السيدة كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي لا تفهم مطلب استقلالية التفتيش أم لا تتفهمه؟
18/11/2009
على إثر زيارتها لنيابة جرادة أمس الإثنين 16/11/2009 عقدت السيدة لطيفة العبيدة كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي لقاءا تواصليا مع هيئة التفتيش والإدارة التربوية بمقر النيابة ، واستمعت إلى بعض المداخلات التي أعقبت عرضا حول وضعية المنظومة التربوية بنيابة جرادة مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد قدمته نيابة جرادة كأرضية لحوار بين السيدة كاتبة الدولة وبعض الفعاليات التربوية. وقد ركزت كلمة السيدة لطيفة العبيدة على ضرورة تفعيل المخطط الاستعجالي من خلال تعبئة جماعية بهدف تحقيق الإصلاح الحاسم للمنظومة التربوية ، دون تخلف عن الموعد الذي تترقبه الإرادة الملكية السامية. وذكرت السيدة كاتبة الدولة بالميزانية الكبيرة غير المسبوقة والمرصودة لمواجهة معضلة التعليم. ولم تخف مخاوفها من بعض المؤشرات المقلقة من قبيل عدم بلوغ النسبة المنشودة في إلزامية التعليم منطلقة من النسبة المئوية التي جاءت في عرض النيابة الإقليمية حيث لا زال 16 في المائة من الأطفال خارج طائلة التمدرس بالرغم من وجود مشروع إلزامية التعليم في الخطة الاستعجالية التي تم تنزيلها مع بداية هذا الموسم الدراسي.
وذكرت السيدة كاتبة الدولة بالإجراءات التي اعتمدتها الوزارة من أجل تنزيل الخطة الاستعجالية من قبيل مواجهة المعيقات السوسيوثافية عن طريق توفير الوسائل والأدوات والإطعام والنقل.... ولكنها ألحت على مواصلة الجهود من طرف الجميع من أجل تحقيق الإصلاح المنشود. ولم تتردد السيدة كاتبة الدولة في التعبير عن قلقها من ظاهرة التعثر الدراسي على مستوى التعلمات المتدنية والتي لا ترقى إلى الطموحات المنشودة كمعيق من معيقات الإصلاح. وبالرغم من مخاوف السيدة كاتبة الدولة فإنها عبرت عن وجود إرادة قوية لدى الوزارة من أجل الارتقاء بالمدرسة المغربية كرهان من أجل التنمية الشاملة. وذكرت بأسلوب الوزارة الجديد من أجل إشراك الجميع في الانخراط في عملية الإصلاح عن طريق إيفاد اللجان المركزية إلى جميع الجهات للتواصل والاستشارة. وعبرت السيدة كاتبة الدولة عن اعتزازها بالكفاءات الموجودة في قطاع التربية والتي لا تتوفر في قطاعات أخرى ، ولكنها دعت هذه الكفاءات إلى الانخراط في عملية الإصلاح ، وحذرت من أن تقف مكتوفة الأيدي أمام الوضع الراهن. وذكرت بضرورة ترتيب الأمور والمسؤوليات مركزيا وجهويا ومحليا من أجل توفير الشروط اللازمة للفعل الجيد من خلال معرفة الجميع لحدود مسؤوليته من أجل جودة التعليم.
والسيدة كاتبة الدولة تعتبر المدرسة رأس الهرم في وزارة التربية الوطنية لهذا تم الرهان عليها ودعم جمعياتها و فرقها التربوية من خلال تشجيع مشاريع المؤسسات. وإذا كان من البديهي اعتبار المتعلم هو المستهدف الأول في المنظومة التربوية فإن ما يؤكد ذلك هو النتائج التي يحصل عليها هذا المتعلم. فالجميع في نظر السيدة كاتبة الدولة يعمل من أجل هذه النتائج. وفي سياق حديث السيدة كاتبة الدولة عن مدرسة النجاح عبرت عن طموح الوزارة من أجل إحداث إطار مؤسساتي لمنح استقلالية للمدرسة لتتحرك بحرية في إطار تطبيق مشاريع تفضي إلى زيادة نسبة النجاح. ولست أدري لماذا لم تفهم أو لم تتفهم السيدة كاتبة الدولة مطلب هيئة التفتيش المتمثل في الاستقلالية ، وهي التي عبرت عن رغبة الوزارة في إحداث إطار مؤسساتي يضمن استقلالية المدرسة التي هي قمة هرم الوزارة. ولعمري إذا حق للرأس في الهرم أن يحظى باستقلالية فإنه يحق لما دون الرأس ذلك أيضا. لقد تحفظت السيدة كاتبة الدولة عن مطلب استقلالية التفتيش ، وعبرت عن رغبتها في فتح حوار حول هذا المطلب لأنها لم تستسغ وجود هيئة خارج اللعبة التربوية مما يعني أنها تفهم استقلالية التفتيش على أنها مطلب للخروج من المعمعة كما سمتها. إن مطلب الاستقلالية هو قيدوم المطالب في الملف المطلبي لهيئة التفتيش إلى جانب مطلب اعتراف الوزارة بإطار التفتيش على غرار باقي أطر مختلف الوزارات من خلال مقابل مادي ملموس إذ لا زال إطار مفتش في وزارة التربية الوطنية هو الإطار الوحيد غير المعترف به ماديا إذ لا يتقاضى عن إطاره شيئا . ومطلب الاستقلالية الذي لم تفهمه السيدة كاتبة الدولة أو لم ترد فهمه أو تفهمه هو مطلب واضح ومشروع إذ لا يستقيم عمل المفتش تحت سلطة المسؤولين عن تدبير الشأن التربوي وهو المكلف بصيانة وحراسة المنظومة التربوية ، وكثيرا بل غالبا ما يكون المسؤولون عن تدبير الشأن التربوي مركزيا وجهويا وإقليميا سببا في اختلالات المنظومة من خلال التدبير غير الموفق .
