سنة من الدراسة لتحصل على دبلوم " معطلة "
سمية قجاج
Sunday, January 03, 2010
غمرتها فرحة عارمة بعد حصولها على شهادة الباكلوريا، إنها الشهادة التي ستؤهلها لولوج فضاء الحرية وصقل الشخصية وتحقيق الذات، إنها الجامعة التي أبهرتها بفضائها الرحب ومدرجاتها الكبيرة، وأساتذتها الدكاترة المشهورين، وميكروفوناتها التي لم تعتد التكلم فيها، والأكثر من ذلك حضور اللقاءات العلمية والندوات والانخراط في الفصائل الطلابية ... بمعنى مجمل ممارسة النشاط الجامعي بكل سلبياته وإيجابياته، لتتوج أربع سنوات من الدراسة بالحصول على شهادة الإجازة. شهادة ستؤهلها لولوج مستوى آخر، مستوى أرقى وأهم، إنه مستوى التكوين والبحث، مستوى التأهل لممارسة الأستاذية، والتمرن على إلقاء المحاضرات، وتعلم كيفية الإجابة عن الأسئلة والانتقادات، ومناقشة الآراء، ومن ثم إضافة ثلاث سنوات من البحث المضني والمتعب للحصول على دبلوم الدراسات العليا المعمقة .
إلى غاية ماقبل المناقشة مسلسلها لم يعترضه أي مشهد درامي. كان يوما ليس كباقي الأيام، قاعة مجهزة بأحدث الأجهزة، وأفخر الكراسي، ولجنة مناقشة من أكبر دكاترة القانون العام، وجمهور لايستهان به، وعائلة تكبد بعضها عناء الطريق، وضحى البعض الآخر بوقته، ليشهدوا لحظة تتويج 19 سنة من الدراسة لابنتهم. بدأ العد العكسي، وقف الجميع، ساد الصمت القاتل القاعة لبضع لحظات، وكم كانت طويلة تقاس بالسنين، لتعلن اللجنة عن نتيجة المسار العلمي على لسان رئيسها "رسالة ممتازة ومشرفة للجامعة " لتعقبها تصفيقات الحاضرين، لحظات لن تنسى، أم تبكيها الفرحة، وإخوة يعانقون، وحضور يبارك.
لم تدم فرحة لا الأم ولا الإخوة ولا الحاضرين، ولا نجمة ذلك اليوم، حيث سيبدأ مسلسل المعاناة من البطالة. فبعد أن أمضت الصيف في كتابة طلبات المشاركة في المباريات، واستنفذت كثرة الاظرفة والطوابع البريدية ووسائل التنقل جهدها ماديا ومعنويا، وأقفلت أبواب التوظيف في وجهها، فتحت مجموعة المستقبل للأطر العليا المعطلة أبوابها لها، لتنتشل ضحية أخرى من ضحايا العطالة في المغرب الحديث.
استبشرت خيرا حينما أعلمتها مجموعة المستقبل أن الجميع سيجري مقابلة للحصول على الوظيفة، لكنها مقابلة من نوع آخر.
توصلت أخيرا باستدعاء الحضور لإجراء المقابلة، تضمن الاستدعاء المعلومات التالية:
مكان المقابلة: شوارع العاصمة الرباط
الأدوات المطلوب اصطحابها: أرجل قوية تتحمل قيام النهار بين يدي المؤسسات الحكومية وقبة البرلمان، قلب شجاع وصامد أمام موجات القمع، عظام قابلة للكسر والترميم، معدة صوامة قادرة على خوض إضراب مفتوح عن الطعام، حنجرة سليمة قادرة على رفع الشعارات وإيصال أنينها ومعاناتها إلى المسؤولين والرأي العام، بذلة رسمية تناسب المقام، عزيمة قابلة للجرح دون انكسار، وأخيرا دعاء زكرياء، وصبر أيوب، ويقين يعقوب.
الأسئلة المطروحة: الضرب والكسر والجرح والرفس والركل في جميع الأماكن،الإغماء، الشتم، الاعتقالات، المنع من الخروج إلى الشارع...
تقيدت بكافة الشروط التي تضمنها الاستدعاء، وأعدت العدة لإجراء المقابلة، وصلت إلى مكان إجراء المقابلة حاملة معها كافة الأدوات، ومتوقعة أن تطرح عليها جميع الأسئلة، على أن المدة لن تطول، لتفاجأ بأن المقابلة ليس لها أجل مسمى، ولتتحول إلى أيام ثم شهور، ولن تستغرب إن تحولت إلى سنين، والنتيجة لا تتغير: صمود وصمود من طرف الممتحنين وتعنت وتعنت من قبل لجنة المقابلة. ولتعود بها الذاكرة الى الوراء، وتكتشف أن تصفيقات يوم مناقشتها لرسالتها لتحصل على دبلومDESA، وعرضها لكل ما حققته من إنجاز في البحث العلمي، لم يكن إلا عرضا مصغرا لعرضها الكبير الذي أصبحت تقدمه أمام قبة البرلمان عن مؤهلاتها وشهاداتها، لكن الفرق بين يوم المناقشة في مدر ج جامعة محمد الخامس بسلا، وايامها في شارع محمد الخامس بالرباط تكمن في نتائج كل يوم، حيث أن النتيجة في سلا تم إعلانها مباشرة في ذلك اليوم، أما في الرباط فليس لها أجل مسمى، وليتحول دبلوم الدراسات العليا المعمقة الى دبلوم الدراسات العليا المعطلة، وينضاف دبلوم آخر إلى دبلوماتها، ولتكتشف مرة أخرى أن الدبلوم الذي حصلت عليه في الجامعة سرعان ما يتحول إلى" مركون" بمجرد الخروج من باب الجامعة، حيث يركن في رفوف المؤسسات دون الاستفادة من مؤهلات حامله.
إذن دبلوم الدراسات العليا المعمقة ليس من السهل الحصول عليه في المغرب، فهو يتطلب على الأقل 20 سنة من الدراسة واجتياز مباراة كتابية وشفوية، ثم تقديم رسالة تكلف الكثير والكثير لنيل الدبلوم، لكن ما أن تحصل عليه حتى تكافأ برفض إدماجك في الوظيفة العمومية، وهكذا ودون دراية مسبقة تحصل على دبلوم معطل أو معطلة تمنحه لك شوارع العاصمة الرباط، لكن هذه المرة ليس تحت تصفيقات الجمهور، وإنما تحت هراوات الاجهزة وتحسرات العائلة.
هسبريس جريدة إلكترونية مغربية - Hespress