شكلت المحطة النضالية الأخيرة التي جسدها إضراب أكتوبر الماضي امتحانا حقيقيا للنقابات التعليمية ذات التمثيلية. ففي موضوع الترقية وبعد أن كانت تدرج بانتظام مطلب الترقية خارج السلم بالنسبة لأساتذة الإبتدائي والإعدادي ضمن سلة مطالبها، سلكت هذه المرة طريقا آخر،وصمتت صمت القبور، وغيبت هذا المطلب وكأن أحدا لم يتداول بشأنه،وهي التي طالما ألحت عليه في مناسبات فائتة. هل اعتقدت هذه النقابات أن الأفواج المنتظرة ستفرط بسهولة في هذا المكسب أوتنطلي عليها لعبة النسيان التي انخرط فيها مؤخرا أطراف الحوار الإجتماعي؟ فعودة إلى الماضي القريب تذكرنا ب"البشرى" التي زفت إلينا من طرف النقابة الوطنية للتعليم التابعة للفيدرالية الديمقراطية للشغل ذات ربيع2007 ،والتي لم تكن في الحقيقة سوى "'اتفاق مبدئي" أي إعلان للنوايا،وهذه هي ثمرة الإستفراد الحكومي بالنقابات،حتى تضمن القدرة على تقزيم المطالب أو تحويرها أوتأويلها على نحوما تتيحه وترضى به.
نعود الآن إلى منطوق المرسوم الصادر بشأنه ترقية الموظفين المرتبين في السلم11 إلى الدرجة الأعلى وهو تحت رقم 403-04-2 بتاريخ 19 دجنبر2005 والذي ورد فيه: {يتم الترقي بالإختيار بعد التقييد في جدول الترقي من الدرجات المرتبة في السلم 11 أو في درجات لها ترتيب استدلالي مماثل إلى الدرجة الأعلى في حدود22 في المائة سنويا من الموظفين المرتبين في الرتبة السابعة والمتوفرين على سبع سنوات من الخدمة في الدرجة}.وبصدد نفس الحدث المبشر به وفي معرض الحديث عن المكتسبات، قيل عن سهو أو جهل أوسوء تأويل نص قانوني أن المرسوم يستثني أساتذة التعليم الإبتدائي والإعدادي لإن موظفي وزارة التربية الوطنية يسري عليهم نظام أساسي خاص،وأن الفضل يعود للنقابة المذكورة في حمل الوزارة على الموافقة المبدئية على هذا المطلب،وأنه قد يمضي وقت يسير ربما سنة أو سنتين حتى يكون هذا المطلب قد تحقق.
إن هذا الفهم لعمري فيه مغالطة كبيرة ومحاولة لتحميل النص القانوني الواضح والفاضح غير ما يحتمل أصلا. فالمرسوم المذكور صدر على قاعدة الإنصاف بين الموظفين في جميع القطاعات ومن ضمنها التعليم،وغايته هي إرساء منظومة جديدة للترقي قائمة على أساس الإستحقاق وقد جاء هذا التعديل تصحيحا لثغرة من ثغرات النظام الخاص بوزارة التربية الوطنية. وحيث أن أي اجتهاد قانوني لا يمكن إلا أن يكون في صالح الموظف وليس ضده، وبما أن المعالجة النقابية ،التي تقوم حاليا على انتقاء المطالب بناء على أجندة غير مصرح بها للقاعدة العريضة من الشغيلة التعليمية، هي معالجة قاصرة عن تلبية الطموحات المشروعة في عموميتها، فإن الفئة المعنية والتي تشهد على حقها ينفلت من بين أيديها جراء هذا التفريط الممنهج من الطرفين، لن تمنح تفويضا لأي كان للإجهاز على هذا الحق المكتسب.
وحتى إن افترضنا أن هذا المرسوم جاء ليقصي هذه الفئة من الترقي،نزولا عند رغبة الوزارة في حساباتها المالية الضيقة، فإنه كان على النقابات ألا تفرط في حق مكتسب نصا وروحا . وأن تطالب بتفعيل الأثر المادي والمعنوي لهذه الترقية ابتداء من تاريخ نسخ هذا المرسوم للمقتضيات التنظيمية المخالفة وهو 9 فبراير 2006 . أما أن يتحول الحق المكتسب بقوة القانون إلى مجرد مطلب ضمن حزمة المطالب، ليتم التفاوض عليه والعودة به إلى المربع الأول فإن ذلك هو بكل أسف اسنخفاف بطموحات هذه الفئة المجاهدة،وتبخيس لأدوارها الطلائعية في إسناد المنظومة التربوية بدعامات التأسيس،واستنزاف للجهد الذي نحن أحوج ما نكون إليه في سبيل البحث والإبداع،بدل المطالبة وإثارة الصداع.
إن الفئات المعنية بهذه الترقية ترى بأن هذه النقابات، أو بعضها على الأقل، قد خذلتها مرتين. المرة الأولى حين أوهمتها بحسم ملفها بالإعتماد على" القبول المبدئي" للوزارة فقط، وهو قبول تكتيكي لجأت إليه الوزارة تفاديا للاصطدام المباشر بالفئة المعنية والمصرة على حقها غير منقوص،ثم تم تغييبه،تمهيدا لنقضه في مناسبات لاحقة. والمرة الثانية حينما سايرت الوزارة في منطقها التسويفي من أجل ربح الوقت..والمال أيضا حينما روجت للتأويل المغرض للنص القانوني ورضخت للمبررات الحكومية التي أخلفت هذه المرة الموعد مع المنطق،وناقضت منطوق المرسوم الذي يقول بالحرف:= يستثنى من هذا المرسوم الموظفون الخاضعون للأنظمة الأساسية الخاصة بهيأة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي وتكوين الأطر والباحثين في الطب والصيدلة وطب الأسنان وأطر كتاب الخارجية والوزراء المفوضين التابعين للنظام الأساسي وموظفي هيأة المهندسين والمهندسين المعماريين وموظفي وزارة الخارجية والتعاون والمفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية وموظفي المديرية العامة للأمن الوطني= .
محمد اقباش