تطورات جديدة في ملف «التحرش الجنسي» بخيرية سلا
خديجة عليموسى
ما
زال الغموض يلف حكاية تعرض ثلاث نزيلات بمركز الشروق الخيري لإيواء
الفتيات بمدينة سلا لاعتداء جنسي على يد رئيس الجمعية التي تشرف على
تسييره، وتزداد حدة الغموض بعد تصريح المعنيات المباشرات بالاعتداء
لـ«المساء» بأن ما نسب للمتهم «كذب وبهتان» وملفق من قبل مواطنة أجنبية.
غير أن رئيسة جمعية «ما تقيش ولادي» التي نصبت نفسها كطرف مدني تتوفر على
كل الحجج والأدلة التي تبين أن المتهم كان يتحرش بالنزيلات، ومنها شهادات
لهن في الموضوع بالصوت والصورة. هذا الملف هو حديث الرأي العام بمدينة
سلا، إذ تختلف الآراء بين من يبرئ ساحة المتهم وبين من يرى أن كل شيء ممكن
ما دام أن المجتمع حابل بالعديد من الانحرافات الأخلاقية. وبين هذا الرأي
وذاك فإن للقضاء وحده كلمة الحسم في القضية.
بدأ
ملف التحرش الجنسي بنزيلات مركز الشروق لإيواء الفتيات بسلا يوم 14 أبريل
الماضي عندما توجهت مواطنة روسية كانت تدرس الإنجليزية بالمركز إلى مقر
جمعية “ماتقيش ولادي” لتخبرهم بأن رئيس الجمعية التي تشرف على المركز
يرافق بعض النزيلات ولا يعود إلا في وقت متأخر من الليل.
وفي اليوم الموالي، قامت رئيسة جمعية “ماتقيش ولادي” رفقة المواطنة
الروسية بتصوير نزيلة وهي تؤكد تعرضها للتحرش الجنسي من قبل الرئيس بغرفة
بمركز للتكوين الحرفي بحي الدار الحمراء بسلا، وأتمت الروسية مهمة تصوير
نزيلتين رفقة مواطنة بولونية.
ويوم 16 من شهر أبريل، تقدمت نجية أديب، رئيسة الجمعية بشكاية في
الموضوع إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسلا، مرفقة بثلاث رسائل
لنزيلات يؤكدن تعرضهن للتحرش الجنسي، وقرص مصور يتضمن شهاداتهن.
بعد أسبوعين، استمعت الشرطة القضائية بسلا، بحضور مدير الأمن
الإقليمي، إلى النزيلات الثلاث والمواطنة الروسية، واعترفن بأنهن يشاهدن
أفلام الخلاعة وأن رئيس الجمعية يتحرش بهن جنسيا.
ويوم 29 من شهر أبريل الماضي، تم الاستماع إلى الجميع من جديد من طرف
وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسلا، واستمع إليهم مرة أخرى يوم 4 ماي
الجاري، قبل أن يصدر أمرا بوضع المعتقل رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن
المدني بسلا.
ومن المرتقب أن يستمع قاضي التحقيق، يوم 25 من الشهر الجاري، إلى
المعنيين بالملف الذي تراجعت النزيلات عن التصريحات التي أدلين بها على
هامش التحقيق فيه خلال آخر جلسة أمام وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية
بسلا.
هذا التراجع فسرته نجية أديب، رئيسة جمعية “ماتقيش ولادي”، في تصريح
لـ”المساء”، بعدم توفير الحماية لهن خلال مرحلة التحقيق وخضوعن لضغوطات من
قبل بعض العاملين بالخيرية، مؤكدة أن قرار الترحيل كان ينبغي أن يتخذ منذ
الوهلة الأولى من أجل حمايتهن.
قلوب صغيرة يعتصرها الألم والأسى لـ31 نزيلة بمركز الشروق الخيري
لإيواء الفتيات بمدينة سلا، ينتمين إلى مختلف الفئات الاجتماعية منهن
اليتيمة والفقيرة والوحيدة، قادتهن الظروف إلى العيش تحت سقف واحد يقتسمن
هموم الطفولة المحرومة من عطف الأبوين، ولكل واحدة منهن قصة وحكاية، لم
يتحملن حدث اعتقال رئيس الجمعية التي تشرف على المركز بتهمة التحرش
والاغتصاب، فالمتهم بالنسبة إليهن الأب الحنون والمرشد والموجه، وما نشر
حوله من اغتصاب ثلاثة منهن غير صحيح، حسب رأيهن.
