ou3mmi مشرف منتديات الأخبار والمال والأعمال
الجنس : عدد الرسائل : 1088 العمر : 46 العمل/الترفيه : prof البلد : الهواية : المزاج : تاريخ التسجيل : 06/01/2009 نقاط : 2429
| موضوع: الحـــرية في الإســلام الأحد مايو 17, 2009 11:27 pm | |
|
للوهلة الأولى، يبدو الجمع بين الحرية والإسلام تناقضا بيّنا: فالدين قائم على العبودية لله «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، الآية؛ أما الحرية فتبدو على الضد من ذلك تماما، انطلاقا من كل قيد، وهو ما سوغ لحزب التحرير رفع شعار «لا حرية في الإسلام».
كما ردد بعضهم أن مبحث الحرية غريب عن تراث الإسلام، إذ لم يطرح إلا في سياقين: اجتماعي طرحت فيه الحرية مقابل الرق، وميتافيزيقي في سياق علاقة الإنسان بربه ومدى حريته في الفعل، حيث احتدم جدل المتكلمين بين مؤكد لحرية للإنسان إلى درجة تنال من قدرة الله المطلقة (المعتزلة) وبين مدافع عن مشيئة الله المطلقة إلى حد نفي أي فارق حقيقي بين فعل الإنسان وحركة ظواهر الطبيعة. وطرف ثالث حاول التوسط فقال بـ«كسب» للإنسان، ظل مثلا للغموض وأقرب إلى الاندراج في الموقف الثاني الذي كاد يعم الساحة الإسلامية منذ القرن الخامس (الأشاعرة) حتى ظهور بوادر الإصلاح منذ قرنين. فهل بقي مجال للحديث عن الحرية بمعناها الإنساني الاجتماعي في الإسلام؟
1 - حرية الإرادة والعقل شرط التكليف:
غير أننا إذا صرفنا النظر عن المماحكات الكلامية ودققنا النظر في طبيعة رسالة الإسلام ومقاصدها العليا، سيرتفع هذا التناقض المصطنع.
فالإنسان وإن كان مستخلفا وليس إلها، وهذا الاستخلاف يفترض آمرا هو الله عز وجل ومأمورا هو الإنسان، فإن هذا الاستخلاف مشروط بتوفر شرطين في المستخلف: العقل والحرية، وهما جوهر الأمانة التي تشرّف بها الإنسان، وتهيّبتها كل المخلوقات الأخرى، «إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان»، الآية.
فالحرية والعقل مناط المسؤولية والتكليف كما يقول الأصوليون، وذلك أثر لتكريم الله للإنسان «ولقد كرمنا بني آدم»، الآية. هذا التكريم يجعل للفعل الإنساني قصدا قائما على الاختيار بين عبادة الله عن وعي وإرادة وبين التمرد. قال تعالى مبيّنا لعباده طريق الرشد من الغي «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، الآية. وقال معترضا على نبيه الحزين على إعراض قومه «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، الآية. وهو ما يفقد الأعمال «الإسلامية» كالصلاة والزكاة والجهاد والتحجب -بالنسبة إلى المرأة- كل قيمة عند الله إن لم تكن صادرة عن إرادة واعية، حرة، مسؤولة تبتغي مرضاة الله، «وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا»، الآية. وهنا، ينتفي التعارض الظاهري بين الدين والحرية، بل تصبح الحرية كالعقل شرطا للتدين في حد ذاته. والتدين الصحيح يعززهما ويرتقي بهما، فوق مستوى الضرورة، على نحو تكون فيه حرية الإنسان بحسب عبوديته وعلمه.
ولقد عبّر البابا بنيدكت السادس عشر عن مدى جهله بالإسلام أو تحامله، حينما ادعى أن الإسلام ضد العقل والحرية، بينما كل ما في الإسلام معقول ومحرِّر (بكسر الراء الأولى) ودعوة إلى التفكر والنظر في كل شيء، لأنه صادر عن حكيم فعال لما يريد. فكل أفعاله سبحانه حكمة وعدل ورحمة، وكل ما هو من هذا القبيل فهو من الإسلام وإن لم يرد فيه نص مخصوص، وكل ما يناقض ذلك فليس منه في شيء (ابن القيم -الطرق الحكمية)، إذ التوافق بين صحيح المنقول وصريح المعقول قاعدة الفكر الإسلامي (ابن تيمية). ولم يخطئ الفيلسوف الفقيه ابن رشد الذي علّم الغرب التراث الإغريقي حين عنون إحدى رسائله بـ«فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، مؤكدا أن العلم بالكون هو السبيل إلى العلم بخالقه «ازدياد العلم بالصنعة يزيد علما بالصانع».
الإسلام عامل تمدين وتحرر: وليس خاليا من الدلالة ارتقاء الإسلام بشعوب غاية في البداوة والتخلف، مثل العرب والبربر والترك والكرد والأفارقة، في زمن قياسي إلى مستوى استيعاب تراث الحضارات السابقة، مثل حضارة الإغريق والروم والفرس، وتطويرها، وبناء مدائن مزدهرة بالتجارة والعلوم والفنون، تختلط فيها كل الأجناس وتتعايش كل الديانات حتى الوثني منها، مثل بغداد وقرطبة وسارييفو تحت حكم الإسلام، حيث أصبحت فضاءات حضارية مفتوحة اجتذبت إليها الكفاءات من كل الملل والأعراق ووفرت لها الشروط اللازمة للإبداع، مثل حرية الاعتقاد والتعبير عنه، وكانت أوربا راسفة في الجهالات ويتعرض للتحريق ومحاكم التفتيش فيها كل مجترئ على تناول الإرث الحضاري الإسلامي أو اليوناني. ولقد تعرضت تلك الفضاءات الحرة المفتوحة للمصادرة والاجتثاث لمّا ابتليت بتتر قدامى أو جدد، مشحونين بعقائد أغنوصية حلولية، مثل الإسبان والصرب والأمريكان، ففشت فيها حروب التطهير العرقي، وتعرضت للتصحر على أيدي أنظمة التخلف المعاصر.
2 - الحرية وعقيدة القضاء والقدر:
وكان تفشي عقائد الجبر متخفية في عقيدة «القضاء والقدر» أحد عوامل ركود الحركة في مسيرة الإسلام، حتى إذا ظهرت الحركة الإصلاحية منذ زهاء قرنين تصدت لعقائد الجبر وللثقافة الأغنوصية الصوفية السائدة، مثبتة للإنسان إرادة حقيقية ومسؤولية عن مصيره، وذلك إحياء لمعاني القدر كما تعامل معها الجيل الأول من مؤسسي حضارة الإسلام، في النظر إلى القدر باعتباره إرادة الله عز وجل متجلية في هذا النظام الكوني العقلاني والشرعي الدقيق، القمِن إذا فقهه الناس وأحسنوا التعامل معه وفق الشرائع بضمان سعادتهم في الدنيا والأخرى. وتلك هي الحرية في الإسلام: الخضوع الواعي لنواميس الكون والشرع. إنها ليست استباحة: افعلوا ما تمليه عليكم رغائبكم، فتلك «حرية» الحيوان، وإنما افعلوا الواجب الذي أمركم الله به، تتحرروا من أهوائكم ومن تسلط بعضكم على بعض. إن الحرية والمسؤولية لا تنفصلان. وكان مسعى أساسي للحركة الإصلاحية منذ قرنين استعادة الفعالية الإسلامية المشلولة بتخليصها من العوائق التي تكبلها، ومنها عقائد الجبر المستندة إلى فهم سقيم لعقائد القدر.
يقول المصلح الكبير محمد إقبال: «المسلم الضعيف يعتذر بالقضاء والقدر، والمسلم القوي هو قضاء الله وقدره».
إن هازلين يقترفون المعاصي متعللين بالقدر، بينما آيات الكتاب شاهدة على أن الله لا يرضى بالفواحش والمظالم، بل هو سبحانه ينهى عنها ويتوعد مقترفيها في الدنيا والأخرى بأشد العقاب إذا هم لم يتوبوا: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي»، الآية. المساء |
|