ألم العصب الوركي أو عرق النسا sciatica هو مصطلح طبي يبدو بالياً نوعا ما. ولأكثر الناس فإنه يعيد أذهانهم إلى ذكريات الطفولة عندما كانوا يرون قريبا لهم، وهو يتحدث عن «ألم عرق النسا».
والجميع يعرف أن المرض يرتبط بالظهر، رغم عدم تأكدهم من ذلك! إلا أن عرق النسا، كمصطلح وكمرض يظل معنا دوما. وهو حالة تعبر عن نفسها كآلام وتنميل تشع على طول الرجل، غالبا إلى ما تحت الركبة.
وفي تسع من كل عشر حالات منه فإن عرق النسا ينجم عن انزياح في فقرة في أسفل الظهر.
وأفضل دواء غالبا ما يكون الصبرـ مصحوبا بعدم الاهتمام به ـ لأن الألم غالبا ما يذهب لوحده، حتى وإن كانت مشكلة الفقرة باقية.
وقد وجد باحثون أن حوالي نصف حالات المصابين بعرق النسا الحادة، من الذين كانوا قد وضعوا في مجموعة تناولت الحبوب الوهمية (أي أن أفرادها لم يعالجوا بأية مواد ذات فاعلية) قد تحسنت خلال 10 أيام، وازدادت هذه النسبة إلى ثلاثة أرباع الحالات بعد شهر.
ولا يعرف أحد بالتأكيد لماذا يخف الألم لوحده.. إلا أنه يخف! ولكن، إن كان الألم سيئا جدا أو متواصلا، فإن الكثير من المصابين بعرق النسا عليهم التفكير باتخاذ قرارهم حول إجراء جراحة له.
وهناك عدة أنواع من العمليات الجراحية، إلا أنها كلها تنصب على مزاوجة الفقرات بحيث لا تضغط على جذور الأعصاب.
وقد أظهرت الدراسات أن الجراحة تخفف من ألم عرق النسا.
وفي الواقع فإن الجراحة هي حل مضمون للمصابين بعرق النسا الذين توجد لديهم مشاكل في الظهر من النوع غير المحدد. كما أن هذه العمليات ليست عمليات معقدة، فمضاعفاتها نادرة.ومع ذلك، فإن نتائج دراستين مهمتين زادت الطين بلّة، إذ أظهرت أنه وبعد مرور سنة أو سنتين فإن نتائج المرضى الذين خضعوا إلى عمليات جراحية، والآخرين الذين خضعوا إلى علاج «بطريقة محافظة» (أي بالعلاج البدني الطبيعي أو مخففات الألم)، كانت متقاربة بشكل ما.
يوجد العصب الوركي الطويل في كل واحدة من الرجلين، وهو يمر عبر الردفين نزولا إلى الفخذ، ثم إلى القدم وأصابعها.
وألم عرق النسا هو الألم الذي يشعر به الإنسان عبر هذه الأعصاب ومتفرعاتها، ولذلك ورغم أن منشأ المشكلة هو منطقة الفقرات القطنية السفلى من العمود الفقري فإن الأعراض تظهر بالدرجة الرئيسية في الرجل.وغالبية المصابين بالمرض لديهم تاريخ في مشاكل الظهر، إلا أن عرق النسا يبدأ فجأة. وقد يتم تحفيزه بشيء صغير، بل وحتى بالعطاس! والألم غالبا ما يكون حادا وطاعنا يحدث في إحدى الرجلين.
والتنميل والإحساس المزعج بالوخز، والضعف في الرجل المصابة، أعراض شائعة. وتزداد حدة الألم والأعراض الأخرى عند السعال والجلوس.
عرق النسا لوحده ليس حالة تتطلب الإسعاف الفوري، إلا أن مصاحبتها بارتفاع درجة الحرارة أو عدم التحكم بالبول أو البراز، إضافة إلى حدوث ألم فجائي وتنميل في الرجل، يعني وجود مشكلة ويتطلب معاينة مستعجلة.
والأقراص المنزلقة (أو المتهتكة) ـ الديسك ـ التي تتسبب في أكثر حالات عرق النسا، لا تقوم بالضغط على العصب الوركي نفسه، بل على جذور الأعصاب التي تنطلق من أسفل العمود الفقري.
وتشكل هذه الجذور العصب الوركي، مثلما تشكل الضفائر قطعة من حبل. ولهذا تتباين المناطق التي تظهر فيها أعراض ألم عرق النسا، وفقا لمواقع الجذور العصبية المتأثرة (انظر الرسم). إن عرق النسا، وفقا لتعريفه، هو جملة من الأعراض، ولذا فإن التشخيص يتجه للاعتماد بشكل كبير على ما يقوله المرضى حول أحاسيسهم بالأعراض.
ويعتبر اختبار «الرجل المستقيمة» وسيلة سريعة وغير مكلفة ماديا لرصد أي قرص منزلق. وهنا يقوم الاختصاصي برفع إحدى الرجلين أثناء استلقاء المصاب على ظهره.