كذب وبهتان
لم تهتز مكانة الرئيس في نظر أطر الجمعية ونزيلاتها، فرغم مرور أسبوع
على اعتقاله، بقيت صورته الشخصية تحتل مكانتها بمكتب إدارة المركز.
تبكي (خ.ح) بمرارة قائلة «لم أقدم أي شكاية في حق رئيس الجمعية الذي
يعتبر بالنسبة إلي الأب الرؤوف والحنون، كل ما قيل كذب، فليعرضونا على
طبيب ليؤكد أو ينفي تعرضنا للاغتصاب أو التحرش الجنسي»، تقاطعها زميلة لها
قائلة بانفعال شديد «شرفنا أغلى ما نملك، ونحن نثابر ونجتهد من أجل
التحصيل الدراسي لا غير، وكل ما حدث هو تلفيق وبهتان».
وبدورها تستنكر (ف. م) المعنية الثانية بحكاية الاعتداء الجنسي، بشدة
إقحامها في الموضوع، تقول، ودموعها تنهمر على خديها «إن الروسية هي سبب
هذا البلاء الذي حل بنا، لقد اتهمت رئيس الجمعية ظلما وبهتانا وندعوا الله
أن ينتقم منها في الدنيا والآخرة، فالمتهم لم أجد منه إلا الخير والمعاملة
الطيبة».
عاشت الفتيات أسبوعا تحت تأثير الضغط النفسي، وتغير نمط حياتهن
ويخشين أن يؤثر ذلك على مسارهن الدراسي، تقول فاطمة «بعدما نشرت الصحف
الخبر تحولت حياتنا إلى جحيم، يكفي أننا نعيش ظروفا خاصة قادتنا إلى العيش
داخل مركز للإيواء بعيدات عن عطف وحنان أهلنا وذوينا، لتضاف إليها سمعة
تعرض النزيلات إلى التحرش الجنسي، فعقولنا لم تعد تتحمل ما وقع».
ما صرحت به الفتيات لـ«المساء» اعتبرته نجية أديب، رئيسة جمعية «ما
تقيش ولادي»، لا يمثل الحقيقة المرة التي أخفينها، وتراجعن في أقوالهن تحت
تأثير جهات أخرى، فجمعيتها لم تقدم شكاية إلا بعد الاستماع إلى الضحايا
الثلاث، اللواتي دوَّن شكاياتهن بخط أيديهن.
تقول نجية أديب «أثناء الاستماع إلى الضحايا من لدن رجال الأمن أكدن
تعرضهن للتحرش الجنسي بغرفة بمقر للتكوين الحرفي بحي الدار الحمراء بسلا،
وكان يعرض عليهن أشرطة للجنس».
كل شيء ممكن
لا يشغل بال الرأي العام السلاوي إلا خبر الاعتداء الجنسي لرئيس جمعية
خيرية على ثلاث نزيلات يترواح سنهن بين 15 و17 سنة يقمن بمركز يشرف عليه.
جيران المركز منقسمون إلى فريقين، فريق يرى أنه يصعب الجزم بأن
(س.م.) رئيس الجمعية تحرش جنسيا أو اغتصب نزيلات بالمركز ما دام الملف بين
يدي القضاء وهو الكفيل بالبحث عن أدلة تدين أو تبرئ ساحة المتهم، وأن كل
شيء ممكن ما دام المجتمع يعيش يوميا على أخبار من هذا النوع، وفريق آخر
يرى، حسب آراء استقتها «المساء»، أنه يستحيل أن يتحرش بتلميذات فبالأحرى
اغتصابهن، كما نشرت بعض الصحف، وما زالوا يستغربون اعتقال جارهم.
