في غمرة الحديث عن توزيع مليون حقيبة على صغار المتمدرسين، يتناسى الجميع
مسألة في غاية الأهمية وهي ما تحتويه هذه الحقيبة بالذات. لقد صارت هذه
الأخيرة تمتلىء بالكتب في السنوات الأخيرة إلى حد أنها لم تعد تثقل كاهل
الآباء فحسب، وإنما صارت تثقل كاهل التلاميذ أيضا، بالمعنى الحقيقي
للكلمة، إلى حد أنه صار أمرا شبه عادي رؤية صغار التلاميذ وهم يئنون تحت
وطأة حقائب تعادل أوزان أجسامهم إن لم تكن تفوقها وزنا.

ورغم كل التبريرات «التربوية» التي يمكن لبعض المحللين التربويين
تقديمها، فإن هذه الوضعية غير سليمة بالمرة ولا علاقة لها بـ«مدرسة
النجاح» التي يريد المغرب الوصول إليها، كما أنها لا يمكن أن تساهم في
تطوير العملية التربوية ولا في رفع مستوى أداء المدرسة المغربية. والدليل
على ذلك حاضر أمامنا، ويتمثل في مئات الآلاف من «خريجي المدرسة المغربية»
الذين تحملوا في طفولتهم مشاق حمل حقائب تعادل وزنهم دون أن يؤدي ذلك إلى
رفع مستوى المعرفة والتكوين لديهم، بل بالعكس، أدى إلى مزيد من التقهقر
والتراجع.

لقد كانت المدرسة المغربية تعطي الاعتبار في التكوين الابتدائي للكيف
أكثر من الكم، وكانت حقيبة التلميذ تضم كتبا معدودة تركّز على تعلم
العربية والفرنسية والرياضيات والتاريخ والجغرافيا والتربية الإسلامية،
وتمثل مرجعيات مشتركة في مختلف مناطق البلاد، دون أن يمنع ذلك من تخريجها
لنخبة متميزة هي هذه الأطر التي تسير مختلف مرافق البلاد في الوقت الحالي.
لكن هذا اختفى اليوم للأسف، حيث لم ينفع الإكثار من الكتب في إعطاء ولو
نسبة قليلة من مردودية المدرسة المغربية كما كانت في الماضي.

لذلك سيكون من الضروري بالنسبة إلى كل رغبة فعلية في إصلاح منظومتنا
التعليمية أن يتم الاعتراف بفشل المقاربة الكمية للعملية التربوية وتراجع
الأساتذة عن مهزلة ملء حقائب التلاميذ بأسفار لا يستفيد منها أحد لصالح
مقاربة كيفية جديدة تستفيد من تجارب الماضي وتنفتح باتجاه المستقبل.