ويرجح أن تكون سنة 1923م أو سنة 1924م بداية انطلاق المسرح المدرسي في بداياته التكوينية حيث عرضت في هذه السنة مسرحية “صلاح الدين الأيوبي” من قبل قدماء تلاميذ مولاي إدريس الإسلامية بفاس. وقد كون هؤلاء التلاميذ بعد ذلك فرقا وجمعيات ثقافية في العديد من المدن المغربية كفاس وسلا والرباط والدار البيضاء ومراكش وتطوان وطنجة. وفي هذا الصدد يقول الدكتور حسن المنيعي:” في البداية، نلاحظ أن أول فرقة مسرحية كانت قد تشكلت بفاس على يد جماعة من طلبة المدارس الثانوية، وذلك سنة 1924م، إذ هناك من يؤكد أن بعض العرب المشارقة، الذين استوطنوا العاصمة، كانوا يشجعون الطلاب على تنظيم الجمعيات…
ومهما كانت مساهمة هؤلاء المشارقة أمرا واقعيا أو مشبوها فيه، فإن العديد من الملاحظين اتفقوا على أن ثانوية المولى إدريس بفاس كانت أولى قاعدة انطلقت منها التجربة المسرحية الأولى، ذلك لأن تلامذتها كانوا يعبأون أولا من طرف الفرق الأجنبية ، لتأدية بعض الأدوار، وثانيا لأن قدماء الثانوية بالذات كانوا يعبرون عن رغبتهم في إيجاد مسرح مغربي، فكان أن وصلوا إلى غايتهم بفضل ثقافتهم المزدوجة واستيعابهم للتقنيات التي اكتشفوها، عبر عروض الفرق الزائرة.”
ومن أهم الفرق والجمعيات المدرسية التي ساهمت في تفعيل المسرح المدرسي وبالضبط في مرحلتي الحماية الفرنسية ومرحلة الاستقلال نستحضر فرقة الطالب المغربي بمسرحيتها” لولا أبناء
الفقراء لضاع العلم” سنة 1948م، وفرقة المدرسة القرآنية الأصيلية بمسرحياتها: ” البنت المظلومة “سنة 1949م و” نحمي محمد” ، و” الفانوس السحري وعلاء الدين” من تأليف مجموعة من التلاميذ، وفرقة الطالب العربي بمسرحيتها “الفضيحة الكبرى” سنة 1959م، وجمعية تلاميذ ابن الخطيب بمسرحيتها” ملائكة الجحيم” لعبد القادر السحيمي سنة 1961م،وجمعية تلاميذ المدرسة الأمريكية بمسرحيتها “وراء الأفق” ليونيسكو.
ونلاحظ” من خلال عرض بعض المسرحيات الطفلية التي مسرحتها فرق مدرسية، والتي كانت الشعلة الوقادة في ازدهار الحركة المسرحية من سنة 1923 إلى سنة 1934 بعد صدور الرقابة واستمرارها من بعد، حتى حصول المغرب على استقلاله، بأن المجتمع المغربي قد أصابته حركية التغيير الشامل، بعد فترة وجيزة من عقد الحماية، ويبدو هذا من خلال الرحلات المتبادلة بين الشرق العربي والمغرب بزيارة الفرق المسرحية الشرقية وكانت أولها فرقة محمد عز الدين ، وفرقة فاطمة رشدي.”
