مليار دولار حتى عام 2020، لكن مع بداية فترة الأشغال ودخول المشاريع مرحلة هامة من مسارها، انهار كل شيء بعد أول هزة في الأسواق العالمية. إنه عالم الاقتصاد المتقلب والمليء بالمطبات والمخاطر، لكن على الدولة، كحكومة وكيان سياسي، أن تتوقع دائما مثل هاته السيناريوهات وتضع خططا بديلة جانباً. وبالطبع، فإن الخطط البديلة الناجعة ليست تعويض مستثمر أجنبي بمؤسسة عمومية مغربية. ولقد سبق لي أن كتبت أن هذه المقاربة تخلخل توازن الاستثمار الوطني وتعيد النظر في الأولويات.
اليوم، يتم الحديث عن تعويض «سما دبي» بصندوق الإيداع والتدبير. وهذا الأخير، حتى اللحظة، مازال مؤسسة عمومية كانت تخطط لاهتمامات أخرى، وبالتالي فإن تعويضها لمستثمر أجنبي لن يمر إلا عبر التخلي عن مشاريع وطنية أخرى قد تكون أولويتها أقوى. ولنكن صرحاء في ما بيننا، فإذا كان على الدولة أن تمول مشاريع بنى تحتية فالأولوية لقطاعات التعليم والصحة والتجهيز وليس لتجديد مدن عصرية وبناء مرافق ترفيهية، كما سيحدث بالدار البيضاء وبمشروع أمواج بالرباط. أعتقد أن هناك مجالاً لاستقطاب مستثمرين آخرين رغم الأزمة، بل إن الأزمة قد تشكل رافعة إذا عرف المغرب كيف يتعامل معها. اليوم، هناك مستثمرون إسبان وعرب يفرون بأموالهم من جحيم الأزمة الذي أتى على الاقتصاد الإسباني، والمغرب هو أقرب نقطة إلى إسبانيا وهو بلد ما زال يوفر كل فرص الاستثمار الناجح، فقط علينا أن نعرف ماذا نريد وبأي شروط.
إن المغرب في موقف قوة، عكس ما يعتقده بعض الرسميين، وقوته في إمكاناته وقدراته الاستقطابية، لذلك عليه أن يتعامل بشروطه، وأولها استبعاد اعتماد المستثمرين الأجانب على قروض البنوك المغربية، فهذا غير معقول تماماً، ثم البحث عن أفكار استثمارية جديدة. وهنا، أستغرب تلكؤ المغرب في قبول مبدأ البنوك الإسلامية التي أثبتت نجاعتها بشهادة كبار خبراء الاقتصاد بأوربا وأمريكا. والأسبوع الفارط فقط، حضر إلى المغرب مستثمر قطري كبير لإنشاء بنك إسلامي برأسمال ضخم سيُحوَّل من أبناك عالمية ويشغل مئات المغاربة، لكنه قوبل بالتسويف! وقبل سنوات، تم التخلي عن مجموعة «دالة البركة» بمشروع تاغزوت لأن وزراء أصروا على إشراك مستثمر مغربي المشروع بـ»خبرته» وأرادوا فرضه على المستثمر السعودي الذي قدم عرضاً بأربعين درهماً للمتر المربع الواحد في الثلاثمائة وخمسين هكتاراً، فتم التخلي عنه لفائدة مستثمر أمريكي بتسعة دراهم فقط للمتر المربع الواحد والذي أراد أن يشيد المشروع بقروض مغربية ولما تعذر عليه ذلك، رمى المفتاح وغادر!
يجب علينا أن نعرف أي استثمار نريد وبأي شروط، لكن علينا كذلك أن نتذكر أن الاستثمار ليس ريعاً يسلم إلى الأصدقاء والمقربين على حساب المستثمرين الحقيقيين الذين يريدون أن يشتغلوا بدون بهرجة ولا ضجيج.. وما أكثرهم.

المساء