أعلنت فرنسا بشكل رسمي تبني نظام البنوك الإسلامية، وذلك بعد دراسة مستفيضة ارتكزت على التجربة البريطانية الرائدة في هذا المجال.

وعندما تعلن فرنسا عن قرار كهذا وهي أحد رواد النظام الليبرالي في
العالم، فإن ذلك يجعلنا نطرح أكثر من سؤال عن كيفية تعاملنا مع هذا النظام
المصرفي، ونحن البلد المسلم الذي لا قيود عقائدية لديه مع هكذا نظام... أو
هكذا يفترض.

لقد سبق وقلنا إن أحد أكثر العوائق أمام إقامة بنوك إسلامية بالمغرب
هو عدم نظرة النظام البنكي الحالي بعين الرضى إلى التحول الذي سيحدثه
اقتحام البنوك الإسلامية الساحة المالية المغربية. وفعلا هناك تصد للبنوك
التجارية التقليدية للبنوك «غير الربوية» وهو تصد «مشروع» إلى حد ما مادام
في حدود الدفاع عن النفس والاحتماء من منافس قد يأتي على الأخضر واليابس،
كما قد يكون كل ذلك مجرد وهم ولن تنجح البنوك الإسلامية...

لكن من واجب الدولة أن تمنح مواطنيها بدائل توافق قناعاتهم العقائدية
سيما وأن نسبة الاستبناك بالمغرب لا تتجاوز الثلاثين بالمائة. هناك فرصة
تاريخية أمام المغرب لاستغلال تردي الوضع المالي العالمي واعتراف كبريات
الاقتصاديات الليبرالية وبرهنة علماء الاقتصاد الحر على نجاعة البنوك
الإسلامية لتكسير الحاجز النفسي لدى الدولة المغربية، حتى لا نقول العقدة
أو شيئا من هذا القبيل. مسؤولية الدولة أن توفر لمواطنيها منتوجات متنوعة
وتفتح هامش الاختيار أمام منطق السوق، لا أن تسقط في فخ طرف من معادلة
المنافسة وتبقى رهينة توجهاته ومصالحه الضيقة.

لا أفهم كيف تقدم الدولة على الترخيص لحانة أو مرقص أمام مسجد، تاركة
مجال الاختيار للمواطن، ولا ترخص لبنك إسلامي أن يفتح أمام بنك تقليدي،
تاركة كذلك الاختيار للزبناء.
واهم من يعتقد أن الترخيص للبنوك الإسلامية سيؤدي إلى إفلاس البنوك
التقليدية. فهاته الأخيرة تتواجد بالمغرب منذ العام 1911 ولن يكون بمقدور
أي نظام أن يزحزحها عن عرشها ولو بعد مضي عقود، فلماذا يغلقون باب
المنافسة، بل ويريدون أن يعطوا انطباعا مغلوطا عنها، وتذكروا أن الأبناك
أطلقت «بمباركة» بنك المغرب منتوجات إسلامية عملت ما في وسعها لإجهاضها في
المهد، إذ لم يبادر ولا بنك واحد للترويج لتلك المنتوجات بل أكثر من ذلك
لم تتلق الفرق العاملة في البنوك أي تدريب لتسويقها، والنتيجة هي أن
الجميع أصبح يقول إن المنتوجات الإسلامية أكثر تكلفة وغير ذات جدوى، وهذا
هو الهدف من إطلاقها لضرب أي محاولة لإنشاء بنوك إسلامية.

قبل أسابيع صرحت السلطات المغربية للبنك الإسباني «كيكسا» أن يفتح له
فروعا بالمغرب، وفي نفس الفترة، أتى إلى المغرب رجل أعمال عربي يحمل معه
مشروع بنك إسلامي وبرنامجا استثماريا بعشرات الملايين من الدولارات سيحول
جزءا منها من الخليج وجزءا من أوروبا للمغرب وتوقعات تشغيل مئات الكفاءات
المغربية، والتقى وزير المالية ومسؤولين نافذين في الدولة ونال نصيبه من
الوعود الفارغة ولغة الخشب وعاد إلى بلاده يجر ذيول الخيبة.

لا، حتما ليس هذا هو مغرب الانفتاح، والمبادرة الحرة، والمنافسة الشريفة، والتسامح.