وإذا نبشنا في الذاكرة المسرحية المغربية، فيمكن القول بأن بداية المسرح المدرسي قد ارتبط بسلطان الطلبة منذ قيام الدولة العلوية في القرن السابع عشر الميلادي مع تولية مولاي رشيد الحكم(1666-1672م). ويعد” مهرجان سلطان الطلبة( بتسكين اللام) احتفالا سنويا يحييه طلبة مدينة فاس احتفاء بمقدم الربيع ابتداء من النصف الثاني من شهر أبريل، ويجري في جو كرنڤالي تمتزج فيه الفرجة والنزهات على ضفاف وادي فاس. فعلى امتداد البصر، خارج الأسوار، ينصب الطلبة مخيمهم لمدة أسبوع في الهواء الطلق للاستمتاع بمباهج الربيع وخضرة المروج…
ومن أول وهلة يبدو أن الأمر لا يتعلق بفرجة شعبية تلقائية من النوع المألوف في أوساط الحرفيين وإنما باحتفال منظم يشترك فيه المثقفون ورجال المخزن، وبالفعل فإن تدخل المخزن يعتبر أحد أهم العناصر في هذا الاحتفال، وحضور السلطان شخصيا لهذا الحفل التنكري لا يمكن تفسيره سوى بتقليد عريق في القدم أو بالتزام سياسي تجاه الطلبة ينبغي إلقاء الضوء عليه.”.
وهكذا نستنتج أن المسرح المدرسي قديم في تكونه وتطوره، بل قد يكون أقدم من القرن السابع عشر الميلادي إذا راجعنا بكل نزاهة وموضوعية علمية صفحات تاريخ المسرح الأمازيغي في القديم إبان المرحلة اللاتينية. وقد توصلنا أيضا عبر هذه البدايات التاريخية الجنينية إلى أن المسرح المدرسي هو المنطلق الأساس الذي اعتمد عليه مسرح الطفل وأدب الطفل على حد سواء.
- الانطلاقة الفعلية للمسرح المدرسي المغربي:
لم ينطلق المسرح المدرسي فعليا ورسميا في المغرب إلا في سنة 1987م، وذلك عندما قرر الإصلاح التربوي إدخال مادة المسرح في المنهاج الدراسي وتدريسها ضمن وحدة التربية والتفتح التكنولوجي في السنوات الثلاث الأولى من السلك الأول للتعليم الابتدائي ضمن الموسم الدراسي1987-1988م. وأقيم في هذا الموسم بالذات تدريب وطني في المسرح المدرسي تحت إشراف وزارة التربية الوطنية وتحت مسؤولية جمعية التعاون المدرسي وبتنسيق مع جمعية نادي كوميديا الفن بمراكش. وقد استفاد من هذا التكوين التربوي في مجال المسرح المدرسي عضو واحد عن كل نيابة من نيابات وزارة التربية الوطنية بالمغرب.
وفي سنة1991م، ستتأسس اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي باعتبارها إطارا وطنيا سيهتم بتطوير المسرح المدرسي وتفعيله وترجمته نظريا واقعيا داخل فضاء المؤسسة التربوية المغربية.
وفي سنة 1993 م ، سينظم المهرجان الوطني الأول للمسرح المدرسي في نيابة سيدي عثمان بالدار البيضاء بمشاركة ثمان تعاونيات مدرسية تمثل كل واحدة منها جهة من الجهات السبع بالإضافة إلى تعاونية فرع النيابة المحتضنة. ولابد من الإشارة أن انعقاد هذا المهرجان سبقته تصفيات محلية وإقليمية وجهوية لمختلف نيابات وجهات المملكة، ومازالت المهرجانات الوطنية المتعلقة بالمسرح المدرسي متوالية إلى يومنا هذا.
وفي سنة 2007م، نظمت وزارة التربية الوطنية المهرجان الوطني الثامن للمسرح المدرسي للتعاونيات المدرسية ما بين 16 و23 ماي بمدينة الجديدة تحت شعار” المسرح المدرسي دعامة أساسية
للارتقاء بالجودة “، بينما نظمت المهرجانات السابقة في كل من الدار البيضاء وفاس ومراكش والعيون وأكادير وآسفي وطنجة، وتلتها ندوات وورشات للتكوين والنقد والتنظير والتوجيه ، والتي خرجت بمجموعة من الاقتراحات والتوصيات قدمت للقطاع الوزاري المعني بالمسرح المدرسي وجمعيات التعاون المدرسي.