العاملات بالمركز الخيري أيضا لم يصدقن الاتهامات الموجهة إلى رئيس
الجمعية، ويجمعن على أن ما حدث هو تدبير لمواطنة أجنبية لم تستسغ أن توجه
إليها انتقادات تهم سلوكها وتهاونها في مهمتها كمتطوعة لتدريس اللغة
الإنجليزية، من لدن رئيس الجمعية، تقول سعاد السموني، رئيسة المركز الخيري
«يوم الاثنين الماضي فوجئنا باعتقال رئيس الجمعية المشرفة على المركز، لم
نعرف في البداية سبب ذلك، لكن لما علمنا أن سبب الاعتقال هو اتهامه
بالتحرش الجنسي بنزيلات المركز أصبنا بصدمة شديدة، لأن النزيلات لم يتقدمن
بأي شكاية تذكر وأن الذي تقدم بذلك هي مواطنة روسية»، هذه الأخيرة، تنتمي
إلى منظمة دولية وكانت تقيم بالمركز مقابل خدمة تعليم الفتيات اللغة
الإنجليزية.
ملابسات الاعتقال
لم تصدق بعد أسرة المتهم خبر اعتقاله وإيداعه السجن المحلي بسلا، فكل
أفراد أسرته متأكدون من أنه بريء براءة الذئب من دم يوسف ولهم كامل الثقة
في أن القضاء سيتوصل إلى الحقيقة لا محالة.
يقول أحد أقاربه، الذي فضل عدم ذكر اسمه، «المعتقل معروف باستقامته،
وحبه لفعل الخير، وكان وراء اعتقاله مواطنة أجنبية أرادت الانتقام منه
بسبب انتقاده لتصرفاتها».
وهو التفسير ذاته، الذي أوضحه بيان للمتهم، توصلت «المساء» بنسخة
منه، يشرح فيه ملابسات اعتقاله، فإنه يؤكد براءته من التهم المنسوبة إليه،
إذ يقول «كل الاتهامات التي صدرت في حقي كاذبة ومجرد تلفيق وبهتان،
والأسباب التي أدت إلى ذلك هي أن الروسية أرادت أن تزرع ثقافتها داخل
المركز، مع إعطاء الحرية للنزيلات للخروج في أي لحظة ولو ليلا كما منعتها
من الخروج ليلا والدخول في الساعة الثامنة صباحا».
ويؤكد أن النقطة التي أفاضت الكأس هي «أنه اشتد غضبها برفقة أحد
الفرنسيين الذي مكث ليلتين ثم أخرجته نظرا للأعمال الفاحشة التي مارسها
معها».
ترحيل وحماية
كما شغل الخبر الرأي العام بسلا، شغل بال نزهة الصقلي، وزيرة التنمية
الاجتماعية والأسرة والتضامن فنظمت زيارة تفقدية إلى المركز يوم الجمعة
الماضي من أجل الاطلاع على الوضع عن كثب، فانتقلت إلى المدينة القديمة
رفقة أطرها وأطر عمالة الإقليم، فعقدت جلسة خاصة مع بعض نزيلات المركز من
بينهن المعنيات بقضية الاعتداء الجنسي، فأكدن لها أن التهم الموجهة إلى
رئيس الجمعية غير صحيحة، حسب ما قالت إحداهن لـ«المساء».
بعد انتهاء الوزيرة من الحديث إلى الصغيرات تحدثت إلى أطرها وأطر
عمالة سلا، حول ضرورة حماية الفتيات وتوفير الظروف المناسبة لهن، فاقترحت
نقلهن إلى مركز من أجل توفير مساعدات اجتماعيات لهن ونقل خاص لهن إلى
مدارسهن، وهو ما تم تنفيذه، إذ تم نقلهن إلى أحد المراكز الخيرية بمدينة
الرباط.
بعد علم النزيلات بخبر ترحيلهن دخلن في نوبة بكاء متواصل، لا يخفف
حدته إلا تدخل المؤطرات وبعض أطر وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة
والتضامن.
المشهد أشبه بمأتم، «لم تترك لنا فرصة جمع أغراضنا ولم يتم إعدادنا
نفسيا للرحيل، فالقرار اتخذ على عجل دون مراعاة للمرحلة الانتقالية التي
تعيشها الفتيات»، تقول آمال، نزيلة بالمركز.
يحاول بعض ممثلي الوزارة والعمالة أن يقنعوا الفتيات بضرورة الرحيل،
غير أن موظفة بالعمالة كانت تهدد الفتيات إن لم يرضخن لقرار الرحيل بإن
مصيرهن سيكون التشرد.
في حدود الساعة الثامنة مساء من أول أمس رحلت الطفلات كرها من أجل
حمايتهن إلى أحد المراكز الاجتماعية بالرباط، دون مؤطراتهن اللواتي
لازمنهن أزيد من ثلاث سنوات.