وعندما يعاين التفتيش وهو جهاز مراقبة وإنذار مبكر هذه الاختلالات يكون قصارى ما يسمح له به هو رفع تقارير لمن كان سببا فيها أو مسؤولا عنها في نهاية المطاف لسوء تدبيره ، فيلجأ هذا المسؤول المركزي أو الجهوي أو المحلي إلى أسلوب التغاضي عن تقارير الإنذار المبكر ، والالتفاف حولها بشتى الأساليب مستغلا وجود جهاز المراقبة تحت تصرفه فيكون بذلك خصما وحكما في نفس الوقت مما يجعل جهاز المراقبة بدون دلالة ولا معنى. فمطلب استقلالية التفتيش هو عين مطلب استقلالية القضاء إذ من العيوب المسجلة على القضاء في الدول المتخلفة هو عدم استقلاليته ، وتبعيته لمن لا يمكن أن يكونوا خارج طائلة القانون. فإذا كان المسؤول المركزي والجهوي والمحلي في وزارة التربية الوطنية خارج طائلة المراقبة فلا حاجة لوجود جهاز تفتيش ، كما أنه إذا كان هذا التفتيش تحت سلطة هؤلاء المسؤولين فلن يجرؤ على تسجيل ملاحظاته السلبية حول مسؤولياتهم المباشرة ، وغير المباشرة عن اختلالات المنظومة التربوية إذ لا يستقيم أمام عقل أو منطق أن يتسبب من هو تحت سلطة مسؤول في متابعة ومحاسبة هذا المسؤول ، ولأن السلطة على كل شكل من أشكال الرقابة يفقدها بالضرورة المصداقية. ولا يمكن أن تفهم السيدة كاتبة الدولة أن استقلالية التفتيش معناها التطاول على المسؤولين عن تدبير الشأن التربوي ، ولا هي محاولة من المفتشين لفرض الوصاية على غيرهم ، ولا هي محاولة التملص من العمل تحت سلطة من السلط بل هي استقلالية جهاز برمته ليمارس مهام المراقبة دون ضغوط. فكما توجد مفتشية عامة مركزيا تراقب التدبير المركزي وتقدم له النصح ، فلا بد من مفتشيات تابعة لها وتعمل تحت سلطتها جهويا ومحليا وتراقب التدبير الجهوي والمحلي وتقدم له النصح. ولن يقبل مسؤولون سواء مركزيا أو جهويا أو محليا نصحا من جهاز يعمل تحت سلطتهم. فمطلب استقلالية التفتيش ليس تشريفا كما يعتقد البعض بل هو تكليف كما يقال.
والمخاوف من استقلالية التفتيش لا تكون إلا عند أصحاب النوايا المبيتة أو المقتنعين بتدبيرهم الفاشل ، وإلا فأصحاب التدبير الناجح من صالحهم أن يكون التفتيش مستقلا ليكون تقويم تدبيرهم موضوعيا وليس تقويم مجاملة كما يريد البعض. وأخيرا مطلب استقلالية التفتيش هو مطلب بوجود مرآة صافية وبدون تمويه تعكس الوجه الصحيح للمنظومة التربوية ، والقضية في نظري واضحة جلية ولا تحتاج إلى جلوس وبحث كما عبرت عن ذلك السيدة كاتبة الدولة التي نتمنى أن يكون ظاهرها كباطنها إذ نسجل بارتياح ظاهرا يبشر بالخير والله تعالى يتولى السرائر.
محمد شركي
عن وجدة سيتي