ها هي مذكرة أخرى تنزل من سماء الوزارة على أرض الواقع التعليمي ، إنها المذكرة 155 الخاصة بإسناد مهمة الأستاذ المرشد لأساتذة التعليم الابتدائي. إنها سلعة مستوردة أخرى من جارتنا فرنسا التي تعتبر مرجع المرجعيات في كل ما هو تربوي. فما هو يا ترى مضمون هذه المذكرة؟
تنطلق الوزارة في اعتمادها تمرير مذكرة الأستاذ المرشد من عدة اعتبارات منها :
*ضرورة تشكيل فرق عمل تعمل على بلورة المخطط الاستعجالي.
*تقلص عدد المفتشين.
*تفعيل برنامج العمل التربوي.
*التوصيات المنبثقة عن اللقاءات الجهوية التي تمت مع المفتشين.
*استثمار الكفاءات التي يزخر بها الميدان.
يثيرها الأساتذة مجموعة من الأسئلة حول
دور ومهام وأهمية الأستاذ المرشد وذلك راجع للغموض التي تمارسه الوزارة في العديد من مذكراتها التي تتناسل الواحدة تلو الأخرى وتنزيلها إلى الواقع التعليمي دون استشارة أو إعلام أو تكوين في هذا الصدد.
إن مهمة الأستاذ المرشد مهمة تطوعية يعني عمل إضافي للأستاذ الذي هو في الأصل مثقل بمهمات متعددة والذي سيسخر وقته وجهده لخدمة السادة الأساتذة والسيد المفتش، مادام أنها لا تخضع لتعويضات مادية. مع العلم أن جميع المسئولين الذين سهروا على إخراج هذا المولود إلى الوجود يتمتعون بتعويضات عن المهام الإضافية والتنقلات واللقاءات، في حين أن الأساتذة الذين يعملون في ظروف صعبة وبوسائل بدائية تستحق أكثر من تعويض لا يتم إنصافهم. إنها مهمة ستزيد من توثر الأجواء بين الأساتذة، تلك الأجواء المعكرة أصلا بفعل تصرفات بعض المفتشين غير التربوية، وزيارتهم النادرة إلا في أوقات الترقيات.
إن هذه المهمة تذكرنا بمهمة المفتش المساعد التي كانت في زمن غابر من سيرورة نظامنا التعليمي والتي سادت قبل البدء في تكوين وتخريج المفتشين من المراكز.
وهنا سيعمل الأستاذ المرشد على إنجاز مهمات السيد المفتش من صياغة التقارير، وتوفير الشروط المادية والتنظيمية للقاءات التربوية، تأطير الأساتذة، خصوصا المبتدئين منهم، مساعدة المفتش على تقويم التعلمات و إعداد العدد التربوية والديدكتيكية لفائدة الأساتذة.
وهذا العمل أصلا هو من اختصاص المفتش، وإن كنا نعرف ضعف التأطير وندرة الزيارات وغياب الدراسات الميدانية ، على الوزارة تكوين مفتشين بالعدد الكافي وتؤدي ثمن إغلاقها لمركز تكوين المفتشين لأزيد من 15 سنة وليس نهج سياسة خفض الموارد البشرية وزيادة الأعباء على المدرسين دون تعويضات تذكر. فعوض إعطاء موضوع الإرشاد والتوجيه ما يستحقه من توظيفات جديدة في مجال التأطير والمراقبة التربوية تهرب الوزارة إلى الأمام بحلول ترقيعية تفتح المجال للمزيد من التأويلات المتعددة والمحسوبية وإثارة الحزازات والقلاقل بين الأساتذة كما حصل لمهمة مساعد المدير الذي أسالت كثير من الحبر وأتثبت عدم جدواها بحكم العمل المزدوج (تربوي وإداري) الذي يمارسه الأستاذ.
على الوزارة بدل تكليف أستاذ بمهمة مساعد المفتش أن تعلم أن لمهمة التأطير والمراقبة موظفين يتقاضون أجورا على ذلك وليست عملا إضافيا يقضون بواسطته أوقات فراغهم.
يجب أن تكف الوزارة عن ولادة مثل هذه المهمات غير الواضحة والتي لا تخضع لأية مرجعيات قانونية وتشريعية ودراسات علمية. وعلى سبيل المثال لهذا الغموض أن الأستاذ المزدوج هو الذي سيؤطر كل الأساتذة لأنه لا يمكن لأستاذ معرب أن يؤطر الأساتذة المزدوجين، وكذلك من شروط الاختيار الأستاذ المرشد: التوفر على الخبرة الكافية في مجال التدريس. والتمكن من منهاج المادة أو المواد المدرسة. والقدرة على التواصل. فعلى أي أساس سيتم اختيار الأستاذ ذو الخبرة الواسعة في مجال التدريس والمتمكن من منهاج المواد المدرسة والذي له القدرة على التواصل هل على أساس الأقدمية أم على أساس نقطة التفتيش أو رأي المفتش أم ماذا؟
ومما هو واضح في ملف الترشيح لهذه المهمة لا يتبين كيف سيتم اختيار الأستاذ المرشد لأن ملف الترشيح يتضمن فقط :
-طلبا خطيا.
-نهج السيرة للمترشح.
-مشروعا شخصيا للمترشح يتناول فيه برنامج عمله السنوي، الذي يبقى غامضا في أذهان الأساتذة.
وهذه عناصر غير كافية لمعرفة المتمكن من منهاج المواد المدرسة والقادر على التواصل والذي يمتلك الخبرة الكافية في مجال التدريس.
فعلى المدير والمفتش القيام بمهامهما على أحسن وجه وليس مساعدتهما على القيام بأعمال هي من صميم اختصاصهما. فالأستاذ مختص ومكلف بالقيام بأعمال التدريس ولا يجوز خلط الأوراق وبعثرتها في سبيل تقليص الموارد البشرية وشح التعويضات الموزعة هنا وهناك والتي على العكس تبذل بسخاء في أماكن أخرى غير ذات جدوى ومنفعة للعملية التربوية . كما أن هذه التقليعات الجديدة المتبناة تزيد من هدر الزمن المخصص للإصلاح وتشتيت الجهود الرامية إلى تظافر وتلاحم كل مكونات الفعل التربوي للوصول إلى نظام تربوي يستجيب لطموحات الكل.
إن سياسة الاستمرار في إنزال المذكرات، دليل على أن الوزارة الوصية ظلت الطريق المستقيم، فهي تعمل أي شيء من أجل تلميع صورتها وحفظ ماء وجهها. إن سياسة السير إلى الأمام ، واللامبالاة لن تأتي أكلها ما لم تمارس الوزارة فلسفة الإصغاء والإنصات وفتح النقاش الجاد والمسئول والحوار البناء بين الفاعلين الأساسيين في الميدان وحررت المبادرات ونوعت أساليب التحفيز على العمل والإبداع والخلق حينذاك ستجد الطريق المؤدي إلى النجاح وستجد آذان صاغية وذوات مستعدة للانخراط في المشاريع التي تهدف الرفع من فعالية النظام التعليمي .
ولينتظر السادة الأساتذة عما قريب مذكرة الأستاذ الرئيس إن شاء الله تعالى.
عن جريدة فضاءات الإلكترونية لمحمد أزوض