وإن أدى رفع الرجل إلى إعادة توليد ألم عرق النسا، فإن ذلك علامة على وجود انزلاق في القرص بشكل من الأشكال.
وبمقدور التصوير بالمرنان المغناطيسي تقديم أدلة مباشرة على مشاكل القرص، إلا أن الكثير من الأطباء، وكذلك العديد من الإرشادات، ينصحون بعدم اللجوء إليه إلا عند التوجه إلى خيار العملية الجراحية. أما إن ذهب الألم لوحده، فإن مثل هذا التصوير ليس ضروريا.
إن الطرق المحافظة لعلاج عرق النسا ـ وهذا تعبير يصف كل أنواع العلاج عدا الجراحة ـ ظلت تؤكد ضرورة الالتزام بالراحة، بل وحتى التزام الفراش.
إلا أن ذلك قد تغير الآن، إذ ينصح الأطباء المصابين بالاستمرار في ممارسة أعمالهم اليومية، حسب إمكاناتهم.
وغالبا ما توصف للمرضى أدوية مضادة للالتهاب غير ستيرويدية مثل «آيبوبروفين» ibuprofen و«نابروكسين» naproxen.
ويمكن للعلاج البدني الطبيعي المساعدة في تقوية العضلات الموجودة في منطقة البطن وحول العمود الفقري، مما يقلل من الضغط على الأقراص.
وإن لم تؤدِ كل هذه العلاجات عملها، يلجأ بعض الأطباء إلى حقن العمود الفقري مباشرة بالسترويدات القشرية corticosteroids، التي تتميز بفاعليتها الشديدة المضادة للالتهاب.
ومن دون شك فإن استخدام الطرق المحافظة يساعد في علاج بعض المصابين. ولكن أسئلة مثل: ما هي أعدادهم؟ وما هي سرعة العلاج؟ تظل من دون إجابة، لأن النتائج التي تقدمها الدراسات ليست عميقة، بل وحتى متناقضة أحيانا.
وإضافة إلى ذلك، فإن من الصعب معرفة وتصنيف تأثيرات مختلف عناصر العلاج بالطرق المحافظة. ومع هذا فإن النصائح تقدم إلى غالبية المصابين بعرق النسا بضرورة اتباع الطرق المحافظة للعلاج قبل التفكير بإجراء عمليات جراحية.
ولكن المناقشات لا تزال تدور حول فترة استخدام تلك الوسائل، مع أن فترتها الاعتيادية تستغرق بين ستة وثمانية أسابيع.
ولا يشك أحد في أن العلاج الجراحي للأقراص المنزلقة يخفف ألم عرق النسا. وهو يقوم بذلك حقا، كما أن فترة الشفاء أقصر مقارنة بالعلاجات غير التدخلية.
إلا أن القضية هنا تكمن في التساؤلات حول ما إذا كانت الجراحة ستؤدي إلى نتائج أفضل في المستقبل، وهل تستحق المخاطرة ودفع تكاليفها؟
وقد افترض بحث نشر في الثمانينات من القرن الماضي أن إجراء العملية الجراحية يخفف من الألم بشكل أسرع من الطرق المحافظة للعلاج، ولكن وبعد مرور أربع سنوات، تضاءلت الفروق بين نتائج الوسيلتين، وظهر أن حالات المصابين الذين عولجوا بالجراحة، وبغير الجراحة، لم تختلف كثيرا.
كما توصلت دراسة نشرت عام 2007، دققت في حالات المصابين بعد مرور عام منه، إلى نفس النتيجة، وهي أن الجراحة هي بالتأكيد أسرع في تخفيف ألم عرق النسا، إلا أن المصابين الذين عولجوا بالطرق المحافظة تمكنوا من «اللحاق» بنفس النتائج الناجحة للجراحة، إما لأن هذه الطرق أدت مهمتها، أو لأن الحالة شفيت طبيعيا لحالها، أو نتيجة اندماج هذين الأمرين.
إن من الصعب التعرف تماما على نتائج هذه التجارب الإكلينيكية أو تلك، أي فهمها، لأن نسبة عالية من المصابين الذين ينخرطون في وسائل العلاج المحافظة، «يتسللون» نحو العلاج الجراحي.
وهكذا فإن الاستنتاج الرئيسي هنا هو استنتاج «متموج»، إذ تلعب الخيارات التي يفضلها شخص دون آخر والظروف الشخصية دورا كبيرا.
وتتحسن أحوال نسبة كبيرة من المصابين بعرق النسا ـ يضعها البعض في حدود 80 في المائة ـ من دون إجراء عملية جراحية، أي بالتوجه إلى الطرق المحافظة الأبطأ.
ومن جهة أخرى فإن كان ألم عرق النسا معيقا، فإن الجراحة تصبح خيارا له. وهي تتطلب إجراء تخدير عام، وليس لها مضاعفات كبيرة (لا تزيد على 2 في المائة حسب الدراسات