إن المتتبع للسيرورة التي مرت بها امتحانات الباكالوريا هذه السنة ليستغرب من حجم الظواهر الشاذة التي أصبحت تشكل جزء من هوية المدرسة المغربية بما تمثله من حمولة اليأس و السخرية . فاستفحال ظاهرة الغش وتطور أساليبها ينم في الواقع عن ذكاء بالغ للتلميذ المغربي الذي أبدع و تفنن في التمويه و المراوغة، كما أنه يعكس في نفس الوقت غياب المسؤولية الأخلاقية تجاه ذاته وتجاه الآخرين. وقد تطور الغش إلى درجة أصبح ينظر إليه كحق من حقوق التلميذ و الذي لا يمكن التنازل عنه. صحيح أن الوضع يبدو ظاهريا عاديا ، لكن الخطير في الأمر هو الانقلاب الجذري في أدوار المدرسة ، ففي الوقت الذي كانت فيه المدرسة تشكل حصنا منيعا ضد كل أنواع الظواهر الشاذة ويمتد إشعاعها إلى المحيط ، أصبحت الآن مرتعا خصبا لاستقطاب ظواهر لم يعرفها العالم التربوي من قبل، وقد وصل الأمر ذروته في امتحانات الباكالوريا الأخيرة ، حيث انخرط بعض رجال التربية و الإدارة وساهموا كل بقدره في شرعنة ظاهرة الغش . ففي الوقت الذي يكون فيه المدرس مدعو إلى نبذ كل ظاهرة غش ومحاربتها، نجده يساهم فيها ويشجع عليها لدرجة تثير السخط و الغثيان و التقزز، وتجعلني أتبرأ من انتمائي إلى هذا الاطار ، رجال مربون ولكن في الواقع لا علاقة لهم بالتربية و أخلاقيات المهنة . كما أن بعض الإدارات و بحكم تعاملها اليومي مع المدرسين واتساع رقعة مخبريها أصبحت و بعقلية المخزن تنسج مقاييس خاصة بدرجات المراقبة لكل أستاذ ، فهناك المسؤول الذي يحرس و يقوم بواجبه الأخلاقي على أحسن وجه ، وهناك من يراقب استجابة لنداء القانون والمساطر و خوفا منها ، وهناك من لا يهتم و يترك الأمرللتلميذ و إبداعه في الغش ، و هناك من يشكل طرفا في عملية الغش و يساهم فيها بكل ما أوتي من قوة ، وقد وصلت وقاحة بعضهم إلى درجة استدماج عقلية التلميذ و التعامل بها في أداء واجبه، حيث امتد السياسي هذه السنة إلى التربوي لدرجة أن مدرسين منتخبين استغلوا الوضع و قاموا بحملاتهم الانتخابية عبر المساهمة في الغش، إنه قمة الانحلال و التقزز، فلم يكفهم الفساد الذي ينخر المؤسسات الأخرى ، سلوكيات لا علاقة لها برجل كاد أن يكون رسولا . إن مثل هذه السلوكيات تعني الشيء الكثير للتلميذ، بل تشرعن الغش و تزيد من جرأته .

إن انخراط بعض رجال التربية في السياسة شكل فجوة خطيرة و نقطة ضعف للمدرسة المغربية ، حيث أصبح المدرس أو الإداري لعبة في يد لوبيات أصبحت تتحكم في فبركة آليات تدبير الامتحانات داخل الثانويات انطلاقا من مقاييس معينة، تسهل إمكانية استفادة أبنائهم و أقاربهم من الغش ، و المضحك في الأمر أن التلاميذ أضحوا يدركون اللعبة ، لكن لا حول لهم ولا قوة. إننا كأساتذة مدعوون إلى إعادة الاعتبارللمدرسة المغربية عبر تخليقها و نبذ كل سلوك من شأنه أن يمس كرامة المدرس الشريف وأسطر عليها. صحيح أن بعض الزملاء المدرسين يربطون النزاهة بالديموقراطية وبسياسة الإدارة المركزية عبر تفعيل آليات الزجر، لكن الواقع أن النزاهة هي فعل أخلاقي نابع من داخل الفرد و بالتالي فهي مسؤولية فردية و التزام أخلاقي بغض النظر عن أي إكراه خارجي